يجمع العديد من المراقبين على ان الفلسطينيين اصبحوا في مأزق حقيقي فيما يتعلق بمفاوضات السلام مع اسرائيل، وذلك على اثر طرح وزير الخارجية الامريكي جون كيري خطة الاطار الخاصة بحل قضايا الوضع النهائي التي يتفاوض حولها حالياً الفلسطينيين والاسرائيليين من اجل التوصل الى اتفاق سلام . ويؤكدون المراقبون على وجود صعوبات جمّة امام الفلسطينيين، بشأن خطّة الإطار والتي كثر اللغط حولها، مع وضع الرئيس الفلسطينيين محمود عباس في مأزق القبول أو الرّفض، وبخاصة في ظل وجود محاذير داخلية وخارجية ستترتّب على الرفض وعلى القبول بها. ويرى المحلل السياسي والكاتب الفلسطيني رجب أبو سرية، ان الشارع الفلسطيني سينظر الى موقف الرئيس عباس في حال قبوله بالخطة والتي تتمَحْور حول يهودية إسرائيل وإبقاء الكُتَل الإستيطانية ونشْر قوات دولية على الحدود مع الأردن وشطب حقّ العودة، بانه إذعاناً للمواقف الإسرائيلية المتعنته . ويوضح بان ذلك سيجعل الرئيس عباس يصطدم بموقِف فلسطيني داخلي مُعارض لمثل هذا الإتفاق، تمثله القوى السياسية المختلفة وفي مقدمتها حركة حماس، والذي سينظر الى هذا القبول بانه استمرار في مسلسل التنازلات اللّفظية المجانية، والسعى خلف أوهام السلام. وعلى الرغم من ان قبول عباس بالخطّة، من شأنه أن يُحرج إسرائيل التي ربّما تراهن على السلطة الوطنية الفلسطينية لإفشال الخطة، حتى تتهرب من المسؤولية كما حدث في محادثات كامب ديفيد عام 2000م، عندما فُسّرت مواقف الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بأنها رفض لمقترحات بيل كلينتون ودفَع الفلسطينيون ثمناً لذلك. الا ان النتائج التي سيجنيها الفلسطينيون في حال القبول بالخطة، ستقتصر في ضمان الإيرادات والمساعدات المالية الخارجية التي تعتمد السلطة الفلسطينية بشكلٍ كامل عليها لتأمين دفع الرّواتب، فيما ستطرح في الوقت نفسه أسئلة صعبة، ربما لا يتمكّنوا من الإجابة عليها. ويضيف ابو سرية انه في حال رفض الرئيس عباس الخطة، سيكون بذلك قد اعفى نفسه من الكثير من التحديات الداخلية وخفِّف من حدّة الإنتقادات التي سيواجِهها في حال قبوله بها، رغم ما سيطرحه رفض الخطة من تحديات مختلفة، تتمثل في احتمال أن يوقف الغرب تقديم مساعداته للسلطة الفلسطينية. ويؤيد المحلل السياسي الأردني عريب الرنتاوي هذا الخيار، بالتأكيد على ان ان الرئيس عباس والذي يشعر بانه يواجه موقِفاً دولياً صعْباً في حالة رفض الخطة، ليس من دون خيارات للمواجهة داخلياً وخارجياً في حال رفضه لخطة كيري. ويقول ان الرئيس عباس يمكن له أن يقوم بحلّ السلطة الوطنية الفلسطينية أو الإستقالة، ما يخلط الاوراق ويجعل اسرائيل والولايات المتحدة، ترى أن لا خيار أمامها سوى التعامل مع عباس، في مسلسل البحث عن اتفاق يوصل الى السلام . كما سترتسم امام المجتمع الدولي صورة تتمثل في أن إضعاف الرئيس عباس أو فرْض اتفاق عليه لا يقبل به الشعب الفلسطيني، من شأنه أن يُضعفه أكثر، ما يحرم المجتمع الدولي من شخصية فلسطينية ترغب بالفعل في تحقيق السلام. ويشير الرنتاوي الى الموقف المساند للرئيس الفلسطيني المتمثل في تلويح كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات بأن الجانب الفلسطيني سيلجأ الى الأممالمتحدة للحصول على تأييد دولي اكبر للدولة الفلسطينية المحددة بحدود الرابع من حزيران 1967م، واجماع اكبر على عدم شرعية الاستيطان في الاراضي الفلسطينية المحتلة. ويأتي ذلك مع تزايد الضغط الاوروبي على اسرائيل، من خلال قرار دول الإتحاد الاوروبي الذي يعتبر منتجات المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربيةالمحتلة، خارج كافة الاتفاقيات الموقعة بين دول الاتحاد وإسرائيل. كما ويرى المحلل الاردني الرنتاوي بان من نتائج رفض الخطة، ان يخلق ذلك انطباع عربي ودولي بأن الوثيقة إنما تحمل أفكاراً إسرائيلية تساعد على تصفية القضية الفلسطينية، وهو ما يبرر للرئيس عباس موقفه الرافض لها . وهنا يؤكد ان رفض الخطة في هذه الحالة، سيكون الخيار الأقل كلفة، أما القبول بها كما سُرّبت، فهو اشبه بالمغامرة التي لا تعرف نتائجها بشكل واضح، الا ان ما هو واضح حالياً، هو ان الرئيس محمود عباس يعيش معضلة مصيرية وخياراً صعباً . ويأتي ذلك وسط ضغوط كبيرة وباوجه متعددة، ابرزها الضغط الامريكي المتمثل في التحذير لأي طرف يرفض الخطة، ومواجهة عقوبات لمن يرفض، خاصة بعد تصريح جون كيري على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن والذي قال فيه أن "رفض إسرائيل للخطّة قد يدفع الإتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات على إسرائيل"، وهو رسالة واضحة للجانب الفلسطيني.