يبدو أن المخاوف بدأت تنحسر لدى المهتمين بشأن مستقبل مشروع ترميم مدرسة العامرية التاريخية ، وهل ما إذا كان سيرى النور أم لا ، خصوصا بعد أن دخلت الاعمال الجارية فيه حاليا بوتيرة عالية مراحلها النهائية وإنجاز نحو 95% من الاعمال ، بيد أن السؤال الملح هو هل يتحقق حلم افتتاحه فعلا في مايو المقبل بعد نحو 23 عاما من الخضوع لاعمال الترميم ؟ قبل نحو 23 عام تقريبا بدأت الحكاية ، عندما زار مجموعة من المسئولين والهتمين بالتراث التاريخي لليمن موقع المدرسة في محافظة البيضاء بمدينة رداع 150 كيلو متر الجنوب الشرقي للعاصمة صنعاء ، وأطلعوا على حجم الدمار الذي يهدد باندثار هذا المعلم التاريخي والاثري والعلمي العظيم ، كما هو حال غيره من المعالم التاريخية والاثرية التى غيبها الاهمال عن اقبية ورداهات التاريخ في مناطق مختلفة من اليمن الذي ما تزال النظرة اليه من قبل المهتمين بدراسة البدايات الاولى للتاريخ الانساني في العالم بانه الموطن الاول لنشأة التاريخ . مدرسة العامرية التاريخية بحسب المراجع والمصادر التاريخية ، مثلت على مدى تاريخها الطويل واحدة من أهم وأبرز المعالم التاريخية وأقدمها في التاريخ الاسلامي على مستوى المنطقة والبلاد العربية والعالم ، يعود تاريخ بناءها إلى اكثر من خمسمائة عام حينما اختطها السلطان عامر بن عبد الوهاب في عهد الدولة الظاهرية عام 1504م 910 هجرية . كما تعد من أهم مراكز الاشعاع العلمي والتنويري في اليمن والجزيرة العربية ، وكانت من ضمن المدارس العلمية في اليمن التي أخرجت سيول من الجحافل البشرية الحاملة للواء العلم والمعرفة ممن ذهبوا ينشرون العلم والمعرفة ومبادىء الحب والتسامح والسلام في انحاء الارض قاطبة . مقارنة بهذه الاهمية التاريخية والاثرية لمدرسة العامرية التاريخية ، والوضع المأساوي الذي كانت تعيشه انذاك ، تحمل المعنيين والمهتمين مسئولية تبني جهود و خطوات سريعة وعملية حينها باتجاه إنقاذ المدرسة ، وبالفعل خلصت تلك الجهود بالبدء في مشروع ترميم المدرسة في ثمانينيات القرن الماضي بتمويل مشترك من جهات داخلية وخارجية . تواصلت هذه الاعمال بصورة متقطعة كما يقول القائمين في المشروع ، غير ان أمد المشروع طال اكثر مما يجب ، ولم يرى المشروع رغم ذلك النور حتى الان ، وهو الامر الذي بقدر ما جعل من أمر انتهاءه لدى البعض حلما عصي على التحقيق ، فانه قد استدعى لفت انتباه المسئولين على مستويات عليا الى مستقبل العامرية هذا إذا لم يثر المخاوف والتساؤلات وربما الشكوك لدى البعض الاخر من المسئولين حول نزاهة ونوايا بعض القائمين على المشروع ، الذي كانت تكلفة إعادة ترميمه قد وصلت إلي حوالي مائة وثمانية وثلاثون مليون ريال . وفي مطلع يناير 2005م كما تفيد المعلومات، وأثناء زيارته لمحافظة البيضاء ، واطلاعه على سير الاعمال الجارية في مشروع المدرسة التاريخية بجبن ، وجهة فخامة الاخ الرئيس على عبد الله صالح رئيس الجمهورية بتكليف وزير الثقافة والسياحة الاخ خالد الرويشان بالاشراف المباشر على المشروع بحيث يتم افتتاحه في مايو المقبل ، تزامنا مع احتفالات اليمن بعيد الوحدة الوطنية في 22 من مايو . كان المشروع حينها يقترب من الدخول في مراحلة النهائية غير ان الاعتماد السابق لانجاز المشروع قد انتهى ، وهو ما دفع بقيادة وزارة الثقافة إلى تشكيل لجنة إشرافية من أداريين وفنيين مختصين بالاشراف على الاعمال ،واعتماد مبلغ خمسة مليون ريال من صندوق التنمية والتراث الثقافي ،ومبلغ اخر من الهيئة العامة للاثار والمتاحف بهدف استكمال ما تبقى من اعمال مشروع الترميم . منذ ذلك الحين وحتى اليوم والاعمال تتواصل بوتيرة عالية لاعادة تأهيل العامرية من قبل خبراء وفنيين يمنيين واجانب من البعثة الايطالية ، فيما يواصل وزير الثقافة متابعته المباشرة على مستوى الانجاز في المشروع عبر سلسلة من الزيارات التي يجريها لموقع العمل من وقت إلى آخر . ولعل ما شد الانتباه ، من خلال مرافقة قيادة الوزارة في آخر زيارة لمدرسة العامرية ، تحول المدرسة إلى أشبه بورشة عمل كبيرة تجمع ما بين حوالي (150-250) خبير وفني ومتختص وعامل محلي واجنبي يتوزعون في زوايا مختلفة من ملحقات المدرسة العتيقة وهي ملحقات تمثل مجتمعة جزء لا يتجزء من نسيج تحفه فنية نفيسه . فبعد تجهيز الطابق السفلي والبوابات الخشبية المزخرفة للمدرسة ، فان الاعمال الجارية حاليا تتركز على تجديد وترميم واجهات المدرسة الخارجية والقباب العلوية ، وكذا تجديد الزخارف ، والنقوش الفنية البديعة التي تحتويها المدرسة من الداخل في الاسقف والجدران ، وبما تعكسه من جماليات تجسد في روحها ملامح فن العمارة الاسلامية الاصيلة . تلفت الانتباه هنا ايضا ، الدقة المتناهية في تنفيذ الاعمال من قبل المختصين باستخدام نفس مواد البناء السابقة ، والاستغراق في التنفيذ كلا في مجال اختصاصه حد الحذر .. يبدو كل فرد منهم وكأنه أمام شقا أو جانبا مهما من لوحة فنية باذخه لا تقدر بثمن ، وأن مهمته تحتم عليه التأمل والتفكير مليا قبل ان يقدم على أي خطوة قد تفسد من شكلها العام .. تحاول أناملهم في لحظات انهماكها نفخ الروح واعادة الحياة في هذه التحفة التاريخية ألاسرة .. لكن عساه الوقت يكون حليفهم ، أم أن المهمة والتوقيت الحرج بمداهمته لهم يجعل من المهمة لا تعدو اكثر من كونها تحديا صعبا في ظل الحاجة إلى برنامج زمني . سبأنت