إصابة 15مواطنا جراء العدوان على صنعاء    تدمير المؤسسة العسكرية الجنوبية مفتاح عودة صنعاء لحكم الجنوب    فشل المنظومات الاعتراضية الأمريكية والإسرائيلية وهروب ثلاثة ملايين صهيوني إلى الملاجئ    ورطة إسرائيل.. "أرو" و"ثاد" فشلا في اعتراض صاروخ الحوثيين    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    وزير الصحة ومنظمات دولية يتفقدون مستشفى إسناد للطب النفسي    فيما مصير علي عشال ما يزال مجهولا .. مجهولون يختطفون عمه من وسط عدن    قدسية نصوص الشريعة    في خطابه بالذكرى السنوية للصرخة وحول آخر التطورات.. قائد الثورة : البريطاني ورط نفسه ولينتظر العواقب    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    تطور القدرات العسكرية والتصنيع الحربي    الاجتماع ال 19 للجمعية العامة يستعرض انجازات العام 2024م ومسيرة العطاء والتطور النوعي للشركة: «يمن موبايل» تحافظ على مركزها المالي وتوزع أعلى الارباح على المساهمين بنسبة 40 بالمائة    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    في ذكرى الصرخة في وجه المستكبرين: "الشعار سلاح وموقف"    من أسبرطة إلى صنعاء: درس لم نتعلمه بعد    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    ملفات على طاولة بن بريك.. "الاقتصاد والخدمات واستعادة الدولة" هل يخترق جدار الأزمات؟    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    مرض الفشل الكلوي (3)    الآنسي يُعزي العميد فرحان باستشهاد نجله ويُشيد ببطولات الجيش    دوي انفجارات في صنعاء بالتزامن مع تحليق للطيران    شركات طيران أوروبية تعلق رحلاتها إلى "إسرائيل"    التحذير من شراء الأراضي الواقعة ضمن حمى المواقع الأثرية    وسط إغلاق شامل للمحطات.. الحوثيون يفرضون تقنينًا جديدًا للوقود    صنعاء .. طوابير سيارات واسطوانات أما محطات الوقود وشركتا النفط والغاز توضحان    العشاري: احراق محتويات مكتب المعهد العالي للتوجيه والارشاد بصنعاء توجه إلغائي عنصري    إلى متى سيظل العبر طريق الموت ؟!!    نصيحة لبن بريك سالم: لا تقترب من ملف الكهرباء ولا نصوص الدستور    تحالف (أوبك+) يوافق على زيادة الإنتاج في يونيو القادم    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 52535 شهيدا و118491 مصابا    قيادي حوثي يفتتح صيدلية خاصة داخل حرم مستشفى العدين بإب    وزير الدفاع الإسرائيلي: من يضربنا سنضربه سبعة أضعاف    ريال مدريد يتغلب على سيلتا فيغو في الدوري الاسباني    «كاك بنك» يدشن خدمة التحصيل والسداد الإلكتروني للإيرادات الضريبية عبر تطبيق "كاك بنكي"    أعضاء من مجلس الشورى يتفقدون أنشطة الدورات الصيفية في مديرية معين    وفاة طفلتين غرقا بعد أن جرفتهما سيول الأمطار في صنعاء    الدكتور أحمد المغربي .. من غزة إلى بلجيكا.. طبيب تشكّل وعيه في الانتفاضة، يروي قصة الحرب والمنفى    وجّه ضربة إنتقامية: بن مبارك وضع الرئاسي أمام "أزمة دستورية"    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    92 ألف طالب وطالبة يتقدمون لاختبارات الثانوية العامة في المحافظات المحررة    بن بريك والملفات العاجلة    هدف قاتل من لايبزيغ يؤجل احتفالات البايرن بلقب "البوندسليغا"    يفتقد لكل المرافق الخدمية ..السعودية تتعمد اذلال اليمنيين في الوديعة    لاعب في الدوري الإنجليزي يوقف المباراة بسبب إصابة الحكم    السعودية تستضيف كأس آسيا تحت 17 عاماً للنسخ الثلاث المقبلة 2026، 2027 و2028.    الأهلي السعودي يتوج بطلاً لكأس النخبة الآسيوية الأولى    أين أنت يا أردوغان..؟؟    مع المعبقي وبن بريك.. عظم الله اجرك يا وطن    المعهد الثقافي الفرنسي في القاهرة حاضنة للإبداع    - حكومة صنعاء تحذير من شراء الأراضي بمناطق معينة وإجراءات صارمة بحق المخالفين! اقرا ماهي المناطق ؟    "ألغام غرفة الأخبار".. كتاب إعلامي "مثير" للصحفي آلجي حسين    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    القاعدة الأساسية للأكل الصحي    مانشستر سيتي يقترب من حسم التأهل لدوري أبطال أوروبا    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علماء الأمة: الزكاة فرضت لتزكية النفوس وتطهير الأموال وتعزيز روح التكافل
نشر في سبأنت يوم 28 - 07 - 2012

فرض الله سبحانه وتعالى الزكاة لتزكية النفوس وتطهير أموال الأغنياء من البخل والشح ليستفيد منها الفقراء والضعفاء، وتعزيز روح التكافل بين أفراد المجتمع وتعميق ثقافة المحبة والمودة والتضامن بينهم ليكونوا كالجسد الواحد والبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا.
وجعل الله عز وجل فريضة الزكاة أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام التي لا يقوم إلا عليها، ولا يستقيم إلا بها باعتبارها قرينة الصلاة ذكرها في عدة آيات من كتابه الكريم قال سبحانه: وأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ"، بل بين الله فضل أدائها في نصوص كثيرة من القرآن الكريم والسنة المطهرة، إضافة إلى توضيح الوعيد الشديد على من منعها أو بخسها أو بخل بها.
والزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام ودليل فرضيتها كتاب الله تعالى وسنة نبيه وإجماع الأمة، قال سبحانه وتعالى" وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" وقوله تعالى" وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وقوله عز وجل" وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ".
وأثرت كتب الفقه بالأدلة القطعية التي تدل على وجوب الزكاة، فعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :«بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان» رواه البخاري ومسلم، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي بعث معاذًا إلى اليمن فقال: «ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم» رواه البخاري ومسلم.
وأجمع علماء الأمة على وجوب الزكاة، واتفق الصحابة رضي الله عنهم في عهد أبي بكر على قتال مانعيها ، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه :" والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه ".
وأوضحت السنة المطهرة أن الزكاة شرعت امتثالا لأمر الله سبحانه وتعالى وطلبا لمرضاته ورغبة في ثوابه وخوفًا من عقابه ومواساة لإخوانه المحتاجين من الفقراء والمساكين ونحوهم، فأداؤها من باب إعانة الضعيف وإغاثة اللهيف وإقدار العاجز وتقويته على أداء ما افترض الله عليه من التوحيد والعبادات، وكذا تطهير نفس المؤدي من الذنوب وتزكي أخلاقه بالجود والكرم وترك الشح كون النفوس مجبولة على محبة المال وإمساكه، فتتعود السماحة وترتاض لأداء الأمانات وإيصال الحقوق إلى مستحقيها وقد تضمن ذلك كله قوله تعالى" خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا".
وفصلت كتب الفقه مشروعية الزكاة وفوائدها وأهميتها وأنواعها ووجوب تسلميها حسب ما الرواة، واعتبر علماء الفقه الزكاة طهارة للمجتمع كله أغنيائه وفقرائه، وطهارة للمال ونماء للغني وكيانه المعنوي، عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: ضرب رسول الله ،مثل البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى ثديهما وتراقيهما فجعل المتصدق كلما هّم بصدقة انبسطت عنه حتى تغشى أنامله وتعفو أثره وجعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت وأخذت كل حلقة بمكانها، قال أبو هريرة: فأنا رأيت رسول يقول بإصبعه هكذا في جيبه فلو رأيته يوسعها ولا تتوسع ".. رواه البخاري ومسلم.
وفي هذا الصدد يقول العلامة محمد بن سالم البيحاني في كتابه " الفتوحات الربانية في الخطب والمواعظ القرآنية " لو أدرك الناس حكمة الزكاة وأدى الغني ما عليه للفقير لطابت نفوسهم وائتلفت قلوبهم ولم يحسد البائس نعمة الله وفضله على الغني القائم بحقوق الله المتصدق بماله والمنصف من نفسه الشريك والأجير ".
وأضاف:" لو اخرج المسلمون من أموالهم الزكاة والفدية والنذر والتكفير لكان في ذلك ما يغني عن تحكم المفاليس في ثروة المياسير ، لكن كثيرا من الأغنياء يجود في غير معروف ويهلك ماله بالتبذير ويبخل على الله بربع العشر من عروض تجارته وما لديه من أمول وهو شيء يؤخذ من الأغنياء ويرد على الفقراء في العامة مرة وهو قليل من كثير قال سبحانه وتعالى " وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ".
ويؤكد العلامة عبدالله بن زيد العنسي رحمه الله في كتابه " الإرشاد إلى نجاة العباد" الذي حققه عبدالسلام الوجيه ومحمد الهاشمي أن فريضة الزكاة كالصلاة لا ينفع إحداهما دون الأخر مستدلا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم " إن الله فرض ل لفقراء في أموال الأغنياء حقا قدر ما يسعهم فإن منعوهم حتى يجوعوا ويعروا حاسبهم الله حسابا شديدا وعذبهم عذابا نكرا ".
وأوضح العلامة العنسي أن الزكاة تجب في النفس والماء ، ففي النفس تعتبر صدقة الفطر وأما الأموال ففيها سبعة أصناف الأول الذهب والثاني الفضة والثالث بهيمة الأنعام " الإبل والبقر والغنم" والرابع ما أخرجت الأرض من مكيل أو غير مكيل وخامسها العسل وسادسها أموال التجارة وسابعها المستغلات وما عدا ذلك لا تجب الزكاة.. وقال:" تجب الزكاة للنصاب في الذهب عشرون مثقالا والمثقال وزن ستين حبة من الشعري الأوسط ، والنصاب في الفضة مائتا درهم والدرهم سبعة أعشار المثال واثنتان وأربعون حبة من الشعر الأوسط والنصاب في الإبل إذا بلغت خمس ذود والنصاب في البقر إذا بلغت ثلاثين بقرة أو ثورا والنصاب في الغنم إذا بلغت أربعين شاة والنصاب في المكيل إذا بلغ خمسة أوسق والوسق ستون صاعا والصاع خمسة أرطال وثلث ونصاب ما لا يكال مما أخرجت الأرض أن تبلغ قيمة كل جنس مائتي ريال إما دفعة واحدة أو دفعات في السنة الواحدة ".
وأضاف:" نصاب أموال التجارة هي أن تبلغ قيمته مائتي درهم ونصاب المستغلات أن تبلغ قيمته ما يستغل من الدور والحوانيت وغيرها مائتي درهم سواء بلغت الغلة أو لا وزكاة النفس هي صدقة الفطر " صاع من بر أو شعر أو ذرة أو غير ذلك مما يأكله المزكون أو قيمة الصاع" ، فيما زكاة الذهب والفضة فهي ربع العشر وزكاة ا لعسل وما أخرجت الأرض فهو العشر ".
فيما يقول ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى في كتاب " زاد المعاد": كان هدي النبي عليه الصلاة والسلام في الزكاة أكمل هدي في وقتها وقدرها ونصابها ومن تجب عليه ومصرفها، راعى فيها مصلحة أرباب الأموال ومصلحة المساكين وجعلها طهرة للمال ولصاحبه وقيد النعمة بها على الأغنياء فما زالت النعمة بالمال على من أدى زكاته بل يحفظه الله عليه وينميه له ".
وأضاف :" اقتضت حكمته أن جعل في الأموال قدرًا يحتمل المواساة ولا يجحف بها ويكفي المساكين ولا يحتاجون معه إلى شيء ففرض في أموال الأغنياء ما يكفي الفقراء فوقع الظلم من الطائفتين: الغني يمنع ما وجب عليه، والآخذ يأخذ ما لا يستحقه فتولد من بين الطائفتين ضرر عظيم على المساكين وفاقة شديدة أوجبت لهم أنواع الحيل والإلحاف في المسألة" .
وأجمع كثير من علماء الدين على أن الزكاة وسيلة من وسائل الضمان الاجتماعي الذي جاء به الإسلام باعتبار أن الإسلام يأبى أن يوجد في مجتمعه من لا يجد قوت ما يكفيه، وثوب يستره ويواريه ومسكن يؤويه كونها ضروريات وحقوق يجب توفيرها لكل من يعيش في ظل الإسلام والمسلم مطالب بتحقيق تلك الضرورات من جهده وكسبه، فإن لم يستطع فالمجتمع المسلم يكفله ويضمنه ولا يدعه فريسة الجوع والعري والمسكنة، فعن أبي موسى قال: قال رسول الله :«المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا» وشبك بين أصابعه وعن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله : «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
ويرى فضيلة العلامة الشيخ محمد بن علي الشوكاني أحد أعلام اليمن في كتابه نيل الأوطار أن الزكاة في باب الحث عليها والتشديد في منعها ارتبطت بثلاثة من أركان الإسلام الخمسة" الشهادتان والصلاة والزكاة" لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل عندما بعثه إلى اليمن: إنك تأتي قوما من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن أطاعوك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم, فإن هم أطاعوك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ".
وأوضح الإمام الشوكاني رحمه الله أن الزكاة في اللغة تعني النماء، فيقال: زكى الزرع إذا نما، وترد أيضاً بمعنى التطهير، وترد شرعاً بالاعتبارين معاً، أما بالأول؛ فلأن إخراجها سبب للنماء في المال، أو بمعنى أن الأجر يكثر بسببها، أو بمعنى أن تعلقها بالأموال ذات النماء: كالتجارة، والزراعة، وأما الثاني؛ فلأنها طهرة النفس من رذيلة البخل، وطهرة من الذنوب".
فيما يشير العلامة عبدالله بن جارالله الجارالله في كتابه "أحكام الزكاة " إلى أن الزكاة ركن من أركان الإسلام وفرض من فروضه.. مستدلا بقوله تعالى" وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين".. مبينا أن الزكاة فرضت على المسلمين امتثالا لأمر الله وطلبا لمرضاته ورغبة في ثوابه وخوفًا من عقابه وتزكية للنفوس من الشح والطمع قال تعالى "قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها ".
ويقول العلامة أبي حامد الغزالي في كتابه "أسرار الزكاة" إن الله تعالى جعل الزكاة إحدى مباني الإسلام وأردف بذكرها الصلاة التي هي أعلى الأعلام فقال تعالى" وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة" وقال صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة". أخرجاه من حديث ابن عمر.
وأضاف العلامة الغزالي:" هناك وظائف على مريد طريق الآخرة بزكاته الأولى فهم وجوب الزكاة ومعناها ووجه الامتحان فيها وأنها جعلت من مباني الإسلام مع أنها تصرف مالي وليست من عبادة الأبدان وفيه ثلاث معان، منها أن التلفظ بكلمتي الشهادة التزام للتوحيد وشهادة بإفراد المعبود وشرط تمام الوفاء به أن لا يبقى للموحد محبوب سوى الواحد الفرد فإن المحبة لا تقبل الشركة والتوحيد باللسان قليل الجدوى".
في حين أوضح العلامة يحيي بن شرف أبو زكريا النووي في كتاب الزكاة " شرح النووي على مسلم" أن الزكاة في اللغة هي النماء والتطهير، فالمال ينمى بها من حيث لا يرى، وهي مطهرة لمؤديها من الذنوب، وقيل : ينمى أجرها عند الله تعالى .. مبينا أن الزكاة سميت في الشرع لوجود المعنى اللغوي فيها، وقيل : لأنها تزكي صاحبها وتشهد بصحة إيمانه، قال صلى الله عليه وسلم: " والصدقة برهان "، قالوا: وسميت صدقة؛ لأنها دليل لتصديق صاحبها وصحة إيمانه بظاهره وباطنه.
واستشهد الإمام النووي بقول القاضي عياض: عن المازري رحمه الله " قد أفهم الشرع أن الزكاة وجبت للمواساة، والمواساة لا تكون إلا في مال له بل وهو النصاب، ثم جعلها في الأموال الثابتة؛ وهي العين والزرع والماشية، وأجمع علماء الأمة على وجوب الزكاة في هذه الأنواع، واختلفوا فيما سواها كالعروض، فالجمهور يوجبون زكاة العروض ،وداود يمنعها تعلقا بقوله صلى الله عليه وسلم :" ليس على الرجل في عبده ولا فرسه صدقة "، وحدد الشرع نصاب كل جنس بما يحتمل المواساة؛ فنصاب الفضة: خمس أواق، وهي مائتا درهم، بنص الحديث والإجماع، وأما الذهب: فعشرون مثقالا.
وتابع :" أما الزروع والثمار والماشية فنصبها معلومة، ورتب الشرع مقدار الواجب بحسب المؤنة والتعب في المال، فأعلاها وأقلها تعبا الركاز وفيه الخمس لعدم التعب فيه، ويليه الزرع والثمر، فإن سقي بماء السماء ونحوه ففيه العشر، وإلا فنصفه، ويليه الذهب والفضة والتجارة وفيها ربع العشر، لأنه يحتاج إلى العمل فيه جميع السنة، ويليه الماشية فإنه يدخلها الأوقاص بخلاف الأنواع السابقة، قال صلى الله عليه وسلم :" ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " والأوسق جمع وسق، والمراد بالوسق ستون صاعا كل صاع خمسة أرطال وثلث بالبغدادي ، وفي رطل بغداد أقوال أظهرها : أنه مائة درهم وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم، وقيل : مائة وثمانية وعشرون بلا أسباع ، وقيل : مائة وثلاثون ، فالأوسق الخمسة ألف وستمائة رطل بالبغدادي ".
وبين الإمام النووي أن علماء المسلمين أجمعوا على تأدية الزكاة فيما زاد في الحب والتمر على خمسة أوسق بحسابه، وأنه لا أوقاص فيها، واختلفوا في الذهب والفضة فقال مالك والليث والثوري والشافعي وابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد وأكثر أصحاب أبي حنيفة وجماعة أهل الحديث : إن فيما زاد من الذهب والفضة ربع العشر في قليله وكثيره ولا وقص، وروي ذلك عن علي وابن عمر، وقال أبو حنيفة وبعض السلف: لا شيء فيما زاد على مائتي درهم حتى يبلغ أربعين درهما ولا فيما زاد على عشرين دينارا حتى يبلغ أربعة دنانير ، فإذا زادت ففي كل أربعين درهما درهم ؛ وفي كل أربعة دنانير درهم فجعل لها وقصا كالماشية".
وأجمع أهل الحديث وأئمة أهل اللغة على أن الأوقية الشرعية أربعون درهما، وهي أوقية الحجاز :قال القاضي عياض: لا يصح أن تكون الأوقية والدراهم مجهولة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو يوجب الزكاة في أعداد منها، ويقع بها البياعات والأنكحة كما ثبت في الأحاديث الصحيحة، وأنه جمعها برأي العلماء وجعل كل عشرة وزن سبعة مثاقيل، ووزن الدرهم ستة دوانيق قول باطل.
وبين علماء الفقه أن كل نوع من أنواع الزكاة له وقته وهناك ما هو مرتبط بالنصاب وما حال عليه الحول كالأموال" الذهب والفضة وما ناب عنهما كالدراهم وما هو حاصل في تعاملات البنوك" الشيكات، السندات " فهي لابد ان تبلغ النصاب ويحول عليها الحول والنصاب ما يزد عن 80 جراما من الذهب وزكاته ربع العشر 2 ونصف في المائة، لحديث الإمام علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له" اذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيهما خمسة دراهم، وليس عليك شيء ، يعني في الذهب، حتى يكون لك عشرون دينارا وحال عليها الحول ففيها نصف دينار".
كما يرى عامة الفقهاء وجوب الزكاة في العروض المتجر بها، لأنها مال نام فتجب فيه قياسا على سائر الأموال كالأنعام والحبوب والثمار والفضة والذهب ونحو ذلك، فإذا حال عليها الحول وبلغت نصابا ففيها ربع العشر، قال تعالى" يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض"، وحديث جندب رحمه الله قال " كان رسول الله صلى الله عليه وعلى أله وسلم يأمرنا ان نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع".
وأجمع العلماء وجوب زكاة الزروع والثمار، ومقدارها فإذا كان ما يسقى من السماء او يروى من الأنهار والعيون بدون تكاليف ففيه العشر، اما إذا سقي بالمؤن اي من الآبار والمضخات فالواجب فيه نصف العشر ، ومقدار النصاب في الزروع والثمار هو خمسة اوسق والوسق ستون صاعا.
وأوضح العلماء أن زكاة الفطر متعلقة بالصوم وهي تجب على الصغير والكبير، ذكرا كان أو أنثى حر أو عبد ، فيما تجب زكاة الركاز أي الكنوز الموجودة في الأرض وتعطى عند ظهورها وفيها الخُمس.
كما استعرض العلامة سعيد بن علي القحطاني في كتابه مصارف الزكاة أنواع الزكاة في الإسلام وقال :" الزكاة ثلاثة أنواع تشمل زكاة النفس، قال الله تعالى: ]وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا[ وتزكية النفس: تطهيرها من الشرك، والكفر، والنفاق، والذنوب والمعاصي، والأخلاق الذميمة والنوع الثاني: زكاة البدن، وهي صدقة الفطر من شهر رمضان المبارك، وقد فرضها رسول الله على الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والحر والعبد من المسلمين، طهرة للصائم من اللغو والرفث: صاعاً من طعام، أو من برٍّ، أو تمر, أو شعير، أو أقط أو زبيب، فيما النوع الثالث: زكاة الأموال وهي ركن من أركان الإسلام، وهي قرينة الصلاة، وهي طهرة للأموال، والأنفس، وبركة في الأموال والأنفس".
علماء الأمة: الزكاة فرضت لتزكية النفوس وتطهير الأموال وتعزيز روح التكافل
صنعاء – سبأنت: يحيى عسكران
فرض الله سبحانه وتعالى الزكاة لتزكية النفوس وتطهير أموال الأغنياء من البخل والشح ليستفيد منها الفقراء والضعفاء، وتعزيز روح التكافل بين أفراد المجتمع وتعميق ثقافة المحبة والمودة والتضامن بينهم ليكونوا كالجسد الواحد والبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا.
وجعل الله عز وجل فريضة الزكاة أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام التي لا يقوم إلا عليها، ولا يستقيم إلا بها باعتبارها قرينة الصلاة ذكرها في عدة آيات من كتابه الكريم قال سبحانه: وأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ"، بل بين الله فضل أدائها في نصوص كثيرة من القرآن الكريم والسنة المطهرة، إضافة إلى توضيح الوعيد الشديد على من منعها أو بخسها أو بخل بها.
والزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام ودليل فرضيتها كتاب الله تعالى وسنة نبيه وإجماع الأمة، قال سبحانه وتعالى" وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" وقوله تعالى" وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وقوله عز وجل" وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ".
وأثرت كتب الفقه بالأدلة القطعية التي تدل على وجوب الزكاة، فعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :«بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان» رواه البخاري ومسلم، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي بعث معاذًا إلى اليمن فقال: «ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم» رواه البخاري ومسلم.
وأجمع علماء الأمة على وجوب الزكاة، واتفق الصحابة رضي الله عنهم في عهد أبي بكر على قتال مانعيها ، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه :" والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه ".
وأوضحت السنة المطهرة أن الزكاة شرعت امتثالا لأمر الله سبحانه وتعالى وطلبا لمرضاته ورغبة في ثوابه وخوفًا من عقابه ومواساة لإخوانه المحتاجين من الفقراء والمساكين ونحوهم، فأداؤها من باب إعانة الضعيف وإغاثة اللهيف وإقدار العاجز وتقويته على أداء ما افترض الله عليه من التوحيد والعبادات، وكذا تطهير نفس المؤدي من الذنوب وتزكي أخلاقه بالجود والكرم وترك الشح كون النفوس مجبولة على محبة المال وإمساكه، فتتعود السماحة وترتاض لأداء الأمانات وإيصال الحقوق إلى مستحقيها وقد تضمن ذلك كله قوله تعالى" خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا".
وفصلت كتب الفقه مشروعية الزكاة وفوائدها وأهميتها وأنواعها ووجوب تسلميها حسب ما الرواة، واعتبر علماء الفقه الزكاة طهارة للمجتمع كله أغنيائه وفقرائه، وطهارة للمال ونماء للغني وكيانه المعنوي، عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: ضرب رسول الله ،مثل البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى ثديهما وتراقيهما فجعل المتصدق كلما هّم بصدقة انبسطت عنه حتى تغشى أنامله وتعفو أثره وجعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت وأخذت كل حلقة بمكانها، قال أبو هريرة: فأنا رأيت رسول يقول بإصبعه هكذا في جيبه فلو رأيته يوسعها ولا تتوسع ".. رواه البخاري ومسلم.
وفي هذا الصدد يقول العلامة محمد بن سالم البيحاني في كتابه " الفتوحات الربانية في الخطب والمواعظ القرآنية " لو أدرك الناس حكمة الزكاة وأدى الغني ما عليه للفقير لطابت نفوسهم وائتلفت قلوبهم ولم يحسد البائس نعمة الله وفضله على الغني القائم بحقوق الله المتصدق بماله والمنصف من نفسه الشريك والأجير ".
وأضاف:" لو اخرج المسلمون من أموالهم الزكاة والفدية والنذر والتكفير لكان في ذلك ما يغني عن تحكم المفاليس في ثروة المياسير ، لكن كثيرا من الأغنياء يجود في غير معروف ويهلك ماله بالتبذير ويبخل على الله بربع العشر من عروض تجارته وما لديه من أمول وهو شيء يؤخذ من الأغنياء ويرد على الفقراء في العامة مرة وهو قليل من كثير قال سبحانه وتعالى " وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ".
ويؤكد العلامة عبدالله بن زيد العنسي رحمه الله في كتابه " الإرشاد إلى نجاة العباد" الذي حققه عبدالسلام الوجيه ومحمد الهاشمي أن فريضة الزكاة كالصلاة لا ينفع إحداهما دون الأخر مستدلا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم " إن الله فرض ل لفقراء في أموال الأغنياء حقا قدر ما يسعهم فإن منعوهم حتى يجوعوا ويعروا حاسبهم الله حسابا شديدا وعذبهم عذابا نكرا ".
وأوضح العلامة العنسي أن الزكاة تجب في النفس والماء ، ففي النفس تعتبر صدقة الفطر وأما الأموال ففيها سبعة أصناف الأول الذهب والثاني الفضة والثالث بهيمة الأنعام " الإبل والبقر والغنم" والرابع ما أخرجت الأرض من مكيل أو غير مكيل وخامسها العسل وسادسها أموال التجارة وسابعها المستغلات وما عدا ذلك لا تجب الزكاة.. وقال:" تجب الزكاة للنصاب في الذهب عشرون مثقالا والمثقال وزن ستين حبة من الشعري الأوسط ، والنصاب في الفضة مائتا درهم والدرهم سبعة أعشار المثال واثنتان وأربعون حبة من الشعر الأوسط والنصاب في الإبل إذا بلغت خمس ذود والنصاب في البقر إذا بلغت ثلاثين بقرة أو ثورا والنصاب في الغنم إذا بلغت أربعين شاة والنصاب في المكيل إذا بلغ خمسة أوسق والوسق ستون صاعا والصاع خمسة أرطال وثلث ونصاب ما لا يكال مما أخرجت الأرض أن تبلغ قيمة كل جنس مائتي ريال إما دفعة واحدة أو دفعات في السنة الواحدة ".
وأضاف:" نصاب أموال التجارة هي أن تبلغ قيمته مائتي درهم ونصاب المستغلات أن تبلغ قيمته ما يستغل من الدور والحوانيت وغيرها مائتي درهم سواء بلغت الغلة أو لا وزكاة النفس هي صدقة الفطر " صاع من بر أو شعر أو ذرة أو غير ذلك مما يأكله المزكون أو قيمة الصاع" ، فيما زكاة الذهب والفضة فهي ربع العشر وزكاة ا لعسل وما أخرجت الأرض فهو العشر ".
فيما يقول ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى في كتاب " زاد المعاد": كان هدي النبي عليه الصلاة والسلام في الزكاة أكمل هدي في وقتها وقدرها ونصابها ومن تجب عليه ومصرفها، راعى فيها مصلحة أرباب الأموال ومصلحة المساكين وجعلها طهرة للمال ولصاحبه وقيد النعمة بها على الأغنياء فما زالت النعمة بالمال على من أدى زكاته بل يحفظه الله عليه وينميه له ".
وأضاف :" اقتضت حكمته أن جعل في الأموال قدرًا يحتمل المواساة ولا يجحف بها ويكفي المساكين ولا يحتاجون معه إلى شيء ففرض في أموال الأغنياء ما يكفي الفقراء فوقع الظلم من الطائفتين: الغني يمنع ما وجب عليه، والآخذ يأخذ ما لا يستحقه فتولد من بين الطائفتين ضرر عظيم على المساكين وفاقة شديدة أوجبت لهم أنواع الحيل والإلحاف في المسألة" .
وأجمع كثير من علماء الدين على أن الزكاة وسيلة من وسائل الضمان الاجتماعي الذي جاء به الإسلام باعتبار أن الإسلام يأبى أن يوجد في مجتمعه من لا يجد قوت ما يكفيه، وثوب يستره ويواريه ومسكن يؤويه كونها ضروريات وحقوق يجب توفيرها لكل من يعيش في ظل الإسلام والمسلم مطالب بتحقيق تلك الضرورات من جهده وكسبه، فإن لم يستطع فالمجتمع المسلم يكفله ويضمنه ولا يدعه فريسة الجوع والعري والمسكنة، فعن أبي موسى قال: قال رسول الله :«المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا» وشبك بين أصابعه وعن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله : «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
ويرى فضيلة العلامة الشيخ محمد بن علي الشوكاني أحد أعلام اليمن في كتابه نيل الأوطار أن الزكاة في باب الحث عليها والتشديد في منعها ارتبطت بثلاثة من أركان الإسلام الخمسة" الشهادتان والصلاة والزكاة" لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل عندما بعثه إلى اليمن: إنك تأتي قوما من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن أطاعوك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم, فإن هم أطاعوك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ".
وأوضح الإمام الشوكاني رحمه الله أن الزكاة في اللغة تعني النماء، فيقال: زكى الزرع إذا نما، وترد أيضاً بمعنى التطهير، وترد شرعاً بالاعتبارين معاً، أما بالأول؛ فلأن إخراجها سبب للنماء في المال، أو بمعنى أن الأجر يكثر بسببها، أو بمعنى أن تعلقها بالأموال ذات النماء: كالتجارة، والزراعة، وأما الثاني؛ فلأنها طهرة النفس من رذيلة البخل، وطهرة من الذنوب".
فيما يشير العلامة عبدالله بن جارالله الجارالله في كتابه "أحكام الزكاة " إلى أن الزكاة ركن من أركان الإسلام وفرض من فروضه.. مستدلا بقوله تعالى" وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين".. مبينا أن الزكاة فرضت على المسلمين امتثالا لأمر الله وطلبا لمرضاته ورغبة في ثوابه وخوفًا من عقابه وتزكية للنفوس من الشح والطمع قال تعالى "قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها ".
ويقول العلامة أبي حامد الغزالي في كتابه "أسرار الزكاة" إن الله تعالى جعل الزكاة إحدى مباني الإسلام وأردف بذكرها الصلاة التي هي أعلى الأعلام فقال تعالى" وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة" وقال صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة". أخرجاه من حديث ابن عمر.
وأضاف العلامة الغزالي:" هناك وظائف على مريد طريق الآخرة بزكاته الأولى فهم وجوب الزكاة ومعناها ووجه الامتحان فيها وأنها جعلت من مباني الإسلام مع أنها تصرف مالي وليست من عبادة الأبدان وفيه ثلاث معان، منها أن التلفظ بكلمتي الشهادة التزام للتوحيد وشهادة بإفراد المعبود وشرط تمام الوفاء به أن لا يبقى للموحد محبوب سوى الواحد الفرد فإن المحبة لا تقبل الشركة والتوحيد باللسان قليل الجدوى".
في حين أوضح العلامة يحيي بن شرف أبو زكريا النووي في كتاب الزكاة " شرح النووي على مسلم" أن الزكاة في اللغة هي النماء والتطهير، فالمال ينمى بها من حيث لا يرى، وهي مطهرة لمؤديها من الذنوب، وقيل : ينمى أجرها عند الله تعالى .. مبينا أن الزكاة سميت في الشرع لوجود المعنى اللغوي فيها، وقيل : لأنها تزكي صاحبها وتشهد بصحة إيمانه، قال صلى الله عليه وسلم: " والصدقة برهان "، قالوا: وسميت صدقة؛ لأنها دليل لتصديق صاحبها وصحة إيمانه بظاهره وباطنه.
واستشهد الإمام النووي بقول القاضي عياض: عن المازري رحمه الله " قد أفهم الشرع أن الزكاة وجبت للمواساة، والمواساة لا تكون إلا في مال له بل وهو النصاب، ثم جعلها في الأموال الثابتة؛ وهي العين والزرع والماشية، وأجمع علماء الأمة على وجوب الزكاة في هذه الأنواع، واختلفوا فيما سواها كالعروض، فالجمهور يوجبون زكاة العروض ،وداود يمنعها تعلقا بقوله صلى الله عليه وسلم :" ليس على الرجل في عبده ولا فرسه صدقة "، وحدد الشرع نصاب كل جنس بما يحتمل المواساة؛ فنصاب الفضة: خمس أواق، وهي مائتا درهم، بنص الحديث والإجماع، وأما الذهب: فعشرون مثقالا.
وتابع :" أما الزروع والثمار والماشية فنصبها معلومة، ورتب الشرع مقدار الواجب بحسب المؤنة والتعب في المال، فأعلاها وأقلها تعبا الركاز وفيه الخمس لعدم التعب فيه، ويليه الزرع والثمر، فإن سقي بماء السماء ونحوه ففيه العشر، وإلا فنصفه، ويليه الذهب والفضة والتجارة وفيها ربع العشر، لأنه يحتاج إلى العمل فيه جميع السنة، ويليه الماشية فإنه يدخلها الأوقاص بخلاف الأنواع السابقة، قال صلى الله عليه وسلم :" ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " والأوسق جمع وسق، والمراد بالوسق ستون صاعا كل صاع خمسة أرطال وثلث بالبغدادي ، وفي رطل بغداد أقوال أظهرها : أنه مائة درهم وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم، وقيل : مائة وثمانية وعشرون بلا أسباع ، وقيل : مائة وثلاثون ، فالأوسق الخمسة ألف وستمائة رطل بالبغدادي ".
وبين الإمام النووي أن علماء المسلمين أجمعوا على تأدية الزكاة فيما زاد في الحب والتمر على خمسة أوسق بحسابه، وأنه لا أوقاص فيها، واختلفوا في الذهب والفضة فقال مالك والليث والثوري والشافعي وابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد وأكثر أصحاب أبي حنيفة وجماعة أهل الحديث : إن فيما زاد من الذهب والفضة ربع العشر في قليله وكثيره ولا وقص، وروي ذلك عن علي وابن عمر، وقال أبو حنيفة وبعض السلف: لا شيء فيما زاد على مائتي درهم حتى يبلغ أربعين درهما ولا فيما زاد على عشرين دينارا حتى يبلغ أربعة دنانير ، فإذا زادت ففي كل أربعين درهما درهم ؛ وفي كل أربعة دنانير درهم فجعل لها وقصا كالماشية".
وأجمع أهل الحديث وأئمة أهل اللغة على أن الأوقية الشرعية أربعون درهما، وهي أوقية الحجاز :قال القاضي عياض: لا يصح أن تكون الأوقية والدراهم مجهولة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو يوجب الزكاة في أعداد منها، ويقع بها البياعات والأنكحة كما ثبت في الأحاديث الصحيحة، وأنه جمعها برأي العلماء وجعل كل عشرة وزن سبعة مثاقيل، ووزن الدرهم ستة دوانيق قول باطل.
وبين علماء الفقه أن كل نوع من أنواع الزكاة له وقته وهناك ما هو مرتبط بالنصاب وما حال عليه الحول كالأموال" الذهب والفضة وما ناب عنهما كالدراهم وما هو حاصل في تعاملات البنوك" الشيكات، السندات " فهي لابد ان تبلغ النصاب ويحول عليها الحول والنصاب ما يزد عن 80 جراما من الذهب وزكاته ربع العشر 2 ونصف في المائة، لحديث الإمام علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له" اذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيهما خمسة دراهم، وليس عليك شيء ، يعني في الذهب، حتى يكون لك عشرون دينارا وحال عليها الحول ففيها نصف دينار".
كما يرى عامة الفقهاء وجوب الزكاة في العروض المتجر بها، لأنها مال نام فتجب فيه قياسا على سائر الأموال كالأنعام والحبوب والثمار والفضة والذهب ونحو ذلك، فإذا حال عليها الحول وبلغت نصابا ففيها ربع العشر، قال تعالى" يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض"، وحديث جندب رحمه الله قال " كان رسول الله صلى الله عليه وعلى أله وسلم يأمرنا ان نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع".
وأجمع العلماء وجوب زكاة الزروع والثمار، ومقدارها فإذا كان ما يسقى من السماء او يروى من الأنهار والعيون بدون تكاليف ففيه العشر، اما إذا سقي بالمؤن اي من الآبار والمضخات فالواجب فيه نصف العشر ، ومقدار النصاب في الزروع والثمار هو خمسة اوسق والوسق ستون صاعا.
وأوضح العلماء أن زكاة الفطر متعلقة بالصوم وهي تجب على الصغير والكبير، ذكرا كان أو أنثى حر أو عبد ، فيما تجب زكاة الركاز أي الكنوز الموجودة في الأرض وتعطى عند ظهورها وفيها الخُمس.
كما استعرض العلامة سعيد بن علي القحطاني في كتابه مصارف الزكاة أنواع الزكاة في الإسلام وقال :" الزكاة ثلاثة أنواع تشمل زكاة النفس، قال الله تعالى: ]وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا[ وتزكية النفس: تطهيرها من الشرك، والكفر، والنفاق، والذنوب والمعاصي، والأخلاق الذميمة والنوع الثاني: زكاة البدن، وهي صدقة الفطر من شهر رمضان المبارك، وقد فرضها رسول الله على الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والحر والعبد من المسلمين، طهرة للصائم من اللغو والرفث: صاعاً من طعام، أو من برٍّ، أو تمر, أو شعير، أو أقط أو زبيب، فيما النوع الثالث: زكاة الأموال وهي ركن من أركان الإسلام، وهي قرينة الصلاة، وهي طهرة للأموال، والأنفس، وبركة في الأموال والأنفس".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.