مع غروب الستينات من القرن الماضي أخذت بنادق ومدافع الاقتتال بين الاخوة -جمهوريين وملكيين- تبرد حناجرها، وقد ترسخ النظام الجمهوري وتذكر الناس القربى وسالت دموعها بعد سيلان الدماء. هذا ما حدث، صمتت المدافع والبنادق، لتعلو اصوات الاختلاف الجدلي المنطلق من تباين الرؤى الى المصلحة العامة، ومن تلك الاصوات ما يشن حملة تعبئة ضد الاحزاب المرفوضة سواءً أطلت بمسوح الرهبان اظهرت بقرون الشيطان، وصد الحزبية التي تنتهي -كما قالوا- بالعمالة وان بدأت بالوطنية او التأثر. سنوات مضت والشعارات التي تبدأ بكلمتي (نرفض الحزبية) معلقة على اكثر من جدار، الا ان تلك الحملة الاعلامية لم تترك الأثر المرجو لها في صدور الناس خاصة المتعلمين والمثقفين وكل من كان يرى الأثر السلبي للانتماء عندما يكون للقبيلة والمناطقية أقوى مما هو للوطن ومصلحته العامة، أو من يرى نعرة قبلية او مناطقية او مذهبية او طائفية تبرز، وكلها كانت نائمة او في حالة كمون. كان كل من يرى ذلك او لا يرتاح له، يرى ان الحزبية او التحزب هو الحل.. وهذا ما عبر عنه الشارع اليمني ونخبه بعد الانتقال الى العلنية السياسية والتعددية الحزبية، وكيف شهدت الساحة اليمنية في السنوات الاولى لاستعادة وحدة الوطن ميلاد عشرات الاحزاب. قلنا هذه بداية التخلص من سلبية الانتماء القوي للقبيلة او الطائفة او المذهب ....الخ، او هذه بداية اضعاف ذلكم الشعور على طريق التغلب عليه اذ سينتمي الناس الى احزاب سياسية لها افكارها وبرامجها ومناهجها التي تذوب فيها القبلية أو الطائفية أو المذهبية، خاصة بعد ان تضمن قانون الاحزاب حظر اي حزب يقوم على الطائفة او المذهب او العرق، ليست هذه هي الايجابية الوحيدة التي رأيناها في التعددية الحزبية وان المواطن سينحاز او سيلتزم لفكر ورؤية تصب في قناة المصلحة العامة وخير الاجيال القادمة، بل هناك أكثر من ايجابية لهذا التوجه السياسي ومنها اننا اخترنا الديمقراطية التي لم يكن شعبنا على سابق عهد بها، بل هي جديدة علينا ولابد ان نتعلمها ونتعلم ايضاً كيف نمارسها ونحافظ عليها. بعبارة اخرى، ما دام رجل الشارع والمواطن البسيط في مجتمع لا زال يعاني من الأمية، وتشكل اغلبيته تجمعات سكانية ريفية، فلتكن الاحزاب السياسية بمثقفيها وسياسييها ومفكريها هي المعلم وهي المؤسس لقاعدة ما نحرص على نموه سليماً من البدايات الخاطئة. من الاحزاب وما بها أو تقودها من نخب سياسية وثقافية سيتعلم الشارع اولاً ماهي الديمقراطية، وثانية كيف تمارس وتصان، كيف تعبر عن الرأي بما فيه رقي وسمو وليس اسفافاً وانحداراً كيف نختلف من اجل مصلحة عامة وليس لالحاق الضرر بها، كيف تتباين رؤانا من منطلق الحرص على بناء وترسيخ ما هو قائم كا نجاز وطني، وليس من اجل هدمه على أن تأتي بغيره او ما يتوافق مع رؤية معينة نتعلم كيف نعبر عن رأى أو نطالب بحق من الحقوق، أو عدم الرضا عن ظاهرة ما بالمسيرات السلمة، التظاهرات الحضارية بالكتابة الملتزمة للوطن ليس بقطع الطريق، أونهب المتاجر او الاعتداء على باعة متجولين او اقتلاع الاشجار او اطلاق النار وغيرها من الممارسات الموغلة في التخلف والبدائية ورواسب الانتماء الضيق لما لا يتناسب مع روح العصر ان كانت الاحزاب حاكمة ومعارضة تعمل من اجل مصلحة عامة وتعي دورها القيادي وتحرص على اجيال قادمة ومستقبل وطن، فلتكن هي القدوة هي من يعلم ابناءنا ما هي الديمقراطية وكيف تمارس وتصان. عندما نسيء التصرف وعندما يرى ابناؤنا صورة لقتيل او جريح او طريق قطعت او متجر دمر أو بائع متجول اعتدي عليه جراء مظاهرة او اعتصام او احتجاج انما نسيئ الى الوطن ومستقبله، والى الديمقراطية التي لانريد لابنائنا ان يفهموها بهذه الصورة. ان احزابنا حاكمة ومعارضة هي المسؤولة اولاً عما ستؤول اليه الامور ان ايجاباً او سلبياً فليستشعر الجميع مسؤولياتهم حتى فيما يكتبونه ويصرحون به.