في مقال لافت عن إدارة الرئيس أوباما واليمن نشرته مجلة السياسة الخارجية الأمريكية ل»ستيلا كراسيكو» أستاذ علوم سياسية في جامعة ريتشموند والجامعة الأمريكية في القاهرة تحت عنوان (العمليات الخاصة في اليمن) ونقلت إلى العربية صحيفة المصدر في عددها الصادر في 14/5 احتوى على عرض للسياسة الأمريكية تجاه اليمن. ما قبل 1990م كانت تمثل اليمن أهمية ثانوية أو باعتبارها دائرة في فلك السعودية، كانت تقدم مساعدات ضئيلة قطعت عقب موقف اليمن من أزمة الكويت...عادت المساعدات تدريجيا بعد صعود الحديث عن الحرب على الإرهاب لكنها ضئيلة. خلص الكاتب الأمريكي إلى أن إدارة أوباما خيبت آمال الكثيرين من اليمنيين والأمريكيين الذين كانوا يأملون أن تمارس ضغوط على الحكومة اليمنية لتحسين حقوق الإنسان وحرية الصحافة غير أنها تغاضت عن الانتهاكات وحبس الصحفيين والتضييق على الحريات الصحفية. السياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة تنطلق السياسة الأمريكية تجاه المنطقة بالنظر إليها باعتبارها منابع الطاقة، وأمن (إسرائيل). الهدف الأساس المحافظة على المركز الأول للحيلولة دون ظهور قوى منافسة. المنطقة هي الأهم في استمرار التحكم في الطاقة وإمداداتها. الحيلولة دون حدوث اتحاد أو تعاون وتضامن في المنطقة. غداة أزمة الكويت 1990م جاء في إحدى الصحف البريطانية تقول إن الغرب يفضل أنظمة ثابتة في المنطقة. تقوم السياسة الخارجية الأمريكية على اعتماد المصالح لا المبادئ والقيم، ما يعرف بالبرجماتية النفعية. قد تسوق للمبادئ والقيم في حالة عدم تعارضها مع المصالح. السياسة الأمريكية تجاه اليمن * الأهمية واللاأهمية إنها عبارة عن مجموعة من المفارقات: في أحاديث المسئولين الأمريكيين يعبرون عن إدراك لأهمية اليمن نسبة إلى مصالحهم وذلك من حيث موقعها: أهميتها هنا تتصل بالإشراف على الممرات المائية، البحر العربي وخليج عدن ومضيق باب المندب والبحر الأحمر، وهمومهم لجواره للخليج مصادر الطاقة هكذا تحدث السفير الأمريكي الأسبق ديفيد نيوتن: اليمن مهمة لنا ومهمة لمصالحنا في المنطقة. وفي زياراته المتكررة لليمن عام 1998م قال الجنرال أنطوني زيتي إن زياراته لليمن تأتي في إطار بناء علاقات عكسرية فاليمن مجاور للخليج مصدر الطاقة الموجه الرئيسي لسياستنا في المنطقة اليمن وأمنها حيوي لمصالحنا الرئيس أوباما. تلك واحدة من مكونات الصورة وليست كلها. النظر إلى اليمن باعتبارها ذات أهمية ثانوية أي أن أهميتها الاستراتيجية من حيث الموقع لم تنعكس على أهميتها لتأخذ مكانة ملائمة في العناية الأمريكية. * الديمقراطية وحقوق الإنسان في الفترة التالية لأحداث سبتمبر ارتفعت الدعوات الأمريكية للإصلاح السياسي والديمقراطية في المنطقة العربية، وقدمت الإدارة الأمريكية مشاريع الشراكة من أجل الشرق الأوسط الجديد. تعارض مع المصالح بدت تلك الدعوات تخضع للتجريب في بلدان مختلفة، وكانت مصر وفلسطين إضافة إلى العراق بلدان اختبار. في مصر جرت الانتخابات النيابية عام 2005م تحت إشراف قضائي، وحصل الإخوان المسلمون على 88 مقعدا من الجولة الأولى ثم اتخذت إجراءات للحيلولة دون المزيد من الفوز في الدورتين الثانية والثالثة وإجراءات لاحقة وتعديلات دستورية ألغي بها الإشراف القضائي. وفي فلسطين جرت الانتخابات وفازت حماس فبراير 2006م. الأنظمة وإقناع الأمريكيين في مؤتمر اقتصادي انعقد في شرم الشيخ عام 2006م تحدث الرئيس حسني مبارك مخاطبا الأمريكيين والغرب بأن عليهم أن يختاروا بين الإصلاح السياسي في المنطقة أو السلام. الرسالة واضحة إصلاح سياسي وانتخابات حرة تعني فوز الحركات الإسلامية التي لا تريد السلام -الاستسلام والتوافق مع المشروع الصهيوني- وذلك يعني وقوع ما يتعارض مع المصالح الأمريكية والغربية عامة. لقد كانت الإدارة الأمريكية تدعو للإصلاح السياسي في المنطقة، والتي عبر عنها الرئيس علي عبدالله صالح بالقول: علينا أن نحلق لأنفسنا قبل أن يحلق لنا الآخرون. ارتفعت في تلك الفترة الدعوات للحوار مع الإسلاميين والحركات الإسلامية. من عام 2007م بدأت الإدارة الأمريكية تخفيض مطالبها بالإصلاح السياسي والديمقراطية وكل متعلقاتها من نزاهة الانتخابات واحترام حقوق الإنسان، وحرية الصحافة وتذكر هذه القضايا في عمليات رصد وسرد في تقارير وزارة الخارجية الأمريكية من دون ممارسة أي ضغوط على الأنظمة. إدارة أوباما واليمن يذهب الكاتب الأمريكي إلى القول بأن إدارة أوباما خيبت آمال الكثيرين من اليمنيين والأمريكيين الذين تطلعوا إليها لممارسة ضغوط على الحكومة اليمنية لاحترام حقوق الإنسان وحرية الصحافة. كانت مراكز الدراسات الأمريكية تذهب إلى القول بأن الأنظمة الفاسدة في المنطقة تشكل بيئة ملائمة لظهور جماعات العنف والمنظمات التي توصف بالإرهابية. كان الاعتقاد أيضا بأن الأنظمة على درجة من الضعف وبعضها آيل للسقوط وأن قوى المعارضة قد تصعد محل الأنظمة. لذلك وحفاظا على المصالح الأمريكية ارتفعت الدعوات للإصلاح السياسي في المنطقة للحيلولة دون وقوع تغيير غير محسوب، أو مجهول أو تأتي قوى معادية وغير معروفة. تأكدت الإدارة الأمريكية لاحقا أن الإصلاح السياسي وتوفير البيئة الملائمة للديمقراطية حقيقية ستأتي بالإسلاميين. تأكدت الإدارة الأمريكية أن الأنظمة لا تزال قوية ولا توجد قوى تهددها، وأن القوى المعارضة لم تكن بمستوى التحديات. اختارت الإدارة الأمريكية التعامل مع الأنظمة بل وتشجيع حتى عملية التوريث. غداة أزمة الكويت عام 1990م خرجت إحدى الصحف البريطانية لتقول إن الغرب يفضل التعامل مع أنظمة ثابتة في المنطقة: - لأنها صارت معروفة والتعامل معها صار معروفاً. - لأن الأنظمة الثابتة تكون بحاجة إلى الحماية الغربية، كونها لا تستمد شرعيتها من الشعوب ومن ثم تكون مطواعة للغرب وغير مقاومة للضغط. - لأن قيام أنظمة متغيرة -أي مجيء وذهاب الأحزاب السياسية- يحتاج إلى دراسات لكل مجموعة تأتي إلى السلطة وكيفية التعامل معها. من هنا ينظر إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الصحافة والإعلام وغيرها من المفردات على أنها ثانوية تتعلق بالمبادئ وأنها في نهاية المطاف قد تتعارض مع المصالح، وأن الأنظمة الفاقدة للشرعية الشعبية كليا أو جزئيا تحتاج إلى حمايتها ومن ثم هي الضامن للمصالح الغربية. يصف الكاتب الأمريكي سياسة أوباما تجاه اليمن بالقول: إن تلك السياسة تجاه اليمن فرضها إيقاع من حوادث الإرهاب لا يمكن التنبؤ به، الأمر الذي يعني أنه ليس من المرجح على المدى الطويل أن تحقق يمنا مستقرا. إن الولاياتالمتحدة لم تسع لدمقرطة اليمن فهي أيضا لا تعد من الجهات المانحة الرئيسية في المساعدات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية لمكافحة الفقر المدقع أو التدهور اليمني الكارثي بل على العكس فقد غضت الطرف عن كلا الأمرين سواء فيما يتعلق بحقوق الإنسان أو بالاحتياجات البشرية. إن السياسة القائمة حاليا تتجاهل المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحادة في الوقت الذي يتم فيه الدعم للقوات الخاصة بتقديم الدعم والمعدات لمراقبة الأقمار الاصطناعية وكذا تبرير أحكام الإعدام خارج نطاق القضاء من المحتمل ربما أنها تصغي لبعض الإرهابيين المشتبه بهم لكنها حتما لن تؤدي إلى استقرار البلاد وتشجيع المعارضة الديمقراطية أو تعزيز سيادة القانون. التقارير والإدارة توجد عناية من قبل مراكز الدراسات الأمريكية بالشئون اليمنية، وتحاول وصف الحالة اليمنية ومعظمها يصل إلى نتائج واضحة في إدراك سلوك السلطة، وتذهب إلى أنها في نهاية المطاف ستؤدي إلى وقوع اليمن في حالة الدولة الفاشلة وما يتبع ذلك من فوضى ستضر حتما بالمصالح الحيوية الأمريكية. المقال الأخير الذي أشرنا إليه في بداية هذه الأسطر يذهب إلى نتيجة واضحة: إن المساعدات العسكرية والأمنية لليمن وفي العمليات الخاصة التي تشن ضد القاعدة، والتغاضي عن قمع الاحتجاجات، وعن مشكلات الجنوب والحرب في الشمال وانتهاك حقوق الإنسان وحبس الصحفيين والتضييق على حرية الصحافة وتأجيل الانتخابات، إن هذه النظرة من قبل الإدارة الأمريكية قصيرة الأمد من شأنها على المدى طويل الأجل أن تضر بمصالح الولاياتالمتحدة وقيمها. يلاحظ في هذه العبارة أن الكاتب يخاطب صناع القرار الأمريكيين بأن التعاون العسكري والأمني والتغاضي عن جميع تلك القضايا من شأنها أن تضر بمصالح أمريكا وقيمها. إنه هنا قدم المصالح على القيم، وهو تأكيد على أن المصالح تأتي أولا والقيم ثانيا، وفي حالة التعارض تقدم المصالح. يشير هنا إلى أنه لا تعارض وأن الأضرار ستلحق بالمصالح والقيم معا. السؤال هو: متى تصل الكتابات والتقارير عن مراكز دراسات إلى أن تكون مساهمة في صنع القرار الأمريكي تجاه اليمن؟ لأنه -ربما- تكون وحدها قادرة على إقناع الإدارة الأمريكية بأن الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الصحافة هي الأضمن للمصالح الأمريكية على المدى الطويل كما أنها قيم أمريكية. السلطة والإدارة الأمريكية في الوقت الذي تجني فيه الولاياتالمتحدة فوائد واسعة تتمثل في قابلية السلطة للانصياع لرغباتها في السيطرة والهيمنة على اليمن وشئونها الأمنية ومياهها وجزرها وحرية التصرف تحت لافتة الحرب على الإرهاب فإن كل ما تحصل عليه السلطة اليمنية مقابل ذلك أن تغض الإدارة الأمريكية الطرف عن حقوق الإنسان وحرية الصحافة والانتخابات، أي المصالح الخاصة بالسلطة وليس لليمن فيها أية مصلحة على الإطلاق، بل إنه وعلى العكس وفي غير مركب لهذه البلاد وأهلها، فإن الإدارة الأمريكية تتحرر من عناء الالتزامات الأدبية تجاه الديمقراطية وحقوق الإنسان حتى على المستوى اللفظي وهكذا تمارس سيطرة واحتلالاً فعلياً من قبل الأمريكيين والعائد على اليمنيين المزيد من مفاسد السلطة المزيد من الإفقار والأزمات الاجتماعية وانتهاك حقوق الإنسان والتضييق على الصحفيين وحبسهم. الخسارة هنا في الواقع مركبة إنه وفي الحالة الطبيعية ومهما يكن ضعف السلطة فإن بمقدورها أن تفاوض وتساوم وتناور للحصول على أكبر قدر ممكن من الفوائد لليمن ومطالبة الإدارة الأمريكية بأكبر قدر من المساعدات الاقتصادية والتنموية غير أن السلطة تكتفي بما يعود على مراكزها من سكوت أمريكي. إنها لا تحسن حتى العمالة على حد تعبير كاتب أمريكي الذي أضاف أن السلطة في اليمن ومن أجل مصالح الشاغلين لها مستعدون لتقديم أي ثمن استراتيجي. إذا هنا الإشكالية في السلطة بالدرجة الأولى ولا يمكن وضع اللوم على الأمريكيين فهاهم على الأقل البعض من ناحيتهم يلومون الإدارة ويحذرون من أنها تضر بالمصالح والقيم الأمريكية على المدى الطويل. المعارضة العالم يتعامل في العادة مع الأمر الواقع، والأمر الواقع في اليمن أن السلطة هي الوجود الفعلي وأن أحزاب المعارضة لا يوجد لديها طموح للإمساك بزمام اليمن، وذلك يعني للأمريكيين عدم إمكانية الرهان على المعارضة لأسباب شتى لأنها لا تمتلك التطلع للسلطة، ولا تسعى لها وليست تشغل وقتها بالتفكير بمستقبل اليمن، وكيفية الخروج من الحالة البائسة. الإدارة الأمريكية لا تجازف بالوقوف مع طرف/ أطراف خاسر أيا كان وفي الوقت نفسه تتخلى عن الطرف الخاسر أول ما يبدو بأنه قد فقد عناصر قوته. إن المعارضة تستطيع لو أرادت الوصول إلى الحالة التي تجبر الإدارة الأمريكية على التعامل مع الأمر الواقع. ربما لا تدرك المعارضة بعد أن أي عامل خارجي لن يساعدها لتحقيق أهداف عامة ممثلة في الحفاظ على الدولة والنهوض بها وأن العوامل الخارجية المساندة تأتي لاحقا لنجاح المعارضة في التغيير من الداخل. إن خلفيات المعارضة وإيديولوجياتها القومية الإسلامية غير مرغوبة أمريكيا صحيح لكن الصحيح أيضا أن الأمريكيين لا يمكنهم الوقوف في وجهها للتغيير إن حدث. لا مجال لتكون القوى المختلفة أسيرة نظرية المؤامرة، وليسألوا أنفسهم هل العدالة والتنمية في تركيا مرغوب به أمريكيا أو صهيونيا؟ الإجابة: لا، لكن هل كان بمقدور أي جهة أن تحول بينه وبين ما يريد؟ كلا، فعلام انتظار التغيير من الخارج!؟ القاعدة والحرب على «الإرهاب» يمثل تنظيم القاعدة لافتة خادمة للأمريكيين تسمح لهم بالسيطرة على البلاد وأجهزتها والوجود العسكري والأمني في المياه والجزر والبر والبحر، وتحت هذه اللافتة تقدم خدمات للسلطة في المزيد من الحصول على الدعم من جهات مختلفة. لو أدركت القاعدة ما الذي تضعه لخدمة الأمريكيين والسلطة في هذا البلد ربما لما صدر عنهم بيان ولما انطلقت من قبلهم رصاصة إلا أنهم يبدون عبثيين يهددون بامتلاك البحر ومضيق باب المندب وغيرها من الكلام فضلا عن مسارعتهم لتبني عمليات تؤكد ما يقوله الأمريكيون فتبدو الإدارة الأمريكية ذات مصداقية وتبدو السلطة اليمنية مستحقة للدعم الأمريكي.