كتب المبدع الحانق الغاضب أبداً، زكريا تامر في صحيفة الراية القطرية تحت عنوان (كلمات ثلاث لابد من إلغائها في لغتنا العربية) وهذه الكلمات الثلاث كما حددها هي: حرية.. صدق.. عدالة والسبب في المطالبة بإلغائها يأتي من أنها لم تجد طريقها إلي الاستعمال، ولذلك ينبغي عليها أن تنسحب من القاموس كما انسحبت من المجتمع وأن تحل محلها كلمات ثلاث تمارس وجودها الفعلي والعملي ولها حضور مدهش علي مستوي الوطن العربي مثل كلمة فقر و نفاق و كراهية لما تتمتع به من حضور وانتشار وممارسة علي أكثر من صعيد، في حين ان الكلمات المطلوب إلغاؤها -كما يري الكاتب المبدع- غائبة عن الواقع أو أنها توضع خارج مكانها الطبيعي.وبقدر عظيم من الحزن أوافق الكاتب الكبير فيما ذهب اليه، وأضيف ان هناك عشرات بل مئات الكلمات التي لم يعد لها أثر في حياتنا العربية وهي تطالب بالاستقالة والعودة إلي القاموس لكي تحتفظ ببراءة معانيها وما كان لها من مدلولات صحيحة قبل ان يفقدها الاستخدام المغلوط نقاءها وجلال معناها. ومن المؤكد ان أهمية اللغة -أية لغة- لا تقاس بما تزخر به قواميسها من مفردات وإنما بكثرة ما يخضع منها للممارسة والتداول اليومي. وهنا إجماع علي أن اللغة العربية من أغني لغات العالم إن لم تكن أغناها، ولها من إمكانات التعبير ما ليس للغة أخري علي وجه الأرض، ومشكلتها الوحيدة أن أبناءها كسالي متخلفون وعاجزون عن الاستفادة من هذا الثراء اللغوي عجزهم عن الاستفادة من ثرائه البشري والاقتصادي. وهناك دعوات لا تتوقف -وأرجو أن لا تتوقف- إلي العناية باللغة العربية وضرورة أن تصبح لغة العلوم كما هي لغة الشعر والأدب والأغاني، وإلي تجاوز صرخات المحيطين الذين لا يرون جدوي من الدعوات للعناية بهذه اللغة العظيمة إذا كانت معاني بعض كلماتها لا تتطابق مع الواقع ولا تتجسد وظيفتها في أعمال الناس وسلوكهم فاللغة كائن حي تستمد قوتها وحيويتها من الإنسان الحي فإذا ركد هذا الإنسان وخارت عزيمته فإن لغته لن تكون أحسن حالاً وسيدركها الضمور والانكماش وتبدو عليها آثار الشيخوخة فالانقراض. وهنا يرتفع سؤال، هو: لماذا هي اللغة وحدها يجب أن تصان في زمان عربي لا تصان فيه كرامة الإنسان ولا يصان فيه الفكر ولا العقل وإذا كان الإنسان وهو أكبر ثروة ومصدر الثروة يعاني من الإهدار والإهمال فكيف للغة التي هي أداة تعبيره أن لا تقع تحت طائلة الإهدار والإهمال، وإذا كانت رؤوس العرب في العراق وفلسطين تداس بأقدام الغزاة وأعناقهم تنكسر تحت الضربات الموجعة فكيف تريد للألفاظ أن لا تُداس وتهمل وتنكسر أعناق قواعدها وتلتوي بها ألسنة أبنائها أو يحاولون الفرار منها إلي لغات أخري أكثر قدرة علي التعبير عن كرامة المواطن والوطن!. وأعود إلي الكاتب الحانق الغاضب أبداً، زكريا تامر فأقول له: إن المجمع اللغوي في القاهرة سيعقد دورته القادمة قريباً في القاهرة وأقترح أن ينضم اليه ليقدم حصراً بالكلمات التي لم تعد تلزمنا في هذه المرحلة، وأزعم أن الأخوة المجمعيين سيقابلون ملاحظاته بالترحيب، كما أن الملاحظات نفسها ستجد صدي واسعاً لدي الشعب العربي مالك هذه اللغة وصاحب الحق الأول في الاحتفاظ أو التفريط بها، ولا أظن ان الشعب الخائب الناعم -في ظروفه- الراهنة سيرفض أي مقترح يخفف من أعباء القاموس، وقد يري في ذلك الإصلاح اللغوي خطوة مهمة نحو الإصلاح السياسي والاقتصادي الذي تطالب به واشنطن. والبنك الدولي صاحب الشأن والفاعلية الأكبر في مصير الأمم والشعوب.
تأملات شعرية:
كان أسعد بالصمت قبل الكلام وقبل الإشارة، لا يتسلي بمضغ الحروف، ومصمصة الكلمات!! ليت عمري قد كان للحقلِ أكتبُ أشجارهُ وأداعب أغنامَهُ ليته كان يا صاحبي للحديقة لا للجريدة والمكتباتْ نقلا عن الراية القطرية