شهدت السياسة الخارجية بعد قيام الوحدة المباركة في ال22 من مايو الاغر 1990م تحولات كبرى استطاعت ليس فقط مواكبة فقط المتغيرات الدولية العميقة في جوهرها المجسد في الانتقال الى نظام دولي بقطبية واحدة لكنها ايضاً استوعبت معطيات تلك المتغيرات على نحو ايجابي يلبي متطلبات مصالح اليمن العليا الداخلية والخارجية وباتجاهات تخدم التنمية والبناء الاقتصادي في سياقات التوجهات الهادفة الى إحداث شراكة حقيقية تتعزز تلقائياً مع المحيط الاقليمي والفضاء الدولي.. مؤكدة بهذه السياسة ان الجمهورية اليمنية يعد قيامها عامل استقرار مهم في منطقة ملتهبة.. ان دورها لكي يكون مؤثراً وفاعلاً اكثر مما هو عليه الآن يقتضي إدراكاً ووعياً مماثلاً من كل دول المنطقة، وهذا لا يعني الركون الى ذلك بانتظار تحركها، بل كان اليمن وما يزال يعمل بكل ما اوتي من جهد لتعزيز الامن والاستقرار والسلام في منطقة القرن الافريقي والجزيرة والخليج العربي والشرق الاوسط والعالم. لذا فإن تقييم السياسة الخارجية في ظل الدولة اليمنية الموحدة الديمقراطية المؤسسية الحديثة -الجمهورية اليمنية- لا يمكن تناولها والاحاطة بكل جوانبها في هذا الموضوع فهي اكبر بكثير من تكثيفها واختزالها في مادة صحفية او دراسة بحثية واحدة مع ذلك سنحاول قدر الامكان الحديث عن هذه الجوانب باقتضاب يركز على ابرز النجاحات التي تحققت خلال الفترة الزمنية القصيرة مع ادراكنا ان عظمة الامم والشعوب لا تقاس بالايام والسنوات بل بما حققته من نجاحات شكلت في مجملها نقلة نوعية على المستوى الوطني، واضافة حضارية على المستوى الانساني. ولا يكفي لتبيين ذلك التركيز على النجاحات والانجازات على المستوى الخارجي ولكن حتى تكتمل الصورة ويأخذ مجال الرؤية نطاقه الاوسع لابد لنا من الربط بين قطبي معادلتهما لتكوين مجال رؤية يعكس فعلاً حقائق الواقع الموضوعي،و هكذا تتداخل السياسة الداخلية بالخارجية سياسياً واقتصادياً وديمقرطياً وتنموياً ويتجلى تأثيرهما المتبادل ليشكل معاً اساسات النماء والتطور والتقدم في الحاضر والمستقبل. النظرة الثاقبة ان مثل هذه السياسة الخارجية ما كان لها ان تكون لولا النظرة الثاقبة لزعيم الوطن فخامة الرئيس علي عبدالله صالح الذي تمكن برؤية استراتيجية الوصول باليمن الى يوم الوحدة العظيم في 22 مايو 1990م في ظروف تاريخية كان ملمحها الابرز دولياً التشتت والانقسام والامثلة واضحة اليوم لأنها انتقلت الى منطقتنا واصبحت تهدد دولاً عربية متجاوزة وسط وجنوب اوروبا واجزاءً اخرى من العالم. التوازن والواقعية لقد اكتسب مفهوم التوازن موقع المحور في سياسة اليمن الخارجية بقيام الجمهورية اليمنية مضموناً جديداً يحمل معانٍ، وابعاداً ودلالات تعبر عن التلازم الوثيق بين المتطلبات والاستحقاقات الوطنية والتمسك بالمواقف القومية والاسلامية تجاه القضايا المصيرية المشتركة وبصورة قابلة للفهم، تحظى بالتقدير والاحترام من كل دول العالم تعتمد على الوعي بمجريات المتغيرات في مساراتها المستقبلية التي كانت دائماً تثبت صحتها لانها نابعة من رؤية سياسية واقعية مبنية على نهج التعاطي الموضوعي المستشرف للابعاد غير المنظورة لمثل هذه السياسات الاقليمية والدولية المتسارعة تطورتها والمتبدلة مسارتها والعاصفة احداثها خاصة تلك التي استهدفت المنطقة العربية وأدت الى نتائج كارثية نراها اليوم في المشهد العراقي ونهر الدم المتدفق في ظل الاحتلال لم يعد يتوقف عند حدود الوضع المأساوي الذي يعيشه الشعب العراقي، ولكن اصبح ذا تأثير سلبي متزايد على الامن والاستقرار في دول الجوار الاقليمي وتأثيرات لم تتجلَ مخاطرها بعد على نحو واضح للجميع.. وهناك الاسوأ لو بقي الوضع في هذا البلد العربي يسير بهذا الاتجاه. العمل العربي المشترك لذا كان اليمن وما يزال يعمل على احداث تطور حقيقي في العمل العربي المشترك لايجاد منظومة فاعلة قادرة على تجسيد المصالح العربية في اطار يأخذ في الاعتبار كل الاسباب والعوامل المؤدية الى التلاقي بين مصلحة الدول منفردة والمصلحة الجماعية للعرب كأمة واحدة يتأكد اليوم اكثر من فترة سابقة مدى اهمية التضامن ووحدة الصف، واكثر من اي وقت مضى يجب النظر الى التحديات والاخطار التي تجابه الامة في هذه المرحلة الدقيقة والحرجة من تاريخها، والعمل الجدي المسؤول لمواجهتها ومجابهتها. شراكة واندماج ولأن حديثنا يدخل حتى الآن في نطاق العموميات ونحن نتحدث عن السياسة الخارجية لليمن خلال السنوات ال17 المنصرمة من عمر الوحدة المباركة نرى انه لا غنى عن تقديم بعض الصور التفصيلية تؤكد حقيقتها عبر توجهات واسهامات وادوار مميزة لليمن بزعامة فخامة الرئيس علي عبدالله صالح،و ليكن منطلقنا من دول الجوار الاخرى في الجزيرة والخليج والتي شهدت علاقات اليمن الموحد في الآونة الاخيرة تطورات ايجابية مهمة.. لاسيما السنوات الاخيرة برزت في التوجه الهادف الى ان يصبح اليمن جزءاً من المنظومة الخليجية مكتسباً المسار في هذا الاتجاه مضموناً اقتصادياً باعتباره الرافعة الحقيقية لشراكة السياسة والامنية التي اصبحت ضرورة ملحة ومدركة ومستوعبة من جميع الاشقاء في هذا النطاق الديمغرافي الجيوسياسي الحيوي.. وهنا يظهر بشكل واضح الجدية يمنياً وخليجياً لاكساب العلاقات الاخوية اليمنية الخليجية طابعها الذي يجب ان تكون عليه من منظورها الحضاري التاريخي والوجود الجغرافي الذي يجعل من الجزيرة والخليج مكوناً ديموغرافياً واحداً اجتماعياً وثقافياً يجمع ابناء هذه المنطقة من العالم ليس فقط واحدية الدين والوجود والتاريخ الواحد، ولكن اواصر القربى وصلات الرحم والمهم اليوم البعد السياسي الاقتصادي الامني، فاليمن بوابة الجزيرة والخليج الجنوبية على البحر الاحمر والبحر العربي والمحيط الهندي، واليمن تشكل احتياطاً استراتيجياً للازدهار والنماء الاقتصادي لدول المنطقة بما يشكله من تجمع سكاني للعمالة المنتجة سواء أكان ذلك بالاستفادة من هذه العمالة في العمل داخل الدول الخليجية الشقيقة او في تحقيق استثمار ناجح داخل اليمن يخدم مصلحة الجميع، فاليمن تشكل بيئة استثمارية مثالية لفيض الرساميل الخليجية المتكون من عائدات الطفرة النفطية الجديدة، وليس لدى بعض دول الخليج امكانية الاستفادة من هذه الاموال بسبب غياب العمالة وتعدد الفرص الاستثمارية، وبذلك يتحقق لليمن ولاشقائه الجانب الاهم وهو الاسهام المتبادل في احداث النمو والتطور المنشود وتعزيز المصالح التي تداخلها وتشابكها العامل الرئيسي للامن والاستقرار والتقدم الذي يحفظ الجميع من أية متغيرات سلبية لرياح الاحداث المتتالية والمتسارعة التي هبت وتهب رياحها على هذه المنطقة، وبذلك تتحقق الاستفادة الاقتصادية والاستقرار الامني بمفهومه التكاملي الشامل. استراتيجية الرؤية وفي هذا تتبدى عمق الرؤية الاستراتيجية التي رسم خطوطها العريضة فخامة الرئيس علي عبدالله صالح محدداً مساراتها على طريق بناء جسور الشراكة المقامة على قاعدة المصالح الراسخة التي أساسها الاقتصادي يكسبها الثبات في مسارات تطورها والمرونة في استيعاب تبدلات الوضع العالمي في انعكاساته على الوضع الاقليمي في الجزيرة والخليج والشرق الاوسط لتثمر هذه السياسة الخارجية نتائج تؤكد صحتها، وتجلت خطوتها الاولى في القمة الخليجية المنعقدة في مسقط عاصمة سلطنة عمان عام 2001م بقبول اليمن عضواً بمجلس التعاون بصورة جزئية في اطار تدرجي ليمثل ذلك تغيراً مهماً في نظرة الاشقاء لليمن من منظور اساسي حضاري يمتد من الماضي العريق الى المستقبل المزدهر، ومع افرازات الاحداث في المنطقة والتي خلقت تحديات غير مسبوقة تتأكد صحة نظرة اليمن لما ينبغي ما تكون عليه العلاقة بينه وبين كل دول الجزيرة والخليج، وبالتالي ما يجب ان يكون عليه مجلس التعاون الخليجي لمواجهة هذه التحديات والاخطار مشكلاً بذلك اليمن جناحه الجنوبي. خطوات في الطريق الصحيح وهنا لابد من الحديث عن التطورات التي شهدتها الآونة الاخيرة والتي تجلت في الدور الرئيسي الذي اسهم به مجلس التعاون الخليجي بانجاح مؤتمر لندن للمانحين والذي سبقه لقاءات ومؤتمرات وندوات ثنائية مع دول المجلس، وفي اطار منظومة مجلس التعاون واستتبعه ايضاً لقاءات وآخرها مؤتمر للكشف عن فرص الاستثمار الذي عقد في صنعاء، وهكذا تمضي العلاقات اليمنية - الخليجية على نحو لا تتناسب مع التطلعات لكنها تبقى تشكل حركة في الطريق ترتفع وتائر حركتها بصورة طردية ومن خلالها تتعزز الثقة عبر الترابط الوثيق للمصالح باتجاهات السعي الى ردم الهوة الاقتصادية بين اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي على طريق الاندماج الكلي في اقتصادياتها مشكلاً بذلك رافداً لا يوسع فقط للمنظومة الخليجية كمياً ولكن ايضاً في احداث التحول النوعي المطلوب ليكسبها صفة التكتل الاقتصادي ليتمكن من ان يكون مجلس التعاون الخليجي هوة سياسية واقتصادية مؤثرة ايجابياً في محيطها الاقليمي والفضاء الدولي ويمتلك مشروعاً حضارياً قابلاً للتقييم والاستفادة عربياً. بمساراتها الاقليمية باتجاه القرن الافريقي.