انداح الرعب على صفحات وسائل الإعلام الغربية قبل عدة أيام من بدء أول مناورات روسية – صينية في التاريخ. وإلا فبما تفسر موجة نشر المواد المترعة بالقلق وأحيانا المنذرة جهاراً المنشورة في بعض الصحف المحترمة ؟ أن الهدف الرسمي للمناورات العسكرية المشتركة " بعثة السلام- 2005 " هي التدرب على القيام بعملية مشتركة في إطار التعامل مع النزاعات الإقليمية ومكافحة الإرهاب. وتجري المناورات في إطار منظمة شنغهاي للتعاون في الفترة من 18 إلى 25 أغسطس الحالي. وسيشارك في المناورات 10 آلاف عسكري بينهم حوالي 2000 روسي. وبالرغم من إعلان موسكو وبكين أن المناورات لا تتسم بطابع استعراضي وليست موجهة ضد بلدان أخرى فإن الولاياتالمتحدة واليابان وكوريا الجنوبية تعرب باستمرار عن " قلقها " بصدد إجرائها. ويبدو جلياً للعيان أن مثل هذا الموقف المتحيز من جانب واشنطن وحلفائها الإقليميين من المناورات ليس سوى نتيجة عدم رضاها عن التقارب السياسي بين روسيا والصين ، وكذلك من تنامي مكانة منظمة شنغهاي للتعاون المستعدة لتولي المسئولية عن دعم الاستقرار في آسيا. وتدل جميع هذه العوامل على وجود توجه نحو صياغة واقعية تماماً للعالم المتعدد الأقطاب. ويؤكد الكسندر دوغين زعيم " الحركة الاوراسية الدولية" على انه " يتصادم اليوم بحدة متزايدة ، نمطان للمستقبل هما الرؤية الأمريكية للإمبراطورية العالمية بزعامة الدولة الأعظم - الولاياتالمتحدة ، ومفاهيم الشعوب والبلدان التي ترفض صرح القطب الواحد وتؤيد إقامة صرح متعدد الأقطاب". ويعتقد دوغين بأن ما دفع موسكو وبكين إلى البدء بالشراكة الجيوبوليتيكية هو "أحداث العام الأخير حين احتدمت بكل قوة عملية " الثورات الملونة" في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق. وأظهر الأثر الأمريكي في التطورات التي جرت في جورجيا وأوكرانيا وقيرغيزيا وأوزبكستان بشكل لا مواربة فيه ، أن الولاياتالمتحدة عكفت بجد على إعادة تشكيل بلدان الاتحاد السوفيتي السابق لخدمة مصالحها الإستراتيجية. وقد جرى هذا ضد روسيا والصين اللتين صارت مواقعهما ضعيفة وهشة أكثر فأكثر". وقد أجابت موسكو وبكين على هذا التحدي بأسلوبهما . وكتب الكسندر ياكوفينكو نائب وزير الخارجية الروسي عن منظمة شنغهاي للتعاون قائلا : " تبنى بوسط أوراسيا وفي قلب الكوكب هيئة تضم وحدتين عالميتين هما الصين وروسيا ، وقد ولجتا القرن الحادي والعشرين كشريكتين إستراتيجيتين وشملت الهيئة بلداناً تتمتع بقدرات كامنة كبيرة في مجال استكمال بعضها البعض... إن منظمة شنغهاي للتعاون هي فرصة سياسية نادرة ، وتعتبر نموذجاً جديداً مبدئياً للتكامل الجيوبوليتيكي. وتشمل المنظمة حوالي ثلثي مجال القارة الاوراسية ، وتضم دولاً ذات منابع حضارية مختلفة". ويدل إجراء المناورات العسكرية الروسية – الصينية والشراكة الإستراتيجية مع الصين وتطوير منظمة شنغهاي للتعاون يدل هذا كله بلا ريب على تغير النهج الجيوبوليتيكي لموسكو . لكن سيكون من الخطأ القول: أنها اعتمدت الخيار الآسيوي بشكل قاطع. ونعيد إلى الأذهان أقوال المصلح الروسي البارز بيوتر ستوليبين الذي قال ": أن نسرنا موروث عن بيزنطة فهو نسر ذو رأسين". ولهذا فإننا نشهد اليوم في أغلب الظن عملية تشكيل السياسة الخارجية الروسية الواقعية المتعددة الاتجاهات التي ستقود الاستفادة منها بصورة صحيحة إلى رفع أسهم موسكو سواء في الغرب الذي سيعمل جهده من أجل الحؤول دون قيام تحالف بين موسكو وبكين ، أم في الشرق الذي يعتبر روسيا شريكاً طبيعياً من أجل الموازنة مع الهيمنة الغربية.