الشك نوعان، شك للبناء، يقود الى البحث عن الحقيقة او القناعة الراسخة، وآخر للهدم، هدفه إشاعة الإحباط واليأس والتيه، وهذا هو الفرق بين الشك الإيجابي والسلبي. وكذلك المعارضة، التي قد تكون معارضة للبناء وما يقود الى كشف الأخطاء وتدارك المعوقات وتجاوز السلبيات، وقد تكون معارضة للهدم هدفها زرع الإحباط، والانحدار في التشاؤم والإساءة الى الوطن ومصالحه، ومكاسب الناس التي ترتفع الأصوات المعارضة باسمهم. معارضة الهدم- أو هذا النوع من المعارضة- تهدم نفسها قبل أي شيء آخر خاصة اذا ما ابتعدت عن المفهوم السليم لدور المعارضة، وما يجب عليها أن تخاطب الجمهور به من عقلانية ومنطق، وحرص على المصالح العامة والثوابت الوطنية وأحقية الجميع في ملكية الوطن والحفاظ على سيادته ومكاسبه. هناك فرق كبير بين معارضة تمسك بمشرط الجراح الماهر، بما لديه من علم وتمسك بشرف المهنة وأمانتها وبين معارضة تمسك بمعول الهدم أو فاس (حاطب ليلٍ) كما يقال. الأولى تجمع الناس على أرضية من القواسم المشتركة والثانية تخسر ما حولها وينظر اليها الجميع كأحمق يشعل النار في سفينة تحمله لأنه غير راضٍ عن ربانها. ولهذا - أو من هذا المفهوم- نشير الى ماحققنا بالوحدة، من ديمقراطية وحقوق منها حق التعبير عن الرأي، وحق المعارضة، وحق التنظيم الحزبي وغيرها من حقوق، لايتوقف الفخر بها على امتلاكها وكفى، ولكن بأننا تعلمناها وفهمنا أسسها وضوابطها وممارستها الصحيحة بالطرق السليمة. علينا أن نفهمها ونمارسها كما يمارسها السباقون في هذا المجال، كما انه ليس من العيب أن نستفيد من تجارب الآخرين. ومن أبجديات تعلم الديمقراطية، وفهم الممارسة السليمة للمعارضة، أن تكون المعارضة من أجل مصلحة الوطن، والحرص على إصلاح الأخطاء وكشف السلبيات والدفع بالعجلة في اتجاه البناء، والتنافس في ميدان التنمية والتحديث ومنع الأذى عن الوطن، والشر عن أهله. ومن الجهل بأسس ممارسة حق المعارضة أن يبدي المرء تخليه عن حقه عن الملكية المشتركة للوطن، وتصرفه بما لا يبدي معارضته للنظام بل معارضته للوطن بأكمله. بعبارة أوضح، إن من يعارض حاكماً، أو حكومة، أو حزباً حاكماً، فيلجأ الى ما يمس الثوابت الوطنية، أو يهدد السلام الاجتماعي، أو يكشف أسراراً عسكرية، أو يرضي أعداء أو متربصين، يكون قد تخلى عن حقه في ملكية الوطن، وعن شرف الحفاظ على ما يحرص ابناء المجتمع عليه .. وأظهر افلاساً قد يجر عليه أنواعاً مختلفة من النعوت. ينبغي أن نفرق بين الوطن الذي هو ملك الجميع وليس ملكية لحاكم أو حزب ، وبين فكر أو نهج نعارضه. في البلدان الديمقراطية يتسابق الجميع على الشارع على صوت الناخب، على الالتفاف الجماهيري.. وفي هذا الحرص يتساوى من في السلطة ومن في المعارضة، ومادام الأمر كذلك فان المعارضة تكون في غاية الحماقة إن هي جعلت من هدم الوطن بأكمله وسيلة لهدم السلطة، أو جعلت من التعريض بمكاسب الوطن ومصالحه والحفاظ على سيادته وسيلة لكسب الشارع أو تألبيه ضد النظام، لأنها بذلك تعارض الشارع وتعمل ضد مصالحه، خاصة اذا ما وصل الأمر بها الى مايضر بالسيادة والاستقرار ومبادئ وقيم ضحى الناس من أجلها .. وقدموا في سبيلها كل ماهو عزيز. لنتعلم معارضة البناء، المعارضة من أجل اليمن ورفعته وخير الناس، وان نضع الحد الفاصل بين نبل المعارضة، ووضاعة الإتيان على كل شيء بمعول الحماقة، وإيذاء النفس، والتعزير بالوطن