تبدو الفرصة سانحة أمام المكونات الحزبية والتنظيمية في المشهد السياسي اليمني، خلال الفترة الراهنة للتعامل مع ملفات الشأن الوطني بروح المسؤولية وتحقيق اختراقات حقيقية، تحسب للجميع في جدار الممانعة الحزبية المتوارثة.. والتنافر الحزبي الذي أرهق التجربة التعددية وحملها متراكمات سلبية، ماكان لها أن تكون، لولا ان اللاعبين انفسهم دأبوا على انتهاج سلوك التنافر والتقاطع المبدئي- غير المبرر او المفهوم- عند كل عنوان قضية أو مناسبة تستدعي رأي الجميع وتوافق الفرقاء في الساحة. لعله قد صار واضحاً ومثبتاً بالتجربة المتراكمة، أن ثمة ضرورة قصوى تستدعي من شركاء الحياة السياسية والتعددية في البلاد، إعادة النظر، ملياً في كل تفاصيل وحصاد التجربة الماضية في الممارسة السياسية ونوعية العلاقة التبادلية التي رافقت تقلبات المراحل المتقاربة- نسبياً- في الزمان فيما بين الأحزاب المختلفة، سواء على المستوى الفردي والثنائي، وعلى مستوى التحالفات الجماعية- المتقلبة هي الأخرى- مع أو في مواجهة هذا الظرف أو ذاك في المعارضة والسلطة. والملاحظ -دائماً- هو أن التقلبات المرحيلة تلك في نوعية ومضامين العلاقات التبادلية- الثنائية- بين الأحزاب المختلفة وبعضها البعض، قد احتكمت على الدوام للتغير والتحول.. في المواقع والمواقف والتحالفات النوعية والمرحلية.. من والى جهة ضد اخرى او طرف في مواجهة طرف آخر. فالتقارب المرحلي، في الزمان قد شهد أو عاصر- باستمرار- تباعداً في المكان والموقع الذي يأخذه كل طرف من الأطراف في الساحة.. تبعاً لمنطق الحاجة الطارئة أوالضرورية لدى كل حزب، وتبعاً- بالأولى- لحسبة الأولويات واحتمالات الربح أو الخسارة التي يفكر ويدير بها الساسة والأحزاب تحالفاتهم وسلوكهم السياسي على الواقع. هذا يعني- بالضرورة- ان يحتكم الفرقاء -الشركاء الى عقل المرحة وروح الثابت الوطني، في جميع المراحل والتحولات.. وبعد ذلك صار محفوظاً، للمبتدئ والمتمرس في السياسة وشغلها أن لا تحالفات أبدية، ولا عداوة أو تقاطع أبدي ونهائي بين مكونات الجسد السياسي في مجتمع ما- وبالتالي- تغليب المصلحة العامة والصالح الوطني، على الحزبي القاصر، يظل هو المأمول والمنتظر، في كل حال، وهذا يستلزم من الأحزاب ورموزها قدراً من المرونة والمسؤولية والحرص على استثمار كل بارقة حوار، او امكانية متاحة للتلاقي وتبادل الآراء والنقاشات حول مجمل قضايا وعناوين الشأن السياسي الوطني.. بغية الوصول- جميعاً- الى تفاهمات وتوافقات تؤمن القدر المعقول والضروري من سلامة المقصد النهائي في مزاولة الاختلافات -الطبيعية- بين الفرقاء المتنافسين على قاعدة مأمونة المقدمات والنتائج، قوامها التزام الجميع بمسلمات اساسية، ليست محل خلاف أو تأويلات متنافرة، وفي المقدمة منها: المصلحة الوطنية، الدستور والقوانين، السيادة، احترام السلطات الدستورية والصلاحيات التي خولها الدستور والقانون لكل سلطة من السلطات الثلاث «التشريعية، التنفيذية، القضائية». وسوى ذلك.. متاح ومتيسر، بلا جدال أو خلاف، وباستمرار تلاقي الفرقاء على مائدة- اختلاف راشد- عنوانها الحوار المتكافئ: حوار العقول المتسعة للرأي الآخر.. المتسعة للوطن ومصالحه في كل الأحوال والاحتمالات. ولايكاد أحد يصدق أو يعذر السياسيين غالباً في ادعاءاتهم بأن الالتقاء صعب والتوافق مستحيل، وان تمسك كل طرف برأيه وموقفه السابقين حال دون ذلك، ويحول باستمرار ودائماً دون تأمين خلافات المجتمع السياسي وجماعاته الحزبية والموقفية. واذا كان هذا هو غالب اعتذارات الفرقاء وتحججاتهم، فانه من المثير للمفارقة أن يظل هؤلاء على حالتهم الأولى في ترديد أن مصلحة الوطن والوطن وحده، هي شغلهم الشاغل وغاية عملهم واختلافاتهم وفي ذات الوقت تظل الدعوى محل شك وتشكك كبيرين كون الغاية أو الشعار المرفوع ظل على جماله اللفظي- عاجزاً عن ان يجمع الفرقاء في حوار توافقي.. يبلور الآراء والتصورات جميعها في مشروع عملي مأمون ومتاح بالمرة.. يجعل من التوافق روحاً للاختلاف، أو يحكم الاختلافات والتعددية في الرأي والموقف بضابط التوافق الوطني والمصلحة الوطنية النهائية، ودون شك.. فان ذلك يستوجب من الجميع إحضار عقولهم كاملة.. وتسليمها الزمام! واذا كان كما سلف، يجب اعادة النظر في كل التجربة الماضية بالنسبة للأحزاب جميعها- فرادى وتحالفات- لاستخلاص العبرة مما حدث ومراجعة مكامن القصور والعجز، وجوانب الخطأ والضمور في ممارسة عمل سياسي متقدم وحياة حزبية مرنة ومسؤولة، فانه ومن ذات المنطق والمقصد، يجب ان تثمر المراجعة تلك نتائج ايجابية ملموسة توظف أو تستثمر لاحقاً، في مصلحة إعادة توجيه، فعلياً ومستقبلياً لمجمل سياسات وممارسات ومواقف الجماعات الحزبية والسياسية، في اتجاه تأمين الجبهة الوطنية وترسيخ الشعور الوطني والجماعي بأن ثمة أحزاباً ورموزاً سياسية قادرة على مزاولة خلافاتها وتبايناتها.. في جو من الود الحريص كل الحرص، الا تفسده الخلافات وان اللاعبين السياسيين والحزبيين في البلاد، مؤهلين فعلياً لالتقاط متاحات الثراء والخصب التي توفرهما حياة التعدد والتنوع في المجتمع الديمقراطي، ويكفلهما تماماً النص الدستوري المؤكد على الديمقراطية والنظام الديمقراطي التعددي. هناك اليوم -وأكثر من أي وقت مضى- فرصة ذهبية لتجاوز أجواء الشحن الحزبي والاحتقانات السياسية بفعل الملاسنات الحزبية والاعلامية.. والتأجيج المستمر من قبل القيادات المختلفة في أحزابها، والتي كادت ان تحول الاختلاف المتوقع والطبيعي الى خلاف مزعج ومأزوم.. لا آخر له. ويوفر التوجه الايجابي.. الاخير- في الحوار المستمر بين الاحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، وبدعوة من المؤتمر الشعبي العام، وبرعاية ومرجعية فخامة الرئيس علي عبدالله صالح ضمانة حقيقية لمرحلة من العمل السياسي الملتزم والمسؤولية الحزبية الواقفة عند مصلحة الوطن وخير الجماعة.. يجدر انتهاز المناسبة المواتية والكف عن طفوليات الملاسنات!