التطور المتسارع للأحداث في الصومال وانتقالها من حالة المواجهة المسلحة الداخلية الى صراع اقليمي على الأرض الصومالية وتحديداً التدخل الاثيوبي المعلن والاشتراك الى جانب الحكومة بعد ان اصبح استمرار الوضع على ما هو سوف يعني سقوط «بيدوا» آخر معقل لها من قبل قوات المحاكم التي ظهرت فجأة منتصف هذا العام لتخوض حرباً مع قوات قادة الحرب التي عانى ويلاتها ابناء هذا البلد طوال اكثر من 16 عاماً الحقت بهم قوات المحاكم الاسلامية هزيمة بدليج سقطت العاصمة مقديشو في ايديها وبعدها توالت انتصاراتها فسقطت المدن والمناطق الصومالية واحدة بعد الاخرى لتصل الى مشارف «بيدوا» مقر الحكومة المؤقتة وهي مسألة وقت ليس الا في توازن القوى بين المحاكم والحكومة المؤقتة وخلال فترة انتصاراتها لم تهمل المحاكم التكتيك السياسي بالاستجابة لدعوات الحوار مع الحكومة ولكن من مواقع القوة لتجري العديد من جولات الحوار برعاية السودان وبدعم من جامعة الدول العربية ثم في مصر واخيراً اليمن ومع ان الحوارات واللقاءات كانت تحرز بعض النجاحات الا انها كانت في اطار المناورات ولم تشكل أرضية للاتفاق تنهي الصراع. ذلك ان المحاكم لم تكن مستعدة لتقديم تنازلات مهمة للحكومة التي هي الاخرى ما كان لها ان تقبل وتسلم بانتصارات المحاكم على طاولة الحوار لا سيما وان ذلك مرفوض من بعض دول الجوار الافريقي واثيوبيا بدرجة رئيسية، ناهيك عن القوة الدولية وعلى رأسها الولاياتالمتحدة التي ترى في المحاكم حركة تحاكي طالبان في افغانستان وسيطرتها على الصومال يشكل تحدياً جديداً يعمق فشل استراتيجية حربها على الارهاب في وقت لم تعد فكرة شن الحرب واجتياح الصومال للقضاء على ما تسميه بالارهاب المتمثل هنا بالمحاكم الاسلامية غير ممكنة ولا تحظى بشعبية داخل الولاياتالمتحدة.. ولا يمكن ان تحظى بنفس التأييد عند شن الحرب على افغانستان، ناهيك عن أن الولاياتالمتحدة قد مرت بتجربة مريرة مع تدخلها وحلفائها الاوروبيين خاصة الذين يعتبرون ان منطقة القرن الافريقي بحكم وجودها الاستعماري السابق منطقة مصالح لها، الأمر الذي اضطرها الى الخروج بعد ان تعرضت لخسائر كبيرة في قواتها العسكرية في تسعينات القرن الماضي، تاركة حينها الشعب الصومالي في حالة فوضى وصراعات دامية بين ابنائه على السيطرة مكتفية بوضع المراقب الذي لم يعد ممكناً مع ظهور قوة جديدة على الساحة بسرعة تنامت قاعدتها الشعبية بصورة سريعة معها لم يكن ممكناً للولايات المتحدة والاوروبيين بدرجة أقل الاحتفاظ بموقع المتفرج وفي نفس الوقت لا يمكنها ان تتورط في الصراع عبر التدخل المباشر، كما ان الاتحاد الافريقي لا تسمح قدرته وامكاناته بالتدخل العسكري لتقرير وضع ما يعيد الأمور الى نصابها وفقاً لما يتلاءم مع مصالح دوله في القرن الافريقي ومنطقة شرق افريقيا وبالتالي لم يكن ممكناً القيام بهذا الدور سواء اثيوبيا التي ترى في سيطرة المحاكم خطراً يهدد استقرارها اضافة الى عامل مهم هو الاعتقاد بأن المحاكم تحظى بدعم ارتيري غير معلن ولم يتخذ الصورة المباشرة كما هو الحال مع الموقف الاثيوبي الى جانب حكومة بيدوا مما شجع اثيوبيا على التدخل والاشتراك في المعارك.. الدعم الدولي الذي وجد فيها بديلاً لتورطه العسكري مرة أخرى في مستنقع الحرب في الصومال. وهكذا تلتقي المصالح الامريكية مع المصالح الاثيوبية واطراف دولية وافريقية اخرى ليأخذ هذا التدخل صورة تصعيدية نوعية بانتقاله من مجرد اعتراف اثيوبيا بوجود قوات محدودة لمساعدة الحكومة الانتقالية في تدريب قواتها على التدخل المباشر والواسع في المعارك خلال هذا الاسبوع أدى الى تراجع قوات المحاكم الاسلامية باتجاه العاصمة الصومالية التي سيطرت عليها قبل ما يقارب ال 6 أشهر ومنها انطلقت للسيطرة على الصومال. قيادات المحاكم تعترف بالانتصارات التي أحرزتها قوات الحكومة واثيوبيا عليها لكنها لا تعتبرها هزائم الحقت بها بل تراجع تكتيكي واستعداد لحرب اطول في مواجهة القوات الاثيوبية التي تعتبر غازية للصومال أما اثيوبيا فتقول ان اشتراك قواتها في المعارك يأتي في اطار دعمها لحكومة «بيدوا» في المواجهة مع قوى التطرف التي تمثلها المحاكم الاسلامية دون انكار انها تمتلك قاعدة شعبية داخل الصومال وهذا واضح من دعوة المحاكم للحوار لا سيما ما اسموهم المسؤولون الاثيوبيون في تصريحاتهم بالمعتدلين للحوار مع الحكومة الصومالية وان ليس في نية اثيوبيا اية اطماع في الاراضي الصومالية سوى اسشعارها الخطر من قوة المحاكم على الاستقرار في اثيوبيا.. معلنين عدم نيتهم دخول معقل المحاكم مقديشو. المعارك في الصومال ترتفع وتيرة المواجهة فيها وسوف تستمر بشكل أو بآخر حتى اذا استطاعت قوات الحكومة دخول مقديشو بدعم القوات الاثيوبية ما لم يكن هناك حل سياسي عبر الحوار بين الصوماليين انفسهم يؤدي الى إعادة السلام والاستقرار لهذا البلد وإعادة إعمار ما دمرته الحروب والصراعات باشراك كافة القوى في بناء مؤسسة الدولة من اجل استعادة الصومال لعافيته ودوره في هذه المنطقة الحيوية والاستقرار في كل القرن الافريقي. ويبقى القول ان اكتساب الصراع في الصومال طابعاً اقليمياً بالصورة التي نراها اليوم يؤكد صحة رؤية اليمن بزعامة فخامة الرئيس علي عبدالله صالح أن الاستقرار الوطني لاية دولة من دول هذه المنطقة مرتبط بالاستقرار الاقليمي والسلام الدولي ومن هذه النظرة الثاقبة لخطورة ما يجري في الصومال بذل جهود لم تتوقف منذ نشوب هذا الصراع وحتى اليوم وآخرها أواسط هذا الشهر في اللقاء الذي جمعه مع قيادة من المحاكم بقيادة حكومية صومالية واستمراره لمحاولات سابقة خلالها وضع كل امكانات اليمن تحت تصرف الاشقاء في الصومال لعودة الامن والاستقرار إلى هذا البلد مدركاً ان تلك الجهود المخلصة والصادقة ينبغي ان تتضافر الى جانبها جهود أخرى من منطلق ان استمرار الوضع في هذا البلد يؤثر على الاستقرار الاقليمي، معبراً فخامة الرئيس بصورة دائمة عن ضرورة ان تتكاتف جهود كل دول القرن الافريقي ومنطقة جنوب البحر الاحمر والدول العربية والافريقية والمجتمع الدولي لانهاء حالة الاحتراب الداخلي بين ابناء الصومال، مؤكداً ان اية مصالحة تحصل تحتاج الى دعم سياسي واقتصادي وتنموي من العرب والأفارقة والمجتمع الدولي وقد سعى في هذا الاتجاه ليكون الاستقرار وإعادة بناء الصومال وتنميته هي إحدى القضايا الرئيسية التي يركز عليها على الصعيد العربي والاسلامي والدولي. وها هي الحرب تأخذ منحى خطيراً بتمددها لتأخذ شكل الصراع الاقليمي والخشية من تدخل دول الجوار للصومال ان يتحول الى تورط يؤدي الى انعكاسات وعواقب على كل دول المنطقة باتجاهات وأبعاد افريقية وعربية ودولية في وقت لا تحتاج الدول الافريقية ومنطقة الشرق الاوسط والعالم الى المزيد من بؤر التوتر والمناطق الملتهبة.