لم تكن الزكاة مجرد عبادة ربانية بقدر ما حملته للأمة من معاني عدة جاء بها الدين الإسلامي الحنيف لتأسيس بناء الدولة الحديثة القائم على نظريات اقتصادية واجتماعية وإيجاد قواسم مشتركة بين المسلمين تكفل لهم حق التعايش وضمان حقوقهم المشروعة. وفي هذا الصدد فإن التكافل الاجتماعي ظهر بعد الإسلام وكذا الحال للنظريات الاقتصادية التي تنظم التجارة وما يتعلق بها من معايير اقتصادية سليمة ، تحفظ الحقوق والملكيات وتعمل على إيجاد قناة للتواصل بين الأغنياء والفقراء بعيدا عن استغلال حالات الفقر والشح التي أدت حينها إلى تنامي ظاهرة الرق والعبودية الفردية. وعرفت الزكاة في الإسلام لغةً بأنها النمو والزيادة وتُطلق بمعنى الطهارة، وهي سبب في نمو المال وزيادته، وطهارة المال ونفس الغني من الشح، وكذا طهارة المجتمع من الجريمة والفقر والعوز، فيما عرفت الزكاة شرعا بأنها إخراج جزء من المال الذي بلغ النصاب لمستحقه . وقد فرضت الزكاة في السنة الثانية للهجرة كركن من أركان الإسلام والأدلة على وجوبها كثيرة ومتعددة سواء في الكتاب أو السنة قال تعالى: "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " وقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم :" خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكّيهم بها". وفي السنة المطهرة أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل عندما بعثه إلى اليمن " ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتُردُّ في فقرائهم ". ومن الناحية الاجتماعية فرض الله زكاة الفطر طهرةً للصائم وطعمة للمساكين وتأديتها بمثابة صورة من صور التكافل الاجتماعي التي ندب إليها وحث عليها الدين الإسلامي الحنيف. وحسب المختصين في علم الاجتماع فإن أداء الزكاة تأتي أولا من باب إعانة الضعيف، وإغاثة الملهوف، وأقدار العاجز وتقويته على أداء ما افترض الله عز وجل عليه من التوحيد والعبادات ، والوسيلة إلى أداء المفروض مفروضة. كما أن الزكاة تطهر نفس المؤدى من أنجاس الذنوب، وتزكى أخلاقه بالجود والكرم، وترك الشح والظن، إذ النفس مجبولة على الظن بالمال، فتتعود السماحة، وترتضي لأداء الأمانات، وإيصال الحقوق إلى مستحقيها، قال تعالى"خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها". وبما أن الدين الإسلامي جاء مؤسسا للكثير من الأنظمة الحياتية فقد ذهب علماء الاقتصاد إلى أن الزكاة جاءت بمثابة التأسيس لنظام اقتصادي قائم على أسس ونظريات اقتصادية حديثة تعمل على تنظيم حياة المسلمين بعيدة عن الدخول في الشك ونحوه. وجعل الإسلام في كل صنف من أصناف الأموال زكاة إذا توافرت في ذلك الصنف شروط أدائها منفصلاً عن بقية الأصناف، وهذا ما وصلت إليه أحدث النظريات العلمية في مجال تطبيق الضرائب كمبدأ تعدد الضريبة على رأس المال والدخل وإعفاء الحد الأدنى من الدخل وذلك خلافًا للنظريات القديمة التي كانت تأخذ ضريبة موحدة مفروضة على أصل الثروة والتي واجهت انتقادات كثيرة من المفكرين الاقتصاديين، إضافة إلى تذمر الغني الذي كان يشعر أن الضريبة تشكل عبئًا كبيرًا عليه. وتعد فائدة كل صنف من أصناف الزكاة مستقلاً سواء كانت أموالاً نقدية أم أموالاً عينية في أنها لا تشعر الغني بثقل ما طلب منه، وكذا تحقيق العدالة في تحديد الحد الأدنى لذلك المال الذي تجب فيه الزكاة بحيث يدخل صاحبه في زمرة الأغنياء، ثم جعل نسبة على كل صنف من أصناف الزكاة تختلف عن الأخرى. ونظرا لما حملته الزكاة من معاني عدة سواء في تعزيز التكافل الاجتماعي بين المسلمين أو استحداث نظرية اقتصادية ربانية كفيلة بالعمل على تنظيم الحياة الاقتصادية للأمة ووضع حد قاطع لما يؤدي إلى استغلال الناس كالربا ولعب القمار وما سواها من طرق وأنواع الكسب غير المشروع، فإن الدين الإسلامي جعل من الزكاة أولوية هامة تقوم عليها الأمة وركيزة أساسية نحو البناء والتنمية، بحيث لو أنكر وجوبها أحد خرج عن الإسلام، وقتل كفراً. ولم يقف الإسلام عند عقوبة مانع الزكاة بالغرامة المالية، أو غيرها من العقوبات التعزيرية، بل أوجب سل السيوف وإعلان الحرب على كل فئة ذات شوكة تتمرد على أداء الزكاة، فقد ثبت ذلك بالأحاديث الصحيحة وبإجماع الصحابة رضي الله عنهم عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإن فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله". والخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه قال في حرب الردة:" والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه". ويقول الإمام النووي: إذا منع واحد أو جمعٌ الزكاة وامتنعوا بالقتال، وجب على الإمام قتالهم، لما ثبت في الصحيحين من رواية أبى هريرة : إن الصحابة – رضوان الله عليهم - اختلفوا أولاً في قتال مانعي الزكاة، ورأي أبو بكر - رضي الله عنه - قتالهم، واستدل عليهم، فلما ظهرت لهم الدلائل وافقوه، فصار قتالهم مجمعًا عليه.