يوم غضب في تعز.. توافد جماهيري استعدادا للتظاهر للمطالبة بضبط قتلة المشهري    ينطلق من إيطاليا.. أسطول بحري جديد لكسر حصار غزة    متلازمة الفشل عند الإخوان!!    من حق أنصارالله أن يحتفلون.. وعلى لابسي العبايات أن يتحسرون    مقتل امرأة برصاص مليشيا الحوثي الإرهابية في إب    إصابة 8 جنود صهاينة بانقلاب آلية عسكرية    بطولة إسبانيا: ريال مدريد يواصل صدارته بانتصار على إسبانيول    مدرب الاتحاد يفكر بالوحدة وليس النصر    مانشستر يونايتد يتنفس الصعداء بانتصار شاق على تشيلسي    إصلاح حضرموت ينظم مهرجاناً خطابياً وفنياً حاشداً بذكرى التأسيس وأعياد الثورة    عودة الوزراء المصابين الى اعمالهم    أحزاب المشترك: ثورة 21 سبتمبر محطة فارقة في استعادة القرار وإسقاط الوصاية    الدكتور عبدالله العليمي يشيد بالجهد الدولي الداعم لتعزيز الأمن البحري في بلادنا    من سيتحدث في الأمم المتحدة وما جدول الأعمال؟    الترب يهنئ القيادة الثورية والسياسية بالعيد ال 11 لثورة 21 سبتمبر    السعودية تعلن تقديم دعم مالي للحكومة اليمنية ب مليار و380 مليون ريال سعودي    وفاة طالب متأثراً بإصابته أثناء اغتيال مدير صندوق النظافة بتعز    شباب المعافر يُسقط اتحاد إب ويبلغ نهائي بطولة بيسان    لقاء أمريكي قطري وسط أنباء عن مقترح أميركي حول غزة    المنتصر يبارك تتويج شعب حضرموت بكأس الجمهورية لكرة السلة    منتخب اليمن للناشئين يفتتح مشواره الخليجي أمام قطر في الدوحة    صنعاء.. البنك المركزي يعيد التعامل مع شبكة تحويل أموال وكيانين مصرفيين    مساء الغد.. المنتخب الوطني للناشئين يواجه قطر في كأس الخليج    السعودية تعلن عن دعم اقتصادي تنموي لليمن    مستشفى الثورة في الحديدة يدشن مخيماً طبياً مجانياً للأطفال    توزيع 25 ألف وجبة غذائية للفقراء في مديرية الوحدة    تعز بين الدم والقمامة.. غضب شعبي يتصاعد ضد "العليمي"    انتقالي العاصمة عدن ينظم ورشة عمل عن مهارات الخدمة الاجتماعية والصحية بالمدارس    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    الأرصاد يتوقع هطول أمطار رعدية على أجزاء من 6 محافظات    الشيخ عبدالملك داوود.. سيرة حب ومسيرة عطاء    بمشاركة 46 دار للنشر ومكتبة.. انطلاق فعاليات معرض شبوة للكتاب 2025    وزير الخدمة يرأس اجتماعا للجان دمج وتحديث الهياكل التنظيمية لوحدات الخدمة العامة    تعز.. خسائر فادحة يتسبب بها حريق الحوبان    هولوكست القرن 21    وفاة 4 من أسرة واحدة في حادث مروع بالجوف    بورصة مسقط تستأنف صعودها    البنك المركزي يوجه بتجميد حسابات منظمات المجتمع المدني وإيقاف فتح حسابات جديدة    إب.. وفاة طفلين وإصابة 8 آخرين اختناقا جراء استنشاقهم أول أكسيد الكربون    بسبب الفوضى: تهريب نفط حضرموت إلى المهرة    الرشيد يصل نهائي بيسان ، بعد الفوز على الاهلي بهدف نظيف، وسط زخم جماهيري وحضور شعبي الاول من نوعة منذ انطلاق البطولة    بن حبريش: نصف أمّي يحصل على بكلاريوس شريعة وقانون    المركز الثقافي بالقاهرة يشهد توقيع " التعايش الإنساني ..الواقع والمأمون"    أين ذهبت السيولة إذا لم تصل الى الشعب    الكوليرا تفتك ب2500 شخصًا في السودان    الصمت شراكة في إثم الدم    الفرار من الحرية الى الحرية    ثورة 26 سبتمبر: ملاذٌ للهوية وهُويةٌ للملاذ..!!    الهيئة العامة للآثار تنشر القائمة (28) بالآثار اليمنية المنهوبة    نائب وزير الإعلام يطّلع على أنشطة مكتبي السياحة والثقافة بالعاصمة عدن    موت يا حمار    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    خواطر سرية..( الحبر الأحمر )    اكتشاف نقطة ضعف جديدة في الخلايا السرطانية    في محراب النفس المترعة..    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علماء الأمة: الزكاة فرضت لتزكية النفوس وتطهير الأموال وتعزيز روح التكافل
نشر في سبأنت يوم 28 - 07 - 2012

فرض الله سبحانه وتعالى الزكاة لتزكية النفوس وتطهير أموال الأغنياء من البخل والشح ليستفيد منها الفقراء والضعفاء، وتعزيز روح التكافل بين أفراد المجتمع وتعميق ثقافة المحبة والمودة والتضامن بينهم ليكونوا كالجسد الواحد والبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا.
وجعل الله عز وجل فريضة الزكاة أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام التي لا يقوم إلا عليها، ولا يستقيم إلا بها باعتبارها قرينة الصلاة ذكرها في عدة آيات من كتابه الكريم قال سبحانه: وأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ"، بل بين الله فضل أدائها في نصوص كثيرة من القرآن الكريم والسنة المطهرة، إضافة إلى توضيح الوعيد الشديد على من منعها أو بخسها أو بخل بها.
والزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام ودليل فرضيتها كتاب الله تعالى وسنة نبيه وإجماع الأمة، قال سبحانه وتعالى" وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" وقوله تعالى" وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وقوله عز وجل" وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ".
وأثرت كتب الفقه بالأدلة القطعية التي تدل على وجوب الزكاة، فعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :«بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان» رواه البخاري ومسلم، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي بعث معاذًا إلى اليمن فقال: «ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم» رواه البخاري ومسلم.
وأجمع علماء الأمة على وجوب الزكاة، واتفق الصحابة رضي الله عنهم في عهد أبي بكر على قتال مانعيها ، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه :" والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه ".
وأوضحت السنة المطهرة أن الزكاة شرعت امتثالا لأمر الله سبحانه وتعالى وطلبا لمرضاته ورغبة في ثوابه وخوفًا من عقابه ومواساة لإخوانه المحتاجين من الفقراء والمساكين ونحوهم، فأداؤها من باب إعانة الضعيف وإغاثة اللهيف وإقدار العاجز وتقويته على أداء ما افترض الله عليه من التوحيد والعبادات، وكذا تطهير نفس المؤدي من الذنوب وتزكي أخلاقه بالجود والكرم وترك الشح كون النفوس مجبولة على محبة المال وإمساكه، فتتعود السماحة وترتاض لأداء الأمانات وإيصال الحقوق إلى مستحقيها وقد تضمن ذلك كله قوله تعالى" خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا".
وفصلت كتب الفقه مشروعية الزكاة وفوائدها وأهميتها وأنواعها ووجوب تسلميها حسب ما الرواة، واعتبر علماء الفقه الزكاة طهارة للمجتمع كله أغنيائه وفقرائه، وطهارة للمال ونماء للغني وكيانه المعنوي، عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: ضرب رسول الله ،مثل البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى ثديهما وتراقيهما فجعل المتصدق كلما هّم بصدقة انبسطت عنه حتى تغشى أنامله وتعفو أثره وجعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت وأخذت كل حلقة بمكانها، قال أبو هريرة: فأنا رأيت رسول يقول بإصبعه هكذا في جيبه فلو رأيته يوسعها ولا تتوسع ".. رواه البخاري ومسلم.
وفي هذا الصدد يقول العلامة محمد بن سالم البيحاني في كتابه " الفتوحات الربانية في الخطب والمواعظ القرآنية " لو أدرك الناس حكمة الزكاة وأدى الغني ما عليه للفقير لطابت نفوسهم وائتلفت قلوبهم ولم يحسد البائس نعمة الله وفضله على الغني القائم بحقوق الله المتصدق بماله والمنصف من نفسه الشريك والأجير ".
وأضاف:" لو اخرج المسلمون من أموالهم الزكاة والفدية والنذر والتكفير لكان في ذلك ما يغني عن تحكم المفاليس في ثروة المياسير ، لكن كثيرا من الأغنياء يجود في غير معروف ويهلك ماله بالتبذير ويبخل على الله بربع العشر من عروض تجارته وما لديه من أمول وهو شيء يؤخذ من الأغنياء ويرد على الفقراء في العامة مرة وهو قليل من كثير قال سبحانه وتعالى " وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ".
ويؤكد العلامة عبدالله بن زيد العنسي رحمه الله في كتابه " الإرشاد إلى نجاة العباد" الذي حققه عبدالسلام الوجيه ومحمد الهاشمي أن فريضة الزكاة كالصلاة لا ينفع إحداهما دون الأخر مستدلا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم " إن الله فرض ل لفقراء في أموال الأغنياء حقا قدر ما يسعهم فإن منعوهم حتى يجوعوا ويعروا حاسبهم الله حسابا شديدا وعذبهم عذابا نكرا ".
وأوضح العلامة العنسي أن الزكاة تجب في النفس والماء ، ففي النفس تعتبر صدقة الفطر وأما الأموال ففيها سبعة أصناف الأول الذهب والثاني الفضة والثالث بهيمة الأنعام " الإبل والبقر والغنم" والرابع ما أخرجت الأرض من مكيل أو غير مكيل وخامسها العسل وسادسها أموال التجارة وسابعها المستغلات وما عدا ذلك لا تجب الزكاة.. وقال:" تجب الزكاة للنصاب في الذهب عشرون مثقالا والمثقال وزن ستين حبة من الشعري الأوسط ، والنصاب في الفضة مائتا درهم والدرهم سبعة أعشار المثال واثنتان وأربعون حبة من الشعر الأوسط والنصاب في الإبل إذا بلغت خمس ذود والنصاب في البقر إذا بلغت ثلاثين بقرة أو ثورا والنصاب في الغنم إذا بلغت أربعين شاة والنصاب في المكيل إذا بلغ خمسة أوسق والوسق ستون صاعا والصاع خمسة أرطال وثلث ونصاب ما لا يكال مما أخرجت الأرض أن تبلغ قيمة كل جنس مائتي ريال إما دفعة واحدة أو دفعات في السنة الواحدة ".
وأضاف:" نصاب أموال التجارة هي أن تبلغ قيمته مائتي درهم ونصاب المستغلات أن تبلغ قيمته ما يستغل من الدور والحوانيت وغيرها مائتي درهم سواء بلغت الغلة أو لا وزكاة النفس هي صدقة الفطر " صاع من بر أو شعر أو ذرة أو غير ذلك مما يأكله المزكون أو قيمة الصاع" ، فيما زكاة الذهب والفضة فهي ربع العشر وزكاة ا لعسل وما أخرجت الأرض فهو العشر ".
فيما يقول ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى في كتاب " زاد المعاد": كان هدي النبي عليه الصلاة والسلام في الزكاة أكمل هدي في وقتها وقدرها ونصابها ومن تجب عليه ومصرفها، راعى فيها مصلحة أرباب الأموال ومصلحة المساكين وجعلها طهرة للمال ولصاحبه وقيد النعمة بها على الأغنياء فما زالت النعمة بالمال على من أدى زكاته بل يحفظه الله عليه وينميه له ".
وأضاف :" اقتضت حكمته أن جعل في الأموال قدرًا يحتمل المواساة ولا يجحف بها ويكفي المساكين ولا يحتاجون معه إلى شيء ففرض في أموال الأغنياء ما يكفي الفقراء فوقع الظلم من الطائفتين: الغني يمنع ما وجب عليه، والآخذ يأخذ ما لا يستحقه فتولد من بين الطائفتين ضرر عظيم على المساكين وفاقة شديدة أوجبت لهم أنواع الحيل والإلحاف في المسألة" .
وأجمع كثير من علماء الدين على أن الزكاة وسيلة من وسائل الضمان الاجتماعي الذي جاء به الإسلام باعتبار أن الإسلام يأبى أن يوجد في مجتمعه من لا يجد قوت ما يكفيه، وثوب يستره ويواريه ومسكن يؤويه كونها ضروريات وحقوق يجب توفيرها لكل من يعيش في ظل الإسلام والمسلم مطالب بتحقيق تلك الضرورات من جهده وكسبه، فإن لم يستطع فالمجتمع المسلم يكفله ويضمنه ولا يدعه فريسة الجوع والعري والمسكنة، فعن أبي موسى قال: قال رسول الله :«المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا» وشبك بين أصابعه وعن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله : «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
ويرى فضيلة العلامة الشيخ محمد بن علي الشوكاني أحد أعلام اليمن في كتابه نيل الأوطار أن الزكاة في باب الحث عليها والتشديد في منعها ارتبطت بثلاثة من أركان الإسلام الخمسة" الشهادتان والصلاة والزكاة" لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل عندما بعثه إلى اليمن: إنك تأتي قوما من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن أطاعوك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم, فإن هم أطاعوك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ".
وأوضح الإمام الشوكاني رحمه الله أن الزكاة في اللغة تعني النماء، فيقال: زكى الزرع إذا نما، وترد أيضاً بمعنى التطهير، وترد شرعاً بالاعتبارين معاً، أما بالأول؛ فلأن إخراجها سبب للنماء في المال، أو بمعنى أن الأجر يكثر بسببها، أو بمعنى أن تعلقها بالأموال ذات النماء: كالتجارة، والزراعة، وأما الثاني؛ فلأنها طهرة النفس من رذيلة البخل، وطهرة من الذنوب".
فيما يشير العلامة عبدالله بن جارالله الجارالله في كتابه "أحكام الزكاة " إلى أن الزكاة ركن من أركان الإسلام وفرض من فروضه.. مستدلا بقوله تعالى" وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين".. مبينا أن الزكاة فرضت على المسلمين امتثالا لأمر الله وطلبا لمرضاته ورغبة في ثوابه وخوفًا من عقابه وتزكية للنفوس من الشح والطمع قال تعالى "قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها ".
ويقول العلامة أبي حامد الغزالي في كتابه "أسرار الزكاة" إن الله تعالى جعل الزكاة إحدى مباني الإسلام وأردف بذكرها الصلاة التي هي أعلى الأعلام فقال تعالى" وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة" وقال صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة". أخرجاه من حديث ابن عمر.
وأضاف العلامة الغزالي:" هناك وظائف على مريد طريق الآخرة بزكاته الأولى فهم وجوب الزكاة ومعناها ووجه الامتحان فيها وأنها جعلت من مباني الإسلام مع أنها تصرف مالي وليست من عبادة الأبدان وفيه ثلاث معان، منها أن التلفظ بكلمتي الشهادة التزام للتوحيد وشهادة بإفراد المعبود وشرط تمام الوفاء به أن لا يبقى للموحد محبوب سوى الواحد الفرد فإن المحبة لا تقبل الشركة والتوحيد باللسان قليل الجدوى".
في حين أوضح العلامة يحيي بن شرف أبو زكريا النووي في كتاب الزكاة " شرح النووي على مسلم" أن الزكاة في اللغة هي النماء والتطهير، فالمال ينمى بها من حيث لا يرى، وهي مطهرة لمؤديها من الذنوب، وقيل : ينمى أجرها عند الله تعالى .. مبينا أن الزكاة سميت في الشرع لوجود المعنى اللغوي فيها، وقيل : لأنها تزكي صاحبها وتشهد بصحة إيمانه، قال صلى الله عليه وسلم: " والصدقة برهان "، قالوا: وسميت صدقة؛ لأنها دليل لتصديق صاحبها وصحة إيمانه بظاهره وباطنه.
واستشهد الإمام النووي بقول القاضي عياض: عن المازري رحمه الله " قد أفهم الشرع أن الزكاة وجبت للمواساة، والمواساة لا تكون إلا في مال له بل وهو النصاب، ثم جعلها في الأموال الثابتة؛ وهي العين والزرع والماشية، وأجمع علماء الأمة على وجوب الزكاة في هذه الأنواع، واختلفوا فيما سواها كالعروض، فالجمهور يوجبون زكاة العروض ،وداود يمنعها تعلقا بقوله صلى الله عليه وسلم :" ليس على الرجل في عبده ولا فرسه صدقة "، وحدد الشرع نصاب كل جنس بما يحتمل المواساة؛ فنصاب الفضة: خمس أواق، وهي مائتا درهم، بنص الحديث والإجماع، وأما الذهب: فعشرون مثقالا.
وتابع :" أما الزروع والثمار والماشية فنصبها معلومة، ورتب الشرع مقدار الواجب بحسب المؤنة والتعب في المال، فأعلاها وأقلها تعبا الركاز وفيه الخمس لعدم التعب فيه، ويليه الزرع والثمر، فإن سقي بماء السماء ونحوه ففيه العشر، وإلا فنصفه، ويليه الذهب والفضة والتجارة وفيها ربع العشر، لأنه يحتاج إلى العمل فيه جميع السنة، ويليه الماشية فإنه يدخلها الأوقاص بخلاف الأنواع السابقة، قال صلى الله عليه وسلم :" ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " والأوسق جمع وسق، والمراد بالوسق ستون صاعا كل صاع خمسة أرطال وثلث بالبغدادي ، وفي رطل بغداد أقوال أظهرها : أنه مائة درهم وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم، وقيل : مائة وثمانية وعشرون بلا أسباع ، وقيل : مائة وثلاثون ، فالأوسق الخمسة ألف وستمائة رطل بالبغدادي ".
وبين الإمام النووي أن علماء المسلمين أجمعوا على تأدية الزكاة فيما زاد في الحب والتمر على خمسة أوسق بحسابه، وأنه لا أوقاص فيها، واختلفوا في الذهب والفضة فقال مالك والليث والثوري والشافعي وابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد وأكثر أصحاب أبي حنيفة وجماعة أهل الحديث : إن فيما زاد من الذهب والفضة ربع العشر في قليله وكثيره ولا وقص، وروي ذلك عن علي وابن عمر، وقال أبو حنيفة وبعض السلف: لا شيء فيما زاد على مائتي درهم حتى يبلغ أربعين درهما ولا فيما زاد على عشرين دينارا حتى يبلغ أربعة دنانير ، فإذا زادت ففي كل أربعين درهما درهم ؛ وفي كل أربعة دنانير درهم فجعل لها وقصا كالماشية".
وأجمع أهل الحديث وأئمة أهل اللغة على أن الأوقية الشرعية أربعون درهما، وهي أوقية الحجاز :قال القاضي عياض: لا يصح أن تكون الأوقية والدراهم مجهولة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو يوجب الزكاة في أعداد منها، ويقع بها البياعات والأنكحة كما ثبت في الأحاديث الصحيحة، وأنه جمعها برأي العلماء وجعل كل عشرة وزن سبعة مثاقيل، ووزن الدرهم ستة دوانيق قول باطل.
وبين علماء الفقه أن كل نوع من أنواع الزكاة له وقته وهناك ما هو مرتبط بالنصاب وما حال عليه الحول كالأموال" الذهب والفضة وما ناب عنهما كالدراهم وما هو حاصل في تعاملات البنوك" الشيكات، السندات " فهي لابد ان تبلغ النصاب ويحول عليها الحول والنصاب ما يزد عن 80 جراما من الذهب وزكاته ربع العشر 2 ونصف في المائة، لحديث الإمام علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له" اذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيهما خمسة دراهم، وليس عليك شيء ، يعني في الذهب، حتى يكون لك عشرون دينارا وحال عليها الحول ففيها نصف دينار".
كما يرى عامة الفقهاء وجوب الزكاة في العروض المتجر بها، لأنها مال نام فتجب فيه قياسا على سائر الأموال كالأنعام والحبوب والثمار والفضة والذهب ونحو ذلك، فإذا حال عليها الحول وبلغت نصابا ففيها ربع العشر، قال تعالى" يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض"، وحديث جندب رحمه الله قال " كان رسول الله صلى الله عليه وعلى أله وسلم يأمرنا ان نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع".
وأجمع العلماء وجوب زكاة الزروع والثمار، ومقدارها فإذا كان ما يسقى من السماء او يروى من الأنهار والعيون بدون تكاليف ففيه العشر، اما إذا سقي بالمؤن اي من الآبار والمضخات فالواجب فيه نصف العشر ، ومقدار النصاب في الزروع والثمار هو خمسة اوسق والوسق ستون صاعا.
وأوضح العلماء أن زكاة الفطر متعلقة بالصوم وهي تجب على الصغير والكبير، ذكرا كان أو أنثى حر أو عبد ، فيما تجب زكاة الركاز أي الكنوز الموجودة في الأرض وتعطى عند ظهورها وفيها الخُمس.
كما استعرض العلامة سعيد بن علي القحطاني في كتابه مصارف الزكاة أنواع الزكاة في الإسلام وقال :" الزكاة ثلاثة أنواع تشمل زكاة النفس، قال الله تعالى: ]وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا[ وتزكية النفس: تطهيرها من الشرك، والكفر، والنفاق، والذنوب والمعاصي، والأخلاق الذميمة والنوع الثاني: زكاة البدن، وهي صدقة الفطر من شهر رمضان المبارك، وقد فرضها رسول الله على الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والحر والعبد من المسلمين، طهرة للصائم من اللغو والرفث: صاعاً من طعام، أو من برٍّ، أو تمر, أو شعير، أو أقط أو زبيب، فيما النوع الثالث: زكاة الأموال وهي ركن من أركان الإسلام، وهي قرينة الصلاة، وهي طهرة للأموال، والأنفس، وبركة في الأموال والأنفس".
علماء الأمة: الزكاة فرضت لتزكية النفوس وتطهير الأموال وتعزيز روح التكافل
صنعاء – سبأنت: يحيى عسكران
فرض الله سبحانه وتعالى الزكاة لتزكية النفوس وتطهير أموال الأغنياء من البخل والشح ليستفيد منها الفقراء والضعفاء، وتعزيز روح التكافل بين أفراد المجتمع وتعميق ثقافة المحبة والمودة والتضامن بينهم ليكونوا كالجسد الواحد والبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا.
وجعل الله عز وجل فريضة الزكاة أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام التي لا يقوم إلا عليها، ولا يستقيم إلا بها باعتبارها قرينة الصلاة ذكرها في عدة آيات من كتابه الكريم قال سبحانه: وأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ"، بل بين الله فضل أدائها في نصوص كثيرة من القرآن الكريم والسنة المطهرة، إضافة إلى توضيح الوعيد الشديد على من منعها أو بخسها أو بخل بها.
والزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام ودليل فرضيتها كتاب الله تعالى وسنة نبيه وإجماع الأمة، قال سبحانه وتعالى" وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" وقوله تعالى" وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وقوله عز وجل" وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ".
وأثرت كتب الفقه بالأدلة القطعية التي تدل على وجوب الزكاة، فعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :«بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان» رواه البخاري ومسلم، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي بعث معاذًا إلى اليمن فقال: «ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم» رواه البخاري ومسلم.
وأجمع علماء الأمة على وجوب الزكاة، واتفق الصحابة رضي الله عنهم في عهد أبي بكر على قتال مانعيها ، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه :" والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه ".
وأوضحت السنة المطهرة أن الزكاة شرعت امتثالا لأمر الله سبحانه وتعالى وطلبا لمرضاته ورغبة في ثوابه وخوفًا من عقابه ومواساة لإخوانه المحتاجين من الفقراء والمساكين ونحوهم، فأداؤها من باب إعانة الضعيف وإغاثة اللهيف وإقدار العاجز وتقويته على أداء ما افترض الله عليه من التوحيد والعبادات، وكذا تطهير نفس المؤدي من الذنوب وتزكي أخلاقه بالجود والكرم وترك الشح كون النفوس مجبولة على محبة المال وإمساكه، فتتعود السماحة وترتاض لأداء الأمانات وإيصال الحقوق إلى مستحقيها وقد تضمن ذلك كله قوله تعالى" خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا".
وفصلت كتب الفقه مشروعية الزكاة وفوائدها وأهميتها وأنواعها ووجوب تسلميها حسب ما الرواة، واعتبر علماء الفقه الزكاة طهارة للمجتمع كله أغنيائه وفقرائه، وطهارة للمال ونماء للغني وكيانه المعنوي، عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: ضرب رسول الله ،مثل البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى ثديهما وتراقيهما فجعل المتصدق كلما هّم بصدقة انبسطت عنه حتى تغشى أنامله وتعفو أثره وجعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت وأخذت كل حلقة بمكانها، قال أبو هريرة: فأنا رأيت رسول يقول بإصبعه هكذا في جيبه فلو رأيته يوسعها ولا تتوسع ".. رواه البخاري ومسلم.
وفي هذا الصدد يقول العلامة محمد بن سالم البيحاني في كتابه " الفتوحات الربانية في الخطب والمواعظ القرآنية " لو أدرك الناس حكمة الزكاة وأدى الغني ما عليه للفقير لطابت نفوسهم وائتلفت قلوبهم ولم يحسد البائس نعمة الله وفضله على الغني القائم بحقوق الله المتصدق بماله والمنصف من نفسه الشريك والأجير ".
وأضاف:" لو اخرج المسلمون من أموالهم الزكاة والفدية والنذر والتكفير لكان في ذلك ما يغني عن تحكم المفاليس في ثروة المياسير ، لكن كثيرا من الأغنياء يجود في غير معروف ويهلك ماله بالتبذير ويبخل على الله بربع العشر من عروض تجارته وما لديه من أمول وهو شيء يؤخذ من الأغنياء ويرد على الفقراء في العامة مرة وهو قليل من كثير قال سبحانه وتعالى " وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ".
ويؤكد العلامة عبدالله بن زيد العنسي رحمه الله في كتابه " الإرشاد إلى نجاة العباد" الذي حققه عبدالسلام الوجيه ومحمد الهاشمي أن فريضة الزكاة كالصلاة لا ينفع إحداهما دون الأخر مستدلا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم " إن الله فرض ل لفقراء في أموال الأغنياء حقا قدر ما يسعهم فإن منعوهم حتى يجوعوا ويعروا حاسبهم الله حسابا شديدا وعذبهم عذابا نكرا ".
وأوضح العلامة العنسي أن الزكاة تجب في النفس والماء ، ففي النفس تعتبر صدقة الفطر وأما الأموال ففيها سبعة أصناف الأول الذهب والثاني الفضة والثالث بهيمة الأنعام " الإبل والبقر والغنم" والرابع ما أخرجت الأرض من مكيل أو غير مكيل وخامسها العسل وسادسها أموال التجارة وسابعها المستغلات وما عدا ذلك لا تجب الزكاة.. وقال:" تجب الزكاة للنصاب في الذهب عشرون مثقالا والمثقال وزن ستين حبة من الشعري الأوسط ، والنصاب في الفضة مائتا درهم والدرهم سبعة أعشار المثال واثنتان وأربعون حبة من الشعر الأوسط والنصاب في الإبل إذا بلغت خمس ذود والنصاب في البقر إذا بلغت ثلاثين بقرة أو ثورا والنصاب في الغنم إذا بلغت أربعين شاة والنصاب في المكيل إذا بلغ خمسة أوسق والوسق ستون صاعا والصاع خمسة أرطال وثلث ونصاب ما لا يكال مما أخرجت الأرض أن تبلغ قيمة كل جنس مائتي ريال إما دفعة واحدة أو دفعات في السنة الواحدة ".
وأضاف:" نصاب أموال التجارة هي أن تبلغ قيمته مائتي درهم ونصاب المستغلات أن تبلغ قيمته ما يستغل من الدور والحوانيت وغيرها مائتي درهم سواء بلغت الغلة أو لا وزكاة النفس هي صدقة الفطر " صاع من بر أو شعر أو ذرة أو غير ذلك مما يأكله المزكون أو قيمة الصاع" ، فيما زكاة الذهب والفضة فهي ربع العشر وزكاة ا لعسل وما أخرجت الأرض فهو العشر ".
فيما يقول ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى في كتاب " زاد المعاد": كان هدي النبي عليه الصلاة والسلام في الزكاة أكمل هدي في وقتها وقدرها ونصابها ومن تجب عليه ومصرفها، راعى فيها مصلحة أرباب الأموال ومصلحة المساكين وجعلها طهرة للمال ولصاحبه وقيد النعمة بها على الأغنياء فما زالت النعمة بالمال على من أدى زكاته بل يحفظه الله عليه وينميه له ".
وأضاف :" اقتضت حكمته أن جعل في الأموال قدرًا يحتمل المواساة ولا يجحف بها ويكفي المساكين ولا يحتاجون معه إلى شيء ففرض في أموال الأغنياء ما يكفي الفقراء فوقع الظلم من الطائفتين: الغني يمنع ما وجب عليه، والآخذ يأخذ ما لا يستحقه فتولد من بين الطائفتين ضرر عظيم على المساكين وفاقة شديدة أوجبت لهم أنواع الحيل والإلحاف في المسألة" .
وأجمع كثير من علماء الدين على أن الزكاة وسيلة من وسائل الضمان الاجتماعي الذي جاء به الإسلام باعتبار أن الإسلام يأبى أن يوجد في مجتمعه من لا يجد قوت ما يكفيه، وثوب يستره ويواريه ومسكن يؤويه كونها ضروريات وحقوق يجب توفيرها لكل من يعيش في ظل الإسلام والمسلم مطالب بتحقيق تلك الضرورات من جهده وكسبه، فإن لم يستطع فالمجتمع المسلم يكفله ويضمنه ولا يدعه فريسة الجوع والعري والمسكنة، فعن أبي موسى قال: قال رسول الله :«المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا» وشبك بين أصابعه وعن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله : «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
ويرى فضيلة العلامة الشيخ محمد بن علي الشوكاني أحد أعلام اليمن في كتابه نيل الأوطار أن الزكاة في باب الحث عليها والتشديد في منعها ارتبطت بثلاثة من أركان الإسلام الخمسة" الشهادتان والصلاة والزكاة" لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل عندما بعثه إلى اليمن: إنك تأتي قوما من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن أطاعوك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم, فإن هم أطاعوك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ".
وأوضح الإمام الشوكاني رحمه الله أن الزكاة في اللغة تعني النماء، فيقال: زكى الزرع إذا نما، وترد أيضاً بمعنى التطهير، وترد شرعاً بالاعتبارين معاً، أما بالأول؛ فلأن إخراجها سبب للنماء في المال، أو بمعنى أن الأجر يكثر بسببها، أو بمعنى أن تعلقها بالأموال ذات النماء: كالتجارة، والزراعة، وأما الثاني؛ فلأنها طهرة النفس من رذيلة البخل، وطهرة من الذنوب".
فيما يشير العلامة عبدالله بن جارالله الجارالله في كتابه "أحكام الزكاة " إلى أن الزكاة ركن من أركان الإسلام وفرض من فروضه.. مستدلا بقوله تعالى" وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين".. مبينا أن الزكاة فرضت على المسلمين امتثالا لأمر الله وطلبا لمرضاته ورغبة في ثوابه وخوفًا من عقابه وتزكية للنفوس من الشح والطمع قال تعالى "قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها ".
ويقول العلامة أبي حامد الغزالي في كتابه "أسرار الزكاة" إن الله تعالى جعل الزكاة إحدى مباني الإسلام وأردف بذكرها الصلاة التي هي أعلى الأعلام فقال تعالى" وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة" وقال صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة". أخرجاه من حديث ابن عمر.
وأضاف العلامة الغزالي:" هناك وظائف على مريد طريق الآخرة بزكاته الأولى فهم وجوب الزكاة ومعناها ووجه الامتحان فيها وأنها جعلت من مباني الإسلام مع أنها تصرف مالي وليست من عبادة الأبدان وفيه ثلاث معان، منها أن التلفظ بكلمتي الشهادة التزام للتوحيد وشهادة بإفراد المعبود وشرط تمام الوفاء به أن لا يبقى للموحد محبوب سوى الواحد الفرد فإن المحبة لا تقبل الشركة والتوحيد باللسان قليل الجدوى".
في حين أوضح العلامة يحيي بن شرف أبو زكريا النووي في كتاب الزكاة " شرح النووي على مسلم" أن الزكاة في اللغة هي النماء والتطهير، فالمال ينمى بها من حيث لا يرى، وهي مطهرة لمؤديها من الذنوب، وقيل : ينمى أجرها عند الله تعالى .. مبينا أن الزكاة سميت في الشرع لوجود المعنى اللغوي فيها، وقيل : لأنها تزكي صاحبها وتشهد بصحة إيمانه، قال صلى الله عليه وسلم: " والصدقة برهان "، قالوا: وسميت صدقة؛ لأنها دليل لتصديق صاحبها وصحة إيمانه بظاهره وباطنه.
واستشهد الإمام النووي بقول القاضي عياض: عن المازري رحمه الله " قد أفهم الشرع أن الزكاة وجبت للمواساة، والمواساة لا تكون إلا في مال له بل وهو النصاب، ثم جعلها في الأموال الثابتة؛ وهي العين والزرع والماشية، وأجمع علماء الأمة على وجوب الزكاة في هذه الأنواع، واختلفوا فيما سواها كالعروض، فالجمهور يوجبون زكاة العروض ،وداود يمنعها تعلقا بقوله صلى الله عليه وسلم :" ليس على الرجل في عبده ولا فرسه صدقة "، وحدد الشرع نصاب كل جنس بما يحتمل المواساة؛ فنصاب الفضة: خمس أواق، وهي مائتا درهم، بنص الحديث والإجماع، وأما الذهب: فعشرون مثقالا.
وتابع :" أما الزروع والثمار والماشية فنصبها معلومة، ورتب الشرع مقدار الواجب بحسب المؤنة والتعب في المال، فأعلاها وأقلها تعبا الركاز وفيه الخمس لعدم التعب فيه، ويليه الزرع والثمر، فإن سقي بماء السماء ونحوه ففيه العشر، وإلا فنصفه، ويليه الذهب والفضة والتجارة وفيها ربع العشر، لأنه يحتاج إلى العمل فيه جميع السنة، ويليه الماشية فإنه يدخلها الأوقاص بخلاف الأنواع السابقة، قال صلى الله عليه وسلم :" ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " والأوسق جمع وسق، والمراد بالوسق ستون صاعا كل صاع خمسة أرطال وثلث بالبغدادي ، وفي رطل بغداد أقوال أظهرها : أنه مائة درهم وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم، وقيل : مائة وثمانية وعشرون بلا أسباع ، وقيل : مائة وثلاثون ، فالأوسق الخمسة ألف وستمائة رطل بالبغدادي ".
وبين الإمام النووي أن علماء المسلمين أجمعوا على تأدية الزكاة فيما زاد في الحب والتمر على خمسة أوسق بحسابه، وأنه لا أوقاص فيها، واختلفوا في الذهب والفضة فقال مالك والليث والثوري والشافعي وابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد وأكثر أصحاب أبي حنيفة وجماعة أهل الحديث : إن فيما زاد من الذهب والفضة ربع العشر في قليله وكثيره ولا وقص، وروي ذلك عن علي وابن عمر، وقال أبو حنيفة وبعض السلف: لا شيء فيما زاد على مائتي درهم حتى يبلغ أربعين درهما ولا فيما زاد على عشرين دينارا حتى يبلغ أربعة دنانير ، فإذا زادت ففي كل أربعين درهما درهم ؛ وفي كل أربعة دنانير درهم فجعل لها وقصا كالماشية".
وأجمع أهل الحديث وأئمة أهل اللغة على أن الأوقية الشرعية أربعون درهما، وهي أوقية الحجاز :قال القاضي عياض: لا يصح أن تكون الأوقية والدراهم مجهولة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو يوجب الزكاة في أعداد منها، ويقع بها البياعات والأنكحة كما ثبت في الأحاديث الصحيحة، وأنه جمعها برأي العلماء وجعل كل عشرة وزن سبعة مثاقيل، ووزن الدرهم ستة دوانيق قول باطل.
وبين علماء الفقه أن كل نوع من أنواع الزكاة له وقته وهناك ما هو مرتبط بالنصاب وما حال عليه الحول كالأموال" الذهب والفضة وما ناب عنهما كالدراهم وما هو حاصل في تعاملات البنوك" الشيكات، السندات " فهي لابد ان تبلغ النصاب ويحول عليها الحول والنصاب ما يزد عن 80 جراما من الذهب وزكاته ربع العشر 2 ونصف في المائة، لحديث الإمام علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له" اذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيهما خمسة دراهم، وليس عليك شيء ، يعني في الذهب، حتى يكون لك عشرون دينارا وحال عليها الحول ففيها نصف دينار".
كما يرى عامة الفقهاء وجوب الزكاة في العروض المتجر بها، لأنها مال نام فتجب فيه قياسا على سائر الأموال كالأنعام والحبوب والثمار والفضة والذهب ونحو ذلك، فإذا حال عليها الحول وبلغت نصابا ففيها ربع العشر، قال تعالى" يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض"، وحديث جندب رحمه الله قال " كان رسول الله صلى الله عليه وعلى أله وسلم يأمرنا ان نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع".
وأجمع العلماء وجوب زكاة الزروع والثمار، ومقدارها فإذا كان ما يسقى من السماء او يروى من الأنهار والعيون بدون تكاليف ففيه العشر، اما إذا سقي بالمؤن اي من الآبار والمضخات فالواجب فيه نصف العشر ، ومقدار النصاب في الزروع والثمار هو خمسة اوسق والوسق ستون صاعا.
وأوضح العلماء أن زكاة الفطر متعلقة بالصوم وهي تجب على الصغير والكبير، ذكرا كان أو أنثى حر أو عبد ، فيما تجب زكاة الركاز أي الكنوز الموجودة في الأرض وتعطى عند ظهورها وفيها الخُمس.
كما استعرض العلامة سعيد بن علي القحطاني في كتابه مصارف الزكاة أنواع الزكاة في الإسلام وقال :" الزكاة ثلاثة أنواع تشمل زكاة النفس، قال الله تعالى: ]وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا[ وتزكية النفس: تطهيرها من الشرك، والكفر، والنفاق، والذنوب والمعاصي، والأخلاق الذميمة والنوع الثاني: زكاة البدن، وهي صدقة الفطر من شهر رمضان المبارك، وقد فرضها رسول الله على الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والحر والعبد من المسلمين، طهرة للصائم من اللغو والرفث: صاعاً من طعام، أو من برٍّ، أو تمر, أو شعير، أو أقط أو زبيب، فيما النوع الثالث: زكاة الأموال وهي ركن من أركان الإسلام، وهي قرينة الصلاة، وهي طهرة للأموال، والأنفس، وبركة في الأموال والأنفس".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.