يعدُ الوطنُ اليمنيُّ بحدودهِ الجغرافية والبشرية والفكرية أحدُ المجتمعات القلائل التي تمتلك موروثا حضاريًا ضاربًا في جذورهِ إلى أبعد مدى تاريخي؛ حيث إن الحضارةَ لا تنشَأُ إلَّا في أرضٍ تتنوعُ فيها مصادرُ العيش والحياة. كل ذلك جعل الإنسان اليمني سليلَ حضارةٍ و موروث فكري وتنموي وثقافي و اجتماعي، وقد انعكسَ هذا الموروث فشكل عقلًا جمعيًّا بين بسطاء الناس؛ فأغلبَ اليمنيون كانوا أصحاب حِرفٍ وصناعات و أنشطةٍ تنموية في عدةٍ مجالاتٍ، وتوارث الإنسان اليمني مصفوفةً من القيم والعاداتِ التي تنظم حياته وعلاقاته الإجتماعية المختلفة فكانت بمثابةِ دستورًا غير مكتوبٍ، حفظ للمجتمع توازنه بمعزل عن الحياة السياسية التي انتهزها مجموعة من المتنفذين . و كان دورُ السلطاتِ التي تحكم هذا الشعب شبه غائب في كثير من جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بل وشكل فراغًا تنظيميا أدَّى إلى حدوث حالة من الانفصال بين الإنسان اليمني وبين السلطات المتعاقبة؛ فاصبحَ بعيدًا عن الخدمات العامة ومُغيبًا عن المشهد السياسي، بل ان المشهد السياسي نفسه لم يكلف نفسه عناءَ الاهتمام بتنمية مواطن يتمتع بابسط حقوقه. فاصبح المواطن اليمني مغتربًا عن وطنه، وحتى من كتب لهم العيش داخل البلد فهم يذوقون الأمرَّينِ من نقص في الخدمات والحقوق، ويتجرع ويلات حروب لا ناقلة له بها ولا جمل. بالمختصر نقول : إن الإنسانَ اليمني بجوهره النفيس لم تُتَحْ له الفرصةَ ليحقق نهضة وتنمية لوطنه ، بل إن فئاتٍ قليلةً العددِ و الانتماء هي من تستحوذ على مقدرات هذا الوطن. من هنا يتضح لنا بأن السرَّ الحقيقي الذي يكمن وراء الكوارث و الحروب و النكبات و الأزمات التي يعيشها الشعب اليمني تتمثل في عدم السماح له بالمشاركة العادلة في تنمية ذاته. و أمام كل تلك التداعيات حمل مجموعة من العلماء والمثقفين و الأكاديميين على عاتقهم تأسيس تيار وطني لنهضة الوطن (تيار نهضة اليمن) يحمل فكرًا وسطيًا و مشروعًا تنمويًا يسعى من خلالهما انتشال الوطن من دوامة الصراع ويوجه دعوة للإنسان اليمني الذي أصبحَ أكثرَ اِدراكًا لأسبابِ ما يحدث في وطنه . مشروعًا يسعى إلى تعزيز الهوية الوطنية والانتماء للوطن أرضًا و إنسانًا، ويتطلعُ إلى تحقيق نهضة تنموية في أغلب المجالات تحقق العيش الكريم و العدالة الاجتماعية على كامل الأرض اليمنية. * عضو الهيئة الدائمة التأسيسية لتيار نهضة اليمن