اذا كانت اجواء التسامح وروحانية رمضان قد خففت من تفاعلات وردود الفعل للنصر والفشل الذي واجهته الاطراف المتنافسة في الانتخابات الرئاسية والمحلية الا ان هذه الاجواء الخيرة منحت بعض الاعلاميين الفرصة لتقديم تحليلات موضوعية مع دعوتها للاحزاب للنظر الى المستقبل بدلاً من اجترار احداث الاشهر الاربعة الاخيرة على وجه الخصوص. وقد يكون في شهر رمضان الكريم الذي تصفو فيه النفوس وتسامي الروح فرصة كل تنظيم لتقديم ادائه ومراجعة مواقفه وتصحيح مساره ولعلي اذهب ابعد من ذلك واقول: ان هذا الامر مطلب وطني قبل ان يكون مطلباً حزبياً فالاحزاب في النهاية هي التي تسهم من خلال برامجها وسياستها اما برسم الصورة الناصعة للوطن او تشويه صورته من خلال الاعلام المتشنج والتجاهل للمسؤولية الوطنية.. والتقييم الموضوعي مطلوب من المنتصر وممن لم يحالفه الحظ. هذه الوقفة التقييمية مطلوبة اليوم اكثر من اي وقت مضى لاننا رغم كل ما قيل عن الانتخابات قد مررنا بتجربة يجب ان نفخر بها لانها اكدت تجذر الديمقراطية في المجتمع اليمني وان تقدماً كبيراً قد حدث منذ انتخابات 1999م وان هذا التقدم هو من صنع الحزب الحاكم واحزاب المشترك معاً وان ذلك التقدم قد تم من خلال الحوار والشد والجذب وتقديم التنازلات حرصاً على انجاح التجربة الديمقراطية التي اراد لها كل اليمنيين ان تكون نموذجاً يحتذى.. ان التقييم الذي يتم يجب ان يكون علمياً اميناً وشفافاً تسهم فيه كافة اطر التنظيم ولا ينحصر في قياداتها فالقواعد هي التي تعرف مكامن الخلل خاصة وان كافة الاحزاب تشكو من تجاهل القيادات التاريخية للكوادر الشابة الواعية والنقية التي يهمها الوطن و تنميته.. تحلم باستقراره ونموه، والامل ايضاً ألا ينطلق هذا التقييم للنصر او الهزيمة لتحقيق مكسب شخصي او لتبرير هزيمة كما يجب الا ينبني على الرغبة في تصفية حسابات او التقليل من حق الآخر او تشويه الى النصر الذي حققه المنافس لان هذا كله لن يفيد اليوم الانتخابات قد جرت والنتائج قد اعلنت واصبحت واقعاً لا يمكن تغييره الا من خلال صندوق الاقتراع في الانتخابات القادمة. الهدف من التقييم اذاً هو للاستفادة من الاخطاء حتى لا تتكرر ورسم الطريق للانتخابات القادمة في تفاعل وشراكة مع المنتصر وليس من خلال اتخاذ موقف المقاطعة والرفض له رغبة في ان تأتي الانتخابات القادمة وقد تجاوزنا اي قصور شاب هذه الانتخابات لان تصحيح المسار الديمقراطي يهم كافة الاحزاب والتنظيمات وعلى رأسها الحزب الحاكم. ان الدعوة لتقييم موضوعي يجب ان يقود الى نظرة شاملة وثاقبة تقودها العناصر المعتدلة في التنظيم والتي ربما لم يستمع احد الى صوتها خلال مراحل الاعداد للانتخابات والتي ربما نتيجة لتجاهلها كانت النتيجة التي حصلت عليها الاحزاب، فالاعتدال والوسطية اليوم هما المحك الحقيقي في التعامل مع الاخرين لانهما يعززان الحوار الايجابي الذي لا يتحول الى ابتزاز وهو الذي يهيئ مناخات الشراكة لمصلحة الاهداف المشتركة لخدمة الوطن وهو الذي لا يربط المصالح الشخصية بنتائج الحوار او اسس اتخاذ القرار والمعتدلون يتفقون مع المتشددين في اهمية الاصلاح والتغيير ولكن باسلوب مختلف عن تعاملهم معه، هذا ليس خطاباً لتحريض المعتدلين في التنظيمات السياسية وانما تنبيه الى دورهم المهم لاقناع قادة تنظيماتهم قبل تحميلهم مسؤولية الفشل عن اهمية احداث تغيير في اسلوب عمل احزابنا وتنظيماتنا السياسية، فالمستقبل لا يصنعه الغلاة ولا المتطرفون وانما يصنعه العقلاء العاملون بصبر وصمت واناة. انها لفرصة ذهبية لنا جميعاً ان نصل من خلال التقييم لبلورة رؤية عمل لا تفرط في المبادئ والأهداف الرئيسية لاي تنظيم ولكنها تؤكد على تلاحم الصفوف للعمل معاً لتحقيق الاهداف المشتركة وما اكثرها قد أظهرت البرامج الانتخابية للمؤتمر وللمشترك المساحة الكبيرة التي تتوافق فيها الأهداف. إن مثل هذا العمل المشترك دون المساس بحق كل تنظيم في التعبير عن رؤيته وعن اختلافه سيقود الى نقلة نوعية في العمل السياسي ويصفي الأجواء ويهيئ المناخات لمعالجة التحديات الكبيرة التي على الحزب الحاكم انجازها والتي تأتي ضمن أولوياتها: التنمية والحد من الفقر ومكافحة الفساد وغيرها وبهذا التعاون سننتقل باجواء التنفيذ للاهداف الهامة من المماحكات السياسية إلى بناء الثقة والمسؤولية المشتركة وهو ما يحتاجه الوطن اليوم.