نجح الذين حصروا (أقرأ حشروا) الثورة اليمنية السلمية والشجاعة مؤخراً في مسألة "ظهور" الرئيس اليمني علي عبدالله صالح على العلن، بعد سلسلة التسريبات المقصودة والمبرمجة التي أرادت تضليل الرأي العام اليمني إزاء حقيقة الحال الصحية التي هو عليها الآن، بعد انفجار مسجد النهدين، الذي أودى بحياة عدد من مرافقي الرئيس وحراسه بل شخصيات مهمة في الدائرة الأولى المحيطة بالرئيس الذي كانت محاولة اغتياله مؤشراً على مدى ضيق داعميه من أساليبه المراوغة والرامية إلى شراء الوقت بهدف إطالة عمر نظامه الذي بدأ يتداعى على وقع انتفاضة الشعب اليمني واصرار شباب الثورة على سلميتها ورفض الانزلاق إلى العنف وفضح النظام وأزلامه وفرق الموت التابعة له وبلطجيته الذين أرادوا بث الرعب والفزع في نفوس الشباب بل ودخول الرئيس غير المقبول على الغالبية العظمى من أبناء شعبه، على الخط ل(يُفتي) في العفة والطهارة ساخراً من الاختلاط بين الشباب والشابات في ميادين الثورة الممتدة على ساحات المدن اليمنية العديدة، فلم يحصد سوى الخيبة محمولة على تنديد مرير، ما أربك مؤيديه واضطرهم إلى "تنظيف" ما تركته "فتوى" الرئيس الفاقد للشرعية من آثار سيئة في الشارع اليمني. الآن يأخذ فريق التضليل ذاته وهو هنا ليس فقط الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس ونظامه الآيل للسقوط بل وأيضاً عواصم إقليمية ودولية لا مصلحة لها (حتى الآن) في اطاحة صالح، قبل أن تضبط الايقاع وتأتي بنظام (على هواها) يضمن لها مصالحها ونفوذها، ويتعهد باستكمال الدور الذي "أدّاه" على أكمل وجه، علي صالح، لكن الشعب اليمني الذي تعرضت مصالحه وحقوقه وسيادة بلده إلى الانتهاك والارتهان للأجنبي (القريب والبعيد) وهاله حجم الفساد في إدارة بلاده، وتحول اليمن إلى دولة فاشلة تواصل الولاياتالمتحدة (وغيرها) انتهاكها الفظ لسيادته بذريعة محاربة الإرهاب، خرج إلى الساحات داعياً إلى اسقاط النظام وبناء نظام جديد ينهض على أسس من الديمقراطية والتعددية ويضع حداً لحكم عائلة "آل صالح" مضافاً إليها الأنسباء والأصهار ومن ملكت أيمانهم، الذين أمسكوا بمفاصل الدولة ونهبوا ثرواتها ولا يريدون مغادرتها أو حتى الشراكة مع أبناء شعبهم في إدارتها وإصلاحها واخراجها من حال الفشل والمروق والفقر وانهيار الإدارة والخدمات والبنى التحتية التي هي أبرز "إنجازات" الرئيس الذي جيء به من المجهول ليقبض على السلطة فاحكم الامساك بها، بعد ان ظن الذين جاءوا به انه مجرد ضابط ارعن وعديم الخبرة، يمكن التحكم به عن بُعد.. آخر مسلسل التضليل الذي تمارسه عواصم اقليمية ودولية لاجهاض الثورة اليمنية بعد فشل سيناريو ارهاق الثوار وبث اليأس في صفوفهم هو اعادة صالح الى الاضواء عبر رسالة صوتية او متلفزة، سيحدد موعدها بعد اليوم الخميس، لحرف الانظار عن الغطاء الذي لا يزال يُمنح لنظام صالح، رغم انه أَفَشَلَ المبادرة الخليجية ولم يفِ بأي من الوعود التي بذلها للتخلي عن الحكم او انتقال سلمي للسلطة او الدعوة الى انتخابات مبكرة من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية. "أسرار" الثورة اليمنية لم تروَ بعد، واذا ما تغيرت موازين القوى ونجح اليمنيون في ارسال نظام علي عبدالله صالح الى مزبلة التاريخ، فان كثيراً من تفاصيل المؤامرات التي دُبرت في عواصم اقليمية ودولية، ستكون بين ايدي اليمنيين والعرب، ليعرفوا حجم المؤامرة التي تعرضت لها انتفاضة الشعب اليمني العظيم الذي ثار رافضاً الدكتاتورية والتبعية والارتهان للاجنبي وغير الاجنبي، ولابقاء اليمن فريسة الفقر والجوع والبطالة، حتى يمكن التحكم به وضبط حركته وحصر طموحات شعبه "داخل حدوده" حتى لا تنتقل العدوى الى دول الجوار ويبرز نموذج يمني يذكرنا بالهزة التي احدثتها ثورة 26 سبتمبر/ ايلول التي فجرها عبدالله السلال، لكن المؤامرات عليها كانت كبيرة وجرى استيعابها وتحجيمها، بعد ان نجح التحالف المعادي في ايقاع جمال عبدالناصر في حرب استنزاف طويلة وتلك.. حكاية اخرى.