إنجازان تاريخيان تحققا للقضية الفلسطينية والشعب الليبى بفضل دور مصر المحورى، فقد مهدت مصر الطريق أمام إعادة تلاحم الفصائل الفلسطينية وإنهاء الانقسام، وجرى الاتفاق على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية وتشكيل المجلس الوطنى، وهى خطوات مهمة وضرورية من أجل تحقيق آمال الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، فلا يمكن تحقيق أى تقدم فى ظل التشرذم الفلسطينى، الذى يجعل السلطة الفلسطينية ضعيفة وهشة، ويعطى إسرائيل الفرصة للتنصل من تعهداتها والتزاماتها التى سبق أن أعلنتها، واستغلت الوقت والصراع المحتدم بين الفصائل الفلسطينية فى الاستيطان وفرض أمر واقع جديد وتهويد القدس، وهدم المساكن والاستيلاء على الأراضى وطرد السكان، وكانت نتيجة هذه الصراعات أن الفلسطينيين المشتتين رجعوا خطوات إلى الوراء. وسعت مصر طوال سنوات إلى عقد الكثير من اللقاءات لتقريب وجهات النظر وإعادة الثقة بين الفصائل الفلسطينية، وهى مهمة شاقة وطويلة، وكانت القاهرة هى مركز تلاقى القوى الفلسطينية، بما فيها حركة حماس، واندهش بعض المراقبين من استقبال مصر لقادة حماس رغم ارتباط الحركة بجماعة الإخوان، ويبدو أن هؤلاء لا يعرفون منطلقات مصر وأهمية القضية الفلسطينية، التى كانت وستظل إحدى ركائز الأمن القومى المصرى، والتاريخ الطويل يشهد بالدور المصرى فى القضية الفلسطينية، والعلاقة الوثيقة التى تربط مصر وفلسطين، ومن منطلق المسئولية الوطنية والقومية وروابط الدم والتاريخ لم تقف مصر أمام خطأ هنا أو خلاف هناك، ووضعت المصالح القومية فوق كل اعتبار، وتركت للتاريخ وللشعب الفلسطينى وفصائله أن يحاسب ويراجع ويصحح المواقف من أجل مصلحة الشعب الفلسطينى أولا. وتحافظ مصر على مكانتها كبيت لكل الفلسطينيين وحصن رئيسى يذود عن الشعب الفلسطينى ويحمل همومه وقضيته، وفتحت مصر ذراعيها لكل الفصائل الفلسطينية، ونجحت فى جمعها على مائدة واحدة، وتعددت الزيارات واللقاءات المكوكية المتبادلة، حتى تكللت بالنجاح أخيرا، وأثمرت اتفاقا تاريخيا للفصائل الفلسطينية الخمس عشرة، وأصدروا بيانا من القاهرة يحدد الأطر الرئيسية لتوحيد الكلمة الفلسطينية عبر إجراء الانتخابات بكل تفاصيلها، وخطوات أخرى لتكريس الثقة بين الفصائل، منها الإفراج عن المعتقلين، وإطلاق حرية التعبير والترشيح، وتشكيل لجنة قضائية مستقلة تشرف على إجراء الانتخابات، وتعهدت كل الفصائل باحترام نتائج الانتخابات. أما على صعيد الأزمة الليبية فقد تحقق إنجاز كبير، وأجريت انتخابات لتشكيل حكومة ومجلس رئاسى حتى إجراء الانتخابات فى ديسمبر المقبل، وتكررت الدهشة من الموقف المصرى الذى رحب بالانتخابات ونتائجها، رغم الترويج لأن القائمة الفائزة كانت منافسة لقائمة تدعمها مصر، وهذه الرؤية للموقف المصرى نتيجة الجهل بالثوابت والمبادئ المصرية، رغم أن الرئيس عبد الفتاح السيسى كررها أكثر من مرة، بأن مصر تسعى لحل سياسى يضمن تحقيق المصالحة بين جميع الأطراف، وعدم التدخل فى الشأن الليبى الداخلى، ولهذا ترحب مصر وتحترم خيارات الشعب الليبى، وستتعامل مع كل الأطراف بروح الأخوة والمصلحة المشتركة، فكل ما يهم مصر أن ينعم الشعب الليبى بالاستقرار والسيادة على أرضه وثرواته، وألا يعطى الفرصة لتدخل أطراف خارجية طامعة، وتدخلات دولية تزيد الأمور تعقيدا، وتؤدى إلى تباعد بين الأشقاء، وتتحول ليبيا إلى ساحة صراع إقليمية ودولية، والخاسر هو الشعب الليبى الشقيق، وكذلك ستتعرض مصر لمخاطر من وجود جماعات مسلحة وقوات أجنبية، وتسود الفوضى والاضطرابات التى تهدد شعب ليبيا وأمن مصر القومى فى الوقت ذاته، ولهذا كانت القاهرة تستقبل كل الفرقاء، وتسعى إلى تقريب وجهات النظر، وإيجاد مخرج يصب فى صالح الشعب الليبى، فما يتحقق لشعب ليبيا من أمن وازدهار يكون مكسبا لمصر. إن ارتباط مصر العضوى بكل من الشعبين الفلسطينى والليبى كان وراء الجهود التى بذلتها مصر طوال سنوات من العمل والتواصل مع كل الأطراف فى الأراضى الفلسطينية وفى ليبيا، فمصر تعتبر كل الليبيين أشقاء، وأن مصر بلدهم الثانى، وأن الروابط التاريخية والجغرافية قد وطدت التلاحم بين الشعبين على مدى آلاف السنين، ولهذا لا يمكن لمصر أن تتخلى عن مسئوليتها فى إيجاد حل لصالح الشعب الليبى، دون أى أهداف أخرى، لهذا كانت الثقة فى مصر ودورها، واحترام وتقدير كل الأطراف للدور المصرى المنزه عن أى غاية، بينما كانت الأطماع تتربص بليبيا وأرضها وثرواتها، وتسعى إلى إثارة الفتن والحروب حتى تجد لها موطئ قدم لتحقيق غاياتها الخبيثة، ويستمر نزيف ليبيا من دماء أبنائها وثرواتها المنهوبة والدمار الذى يتسع فى كل مكان، ويلقى بأعباء ثقيلة على الليبيين. إن خطوة انتخاب مجلس رئاسى وحكومة ليبية حققت ضربة قوية لأى أطماع خارجية فى ليبيا، لأنها ترافقت مع قرارات بإخراج القوات الأجنبية والميليشيات والمرتزقة، وتلك القفزة الكبيرة إلى الأمام ستفتح المجال أمام تضميد الجراح فى ليبيا، وإنهاء الخلافات، وتفعيل المؤسسات، وتوحيد الجيش الليبى المستقل، بما يعيد لليبيا الأمان والاستقلال، يليها إعادة بناء ما دمرته الحرب، وستكون مصر إلى جانب الشعب الليبى فى كل خطوة، على أساس من الأخوة والاحترام لخيارات الشعب الليبى لأنه بكل أحزابه وفصائله وقبائله من الأشقاء، لا تفرق مصر بينها، وهو ما ينطبق على الفصائل الفلسطينية، مهما كانت الظروف، واختلفت الرؤى فى بعض الأمور، لكن تظل روح التآخى والقرابة والتاريخ الطويل المشترك قادرة على إزالة أى معوقات، وقررت مصر إعادة فتح معبر رفح، بما يخفف من معاناة الشعب الفلسطينى، وأن يستمر التواصل لاستكمال هذه الخطوة التاريخية، حتى تكلل بالنجاح التام، ويتحقق الحلم الفلسطينى والعربى، وأن يصل الفلسطينيون إلى طريق الوحدة، الذى سيمهد لهم طريق استعادة الحقوق. نقلا عن جريدة الاهرام*