قصة قصيرة آسيا ناصر تتقاطرُ الذكرياتُ القريبةُ كسبحةٍ انفرطَ عقدُها ..يسفحُ تلالَ الماضي القريبِ بهالاتِ الورى وذكرياتِ الأمسِ... بينَ لحظةٍ ولحظة كلُ شيءٍ تغيرَ.. المساحاتُ ضاقت ..الأزقةُ تجهمت ..الطرقُ أغلقت ... الوجوه لم تعد هي... ضحكات الأطفال اختفت ماإن تبدأ تتعالى رنينا حالما حتى يخفتها ويرعبها صوت الرصاص والد وشكا وقذائف الهاون. الكل يعيش لحظات استنفار وترقب حذر ولحظات خوف يبددها شعاع الأمل المتطلع إلى غد مشرق...وبين تلك اللحظات ولحظات اليأس تتراقص أمام حدقات الوجوه رصاصات القبيلة والعسكر المتأبطة شرا بهذه المدينة المسالمة والمتربصة بإحلام البسطاء. اعتادت مريم على تفحص البيوت وإحصائها عل ذلك يبعث الطمأنينة إلى قلبها ..تترجى من تلك السكينة النازحة هي الأخرى عن الحي...الديمومة... كل ليلة يخفت بريق بيت ويختفي نازح خارج حدود الديار ينتابها الرعب لحظتها من أن تظل وحيدة في حي الأشباح ... تعد الساعات والليالي في الظلام الدامس الكئيب.. أربعة بيوت ينساب منها ضياء خافت أو ضوء شمعة حزينة ..لا بل خمسة.. دوي انفجار قوي يهز بيتها لابد انه بالقرب من بيت مريم.. لا احد يجرؤ على معرفة اين وقع.. ومن الضحية... ياالله هل من منقذ لهذه المدينة التي خربها العسكر وهدمتها القبيلة... اعتادت مريم عدم النوم تتحسس سراب الأمل بين ظلمة الليل الدامي للقلب... لم تبرح بيتها لأيام تخشى رؤية الشوارع خالية خاوية تتأهب لزيارة الجيران فتطرق الباب في الشقة المقابلة لبيتها سكون يبعث على الجزع والرعب لابد أن جيرانهم نزحوا دون حتى إعلامهم .... الخوف أوصل الناس إلى الأنانية... نفسي..نفسي.. إنها الحرب الأهلية يامريم لاتبقي ولا تذر.... لاتنام الليل تحاول تهدئة أطفالها والاعتناء بزوجها الذي أقعده المرض ..حصرت مريم نفسها لخدمة عائلتها ...مازالت مريم تغرق في التفكير كيف الحل؟ وأين المفر؟ زوج مقعد وأطفال صغار وبيت حديث السكن تعبوا لأجل ترتيبه وتجهيزه. أين المخرج ؟وأين المفر بعائلتك التي أصبحت مسئولة عنها ؟ تغادر حدود المكان للحظات تحلق ببيتها وعائلتها إلى جزيرة نائية ليس فيها بشر ..تتوفر فيها وسائل العيش تهوى مريم الخيال وتسهب في وصف الأشياء على غير حقيقتها تفعل ذلك وهي تنظر إلى محنة زوجها وحاجة أطفالها لها لاتتعب من الطوفان في رحلات ممتعة هي وعائلتها الصغيرة...تدور في فلك الكون برحلات استطلاعية علها تهدأ من أصوات وضجيج الرصاص والقذائف التي سكنت عقلها ولم تبرح تفكيرها. آه مريم أيتها التعيسة الحالمة أنتي في بلد يطلق عليه السعيد والحقيقة هو بلد قمة في التعاسة وأي بلد ذاك الذي يسمى على غير حقيقته ..إن هذا الاسم قيل في عهد الرخاء ذاك العهد الذي ولى ومضى. تصحو من هذيانها تلتصق أكثر بالنافذة تشغل تفكيرها في عد البيوت التي ينبعث منها ضوء شمعة ..وكلما قل العدد تكذب ما رأت انه خداع بصر.... كلما زاد العدد عاد الأمل إلى قلبها ..وتحاول التأكد مرارا وحيت تتيقن انه العد التصاعدي للنزوح يتسلل الرعب واليأس ويأخذ منها الراحة والطمأنينة. تقضي ساعات اليوم في ترقب وحذر وينتهي بها اليوم إلى الليل وهي خائرة العزيمة غائرة العينيين...توقفت حياتها في المنطقة الممنوع الاقتراب منها... متاهة ليلية يصاحبه الرعب واليأس ...وقلق نهاري يخترقه ضحكات أطفالها المجلجلة في أركان البيت وبقايا أمل..