حققت إسرائيل ما ظلت تراهن عليه حول شق وحدة الصف الفلسطيني بعد الاقتتال الدامي والمحزن الذي جرى بين ابناء الشعب الواحد والقضية الواحدة، والذين جميعاً في غزة والضفة الغربية وفي الشتات يعيشون أوضاعاً صعبة ومأساوية من جراء الاحتلال الصهيوني والعدوان الذي منذ قيام اسرائيل مستمراً ويتواصل حتى اليوم مرتكباً المذابح والتشريد ومصادرات الاراضي واستهداف المقدسات وممارسة العزل والفصل العنصري والتي آخرها الجدار العازل.. ورغم التنازلات التي قدمها الفلسطينيون في اطار المفاوضات والاتفاقية الموقعة ورغم اعتبار العرب ان السلام خيار استراتيجي وتقديم مبادرتهم واعادة تقديمها، ومع هذا فان اسرائيل في وادي والعرب والفلسطينيون في وادٍ آخر ومع ذلك كل هذا يمكن احتماله ما دام الصف الفلسطيني متماسكاً وخلافاتهم تظل في أطرها الطبيعية عند حدود الرؤى والتوجهات في الوصول الى الهدف الواحد الذي هو اقامة الدولة الفلسطينية على التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس الشريف.. من هذا المنطلق كانت الجهود الحريصة لفخامة الرئيس علي عبدالله صالح للحفاظ على وحدة الصف الفلسطيني من موقع الاحتفاظ بمسافة متساوية والفصائل الفلسطينية من خلال ذلك كان يجسد مواقف اليمن القومية تجاه القضية الفلسطينية ومن ثم امتلاك القدرة على التوفيق بين الجميع وابقاء الدم الفلسطيني خطاً احمر.. في فترات مختلفة كانت تمر فيه الساحة الفلسطينية بأزمات. وفي هذا الاتجاه تأتي اتصالات فخامته مع قيادتي فتح وحماس مباركاً كل الخطوات العربية الساعية الى اعادة التآم اللحمة الفلسطينية وفي صدارتها اتفاقية مكة بين فتح وحماس والتي رعاها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. ومع تجدد الاحداث لم يألو الأخ الرئيس جهداً للحيلولة دون تحول الشرخ بين الفصيلين الكبيرين الى شق يذهب باتجاه الانقسام الذي يحقق والذي بكل تأكيد سيكون له تداعيات على الساحة العربية والمستفيد من الوحيد منه اسرائيل. من هنا فإن المسار الذي اتخذه الانقسام الفلسطيني هو الاخطر في تاريخ القضية الفلسطينية والصراع العربي- الاسرائيلي تتجاوز اثاره الكارثية على الفلسطينيين الى العرب جميعاً ذلك انه وكما هو واضح من زيارة أولمرت للولايات المتحدة ونتائج لقائه بالرئيس بوش والتي بينت بصورة قطعية ماتمثله اسرائيل بالنسبة لامريكا في المنطقة - مفسراً بصورة غير قابلة- للتأويل الاحتمالي التبني الامريكي للمواقف الاسرائيلية التي في سياق استراتيجية التفكيك واعادة التركيب لخارطة المنطقة عبر تفجير الصراعات داخل الدول العربية مستغلة التنوع والتعدد السياسي والمذهبي والطائفي كمادة قابلة لاشتعال فتيلها وتفجيرها بعد تهيئة الظروف لذلك من ثم خلق وضع جديد يقطع على العرب امكانية إستعادة زمام المبادرة لمصلحة قضاياهم المصيرية في الحاضر والمستقبل.. ومايحدث في فلسطين والعراق نموذجان مختلفان يختزل فيهما ما يخطط للعرب وربما للمسلمين. ان على الفلسطينيين في هذه الظروف العصيبة وخاصة في قيادتي فتح وحماس ان يمعنوا القراءة فيما حدث وفي ماتقوله القيادات الاسرائيلية وان لايتعاطوا معها باعتبارها مصدر استقواء لأحد الاطراف ضد الطرف الآخر ولامصدراً للمكايدة، وتأكيد صحة ماحدث في غزة والضفة الغربية فليس هناك مساحة من الوقت للسجالات وتسجيل المواقف وجعل مايصرح به المسؤولون الاسرائيليون والامريكيون هي البوصلة لمسار تطورات الوضع الفلسطيني بل قضية مصلحة الشعب الفلسطيني هي التي ينبغي أن تكون البوصلة في هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها القضية الفلسطينية خاصة وان الاهداف الاسرائيلية واضحة وترمي الى تأجيج الصراع وفصل الضفة عن القطاع للابقاء طبقاً لقرار الشرعية الدولية وعملية السلام وخارطة طريق الرباعية الدولية متجاوزة لمصلحة استراتيجية الفصل العنصري عبر الجدار العازل والفصل بين اراضي السلطة الوطنية الفلسطينية.. وفي النهاية تصبح لاسرائيل استحقاقات عند الفلسطينيين وللعرب استحقاقات سيدفعون ثمناً لمايحدث الآن بين فتح وحماس ومايحدث أيضاً في لبنان.. أما الوضع في العراق فإنه يتحدث عن نفسه واستمرار الوضع على ماهو عليه ينذر بالاسوأ. المطلوب ليس الاعتماد على امريكا ولا على الاطراف الدولية الاخرى او الرهان في هذه المرحلة الحرجة في حال خروج حماس او اي اطراف اخرى نلتقي معها في نهجها سيؤدي الى قبول اسرائيل بالسلام او فرضه عليها.. بل على وعي الفلسطينيين لما حدث ويحدث ومراجعته وعلى ادراك العرب