لأسطورة الشطرنج بوب فيتشر حكاية لو وزعت كسيناريو على ثلاثة أفلام روائية لما كفت، ففيتشر نزعت عنه الجنسية الأميركية بتهمة الخيانة ولاحقته السلطات الأميركية بتلك التهمة حول العالم، حتى قبض عليه في اليابان عام 2004 لاستخدامه جواز سفر أميركيا منتهي الصلاحية، ولكن السلطات اليابانية أطلقت سراحه في 2005 بعد الضغوط العالمية واعتبر يومها «بدون»، حتى أعلنت آيسلندا نيتها لاستضافته ومنحه جنسيتها بعد أن أجمع البرلمان الآيسلندي على منحه المواطنة الكاملة، ورحل إليها من اليابان حتى توفي فيها 2008 آيسلنديا عربي الهوى. لمن لا يعرف بوبي فيتشر فقد استطاع أن يكسر احتكار السوفييت لبطولة العالم للشطرنج عندما فاز ببطولة العالم في العام 1972 بهزيمته البطل العالمي الشهير الروسي بوريس سباسكي، بعدها بدأ فيتشر يطلق تصريحاته السياسية المثيرة للجدل، واعتزل اللعب دوليا 1975، ولم يعد فيتشر إلى الأضواء إلا في العام 1992 بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ليلعب مباراة جمعته مع سباسكي في يوغوسلافيا التي كانت تخضع لعقوبات دولية يومها، وهو ما تسبب في ملاحقة السلطات الأميركية له بتهمة اللعب في بلد خارج عن القانون، وأصبحت السلطات الأميركية تلاحقه منذ ذلك الحين كونه مطلوبا بتهمة مخالفة لوائح التعامل مع بلد خارج عن القانون. فيتشر صاحب أشهر تصريحين هزا أميركا، الأول في العام 1974 عندما سئل في لقاء صحافي «هل أنت معاد للسامية؟ فأجاب: «لا ولكنني لا أكره العرب»، واتهمته الأوساط الإعلامية الأميركية التي يديرها اليهود بأنه موال للعرب، رغم أن العرب لا يعرفون حتى اسمه، بل إنني لم أجد اسمه في أي موقع عربي، وظلت تهمة معاداة السامية تلاحقه، حتى كانت أحداث 11 سبتمبر 2001 عندما خرج فيتشر بتصريح لا يقل خطورة عن تصريحه الموالي للعرب عندما قال: «أميركا تستحق ما جرى لها لأن الظلم الذي مارسته ضد العالم بدأ يعود عليها، فقد شاركت مع إسرائيل في قمع الفلسطينيين لسنوات طويلة»، وكان ذلك في لقاء إذاعي أجري معه في الفلبين حيث كان يقيم، بعد 4 ساعات فقط من هجوم 11 سبتمبر، ما شكل صدمة للعالم وليس لأميركا وحدها التي كانت لاتزال تحت صدمة الهجوم. لم يتوقف فيتشر عن ممارسة التصريحات غير الاعتيادية إذ أرسل رسالة مفتوحة إلى زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في أكتوبر 2001 قال فيها: «عزيزي أسامة بن لادن قد لا تعرفني، أنا بطل العالم في الشطرنج، وعليك أن تعلم أن بيننا شيئا مشتركا وهو كراهيتنا لاسرائيل وللولايات المتحدة الأميركية التي يديرها اليهود ويستحسن تسميتها ب «الولايات اليهودية المتحدة» أو «إسرائيل الغرب» وكلانا هاربان من ملاحقة هذه الدولة». حتى عندما مات فيتشر 2008 لم يرثه أحد من بلده بما يليق به، رغم أنه كان في نظر الجميع أحد أبطال الحرب الباردة في السبعينيات عندما انتزع صدارة بطولة الشطرنج من عدو أميركا الأول السوفييت، وكتب المتخصص في شؤون الشطرنج شيلبي ليمان «لقد مات فارا من بلده...خشية تسليمه للسلطات» بينما كتب هانس بوم «لقد كان ضحية مرضه العقلي». مناصر العرب بوبي فيتشر، والمؤمن بقضيتهم أكثر من العرب أنفسهم، بحثت في أرشيف الإنترنت كله عن مقالة لكاتب عربي أو حتى بين منتديات عشاق الشطرنج العرب تطرح ولو لمحة واحدة عنه فلم أجد، لا أقول انني أؤيد كل ما قاله فيتشر من تصريحات مثيرة خاصة فيما يتعلق بالإرهاب ورسالته إلى بن لادن ولكن أردت أن أكتب هذه المقالة لعلي أوثق عن هذا الرجل العبقري ما لم يوثقه العرب لرجل دفع أكثر من 32 عاما من عمره دفاعا عن فلسطين قضية العرب، ولم ترفع صورته ولو بشكل رمزي في أي محفل عربي حول القضية الفلسطينية بينما يرفعون بمناسبة ومن غير مناسبة صور من أضاعوا القضية برمتها. ربما كان فيتشر معتوها ولكن من من العباقرة لم يكن كذلك؟! ومن يقرأ مقولات فيتشر يعرف أنه كان بارعا حتى في التشبيهات اللغوية التي يستخدمها أيضا ومن جمله «في الشطرنج أحب اللحظة التي أكسر فيها غرور الرجال». أما أغرب ما يجب أن يعرفه الجميع عن بوبي فيتشر فهو أنه ولد لأم يهودية وأب شيوعي، ولعل هذه المفارقة أن رجلا يهوديا بالتبعية لأمه يهاجم اليهود بهذه الطريقة حتى انه قال في مقابلة أجريت معه في العام 1999: «لم تكن هناك محرقة لليهود في الحرب العالمية الثانية.. لقد اخترعوا تلك القصة». وكتبت «الديلي تيليغراف» البريطانية يوم وفاته مقالا جاء فيه «مات سيد المنطق الرياضي أفضل لاعب شطرنج على مر العصور». لست معجبا بسيرة حياة فيتشر ولكنه أفضل بكثير من غيره حيث عاش ومات على مبدأ واحد لم يحد عنه قيد أنملة رغم أنه لوحق من قبل أعظم دولة في العالم. [email protected]