يبدو أن الطريق الذي أجبرت حكومة الوفاق السير فيه وتحمل أعباء هذه المرحلة , طريق مليء بالأشواك والصعاب,والعبور إلى بر الأمان يتطلب بذل الجهود وتضافر الإمكانات للتغلب على إشكاليات وظواهر كثيرة أهمها الفقر والبطالة وتحقيق العيش الكريم وتوفير متطلبات الحياة الضرورية , بالإضافة إلى تحقيق العدالة المنشودة .. وقبل هذا وذاك كان لزاماً أن تقف الحكومة ضمن أولوياتها لمواجهة غول الفساد المستشري في كافة مفاصل الحياة ,الذي يعد سبباً رئيسياً لظهور عدد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية , ونهب مقدرات الدولة وتعطيل عمل الكثير من المؤسسات الرسمية , والبعد بها عن الهدف الذي أنشئت من اجله .. وحكومة الوفاق برئاسة الأستاذ محمد سالم باسندوه تعرف جيداً أن الوقت قد حان لكشف بؤر الفساد وتعرية المفسدين وإخراجهم من جحورهم , وهو ما أكدته كلمته التي ألقاها مطلع الأسبوع بمناسبة تدشين المرحلة الثانية من برنامج تعليم وإرشاد النظراء ,الذي تنفذه الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد على مدى 20 يوماً لعدد 144 موظفاً من العاملين في مجال المشتريات والمراجعة الداخلية والإدارة المالية بعدد من المؤسسات الحكومية , وممثلين عن القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني , بالشراكة مع الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة واللجنة العليا للمناقصة والمزايدات بدعم من مشروع استجابة الممول من الوكالة الأمريكية للتنمية. حيث أوضح رئيس الوزراء أن مسؤولية مكافحة الفساد في هذه المرحلة اكبر من أي وقت مضى , لان الفساد قد وصل إلى ذروته ونخر في العظم بعد أن أجهز على اللحم ,فمعضلات اليوم من الفقر والعوز وما يحصل نتيجة للفساد حتى عمليات الإرهاب والقاعدة ناتج عن الفساد وارتفاع نسبة البطالة بما افسخ المجال لتجنيد الشباب واستقطابهم نحو توجهات خاطئة من قبل محترفي الإرهاب والشر .. كما أن اللوائح والقوانين والرقابة لا تكفي للقضاء على هذه الظاهرة ما لم يكن لدى الإنسان وازع وضمير يردعه ويرجعه عن الفساد (الحرام يفنى وأهله) .. ودعا باسندوه أجهزة الرقابة إلى تجهيز ملفات الفاسدين في مختلف مرافق الدولة والوصول إلى من وصفهم "بالحيتان الكبيرة" .. مبديا في نفس الوقت عزم الحكومة تذليل الصعاب للوصول للهدف الاسمي وهو مكافحة الفساد , وان كانت هيئة مكافحة الفساد لم تحقق الكثير منذ تأسيسها , نتيجة للصعوبات والظروف التي وجدت فيها , فان رئيس الوزراء اليوم يعقد العزم ويدعم هذه الهيئة لتصل إلى من وصفوا برؤوس الفساد الكبيرة , موجهاً الحديث لها (ألا تخشى أن تطال الفاسدين حتى ولو كان رئيس الحكومة نفسه) الذي أبدى استعداده للمحاسبة والمساءلة . وبين رئيس الوزراء أن الفساد في بلادنا رأسي وليس فساداً أفقيا , و ذو حدين فساد في تحصيل الإيرادات وفساد في النفقات,وهو اخطر أنواع الفساد لأنه يقضي على الطبقة المتوسطة ويوسع الفجوة بين الطبقة العليا التي تعاني من التخمة وأخرى لا تمتلك قوت يومها , ويحق لها أن تثور وتنتفض لتحصل على ادني مقومات الحياة .. مستشهداً في ذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن من بات شابع وجاره جائع وهو يعلم) وقول أبي ذر رضى الله عنه (عجبت لأمر من لا يجد القوت في بيته ولا يخرج على الناس شاهراً سيفه) وقول علي كرم الله وجهة (لو كان الفقر رجلا لقتلته).. واختتم باسندوة حديثه قائلا: (يجب أن نتكلم مع المواطن بصراحة ونضعه في الصورة لانه شريك يجب أن يتحمل المسؤولية معنا ,وهو وحده من يحق له أن يساءلنا عن أي شيء نقترفه). لاشك أن خطاب باسندوة شكل رسالة قوية ارتعدت منها فرائص المفسدين في مختلف مرافق الدولة, وعرفوا أن عجلة الدولة المدنية تسير بوتيرة عالية منذ انطلاقتها ولاتقبل التستر على الفساد وأهله .. والسؤال الآن هل ستشهد الأيام القادمة مثول تلك الحيتان أمام القانون لمحاسبتها بتهم الفساد واكل المال العام؟.. وكيف ذلك وهنالك قانون الحصانة لشاغلي الوظائف العليا الذي عرقل عمل الكثير من أجهزة الرقابة , وترك الحبل على الغارب لتلك الحيتان في ابتلاع ما يقع في أيديهم وأيدي الآخرين ...؟؛؛؛