يتزامن انعقاد الدورة الجديدة لمجلس التنسيق الأعلى اليمني - السعودي مع تطورات بالغة الأهمية في علاقات البلدين. فقد انتهت للتو المرحلة الأخيرة من ترسيم الحدود المشتركة وبادر مجلس التعاون الخليجي إلى اتخاذ إجراءات ملموسة لادماج اليمن في المنظومة الخليجية وتشير وقائع التعاون المشترك في مجال مكافحة الإرهاب الى نقلة نوعية تعكس ملامح الصفحة الجديدة التي ما انفكت مفتوحة على مصراعيها بين صنعاء والرياض منذ اتفاقية جدة الحدودية ناهيك عن الانفراج الملحوظ في استقبال العمالة اليمنية في السوق السعودية وتبادل السلع وإقفال الابواب أمام المصطادين في الماء العكر ممن كانوا يتعيشون على خلافات البلدين الحدودية والذين باتوا اليوم مهددين ببطالة معنوية وسياسية ومادية. وفي سياق متصل يتزامن انعقاد الدورة الجديدة مع إرتفاع مستوى التنسيق الذي يصل أحياناً الى حد التطابق بين صنعاء والرياض في كافة القضايا التي تشغل الامة العربية شأن قضية فلسطين واحتلال العراق وقضايا الخلاف السوداني والخلاف السوري اللبناني فضلاً عن التطابق الكبير في المواقف إزاء القضايا الدولية سواء ما اتصل منها بالعالم الاسلامي أو العالم الثالث.. الخ ويلاحظ المتابعون لتطور العلاقات اليمنية - السعودية منذ اتفاقية جدة تصميماً مشتركاً من قيادة البلدين ممثلة بفخامة الرئيس علي عبدالله صالح وأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز على أن يشكل مجلس التنسيق الأعلى بولفارا واسعاً تمر عبره العلاقات الثنائية دون عقبات ما يعنى أن الدروب الضيقة التي كانت تصل صنعاء بالرياض خلال الحرب الباردة وقبل تسوية الخلافات الحدودية هذه الدروب صارت اليوم جزءاً من الماضي الذي لا يرغب يمني مخلص واحد ولا سعودي مخلص واحد في الرجوع اليه سيما وأن تمثيل البلدين في المجلس الأعلى عبر ولي العهد السعودي سمو الامير سلطان بن عبدالعزيز ورئيس الوزراء اليمني عبدالقادر باجمال هذا التمثيل الرفيع هو بمثابة رسالة صريحة للقاصي والداني بأن المملكة واليمن ترغبان ليس فقط في طي صفحة الماضي بكل تعقيداتها وسلبياتها وإنما أيضاً بتسليط أضواء كاشفة على مستقبل واعد بالنمو والاستقرار والتعاون على كل صعيد لطالما دغدغ آمال وتطلعات المخلصين من الطرفين، يبقى القول أن التعاون اليمني - السعودي إن كان اليوم وسيكون غدا بلا حدود فانه يدين أساساً الى شجاعة قيادة البلدين ونجاحها في تحويل الحدود المشتركة من بوابة محكمة الأقفال وبؤر للشر ومعابر للمتنفعين وأسوار لتقطيع الأواصر والتاريخ المشترك ومعازل نفسية لشحن الشعبين بكل أسباب الفرقة والعداء الى فضاءات رحبة للتفاعل والتعاون والتلاحم المصيري بين الشعبين الشقيقين.