يجري حديث كثير عن الحوار بين الأحزاب اليمنية، وكل طرف يسابق الآخر في تأكيد احترامه لثقافة الحوار، إلاّ أن الملفت هو أن الأحزاب ما زالت تتجادل حول أجندة قديمة رغم أن ما استجد هو الأجدر بالحوار..! فبين يوم الشروع بالحوار ويومنا هذا مسافة، وإن لم تكن طويلة جداً لكنها صاخبة جداً بالأحداث والمواقف والتطورات السياسية، وهو الأمر الذي يجعل التمسك بأجندة ما قبل عام بمثابة إسفاف في التقوقع في الماضي، واعتراف بالعجز على التعاطي مع المتغيرات الوطنية العصرية وما رافقها من تحديات في غاية الخطورة. اليوم لدينا أحزاب تختلف على «الثوابت الوطنية»، وتجادل فيما إذا كانت «الوحدة اليمنية» ثابتاً وطنياً أم لا، حتى يخيل للمرء أنها لم تسمع بشيء اسمه سياسة على الإطلاق، ولا تفقه شيئاً حول ما تتداوله في وسائل إعلامها كقضية مطروحة للتفكير، طالما وهي لا تعلم فيما إذا تمت تجزئة الوطن وبيع أحد أجزائه هل يعد هذا خرقاً للثوابت أم لا!؟ أليس هذا الموضوع يستحق الحسم في حوار الأحزاب؟! ويبدو أن ساحتنا الوطنية فقدت توازنها الثقافي، حتى اختلط الحابل بالنابل، وفقدت معظم القوى السياسية إحساسها بهويتها، وأيديولوجيتها، وعقائدها فأصبحنا وجهاً لوجه أمام تنظيم وحدوي وآخر انفصالي عنصري يقفان على منصة واحدة في نفس المهرجان .. وبات هناك أيضاً شراكة غريبة بين حزب عقائدي شرعي كالإصلاح وبين كيانات غير شرعية، لا تحمل فكراً ولا ثقافة كالجمعيات الانفصالية المتمردة على الدستور والقانون برفضها العلني احترام أي قانون من العهد السياسي الحالي .. ومع هذا فإن الحزب العقائدي الداعي إلى وحدة الأمة الإسلامية يتبادل خطب المنابر السياسية بحماس مع الكيانات الداعية إلى تشطير الوطن الواحد..! أليس هذا أمراً يستحق وضعه في مقدمة أجندة الحوار كي لا يبقى هناك من يقول: إنه يكره الصهيونية، وعدوه الأول إسرائيل فيما يتناول غذاءه مع رئيس وزرائها، على غرار من يقول إنه مع الوحدة، ويقف بوجه الانفصال ثم يخطب على منصة واحدة مع من يدعون جهراً إلى «استقلال الجنوب»! أعتقد أن على الحزب الحاكم أن يدرك أن قضايا الأمس هي غير قضايا اليوم، لأنها كانت بالأمس لاتتعدى الحقوق الديمقراطية وتعزيز الحريات، والضمانات الانتخابية، بينما هي اليوم تدور في فلك الثوابت الوطنية بين من يدعو إلى الانفصال في كل وسائله الإعلامية، وخطبه، وعبر الفضائيات، وبين من يدعي أنه وحدوي لكنه يوزع في الشوارع ملصقات تقول «الفاسد هو الانفصالي» و (من ينهب الأراضي هو الانفصالي الحقيقي) لكي تقنع عامة الناس بأن الفساد سبب كافٍ للتطلع للانفصال! وأن وجود من يعتدون على الأراضي هو أىضاً سبب يبرر الانفصال. هذه قضايا وطنية حساسة ينبغي أن تقلب طاولة الحوار.. وتضاف إليها المواقف التي تتخذها الأحزاب إزاء أي إجراءات لردع النشاط الانفصالي، أو إيقاف التعبئة العنصرية، أو محاسبة شخص يدعو جهاراً في مهرجان إلى الانفصال ويرفع علم الدولة التشطيرية القديمة!! ومن هنا يجب أن نتفق أولاً على القانون فيما إذا كانت الأحزاب مازالت تعترف به أم لا؟ فالحزب الحاكم ملزم بتخييرها إما أن تتعهد باحترام القانون وتمتثل لكل إجراء يتم اتخاذه ضد من ينتهكه، وإما أن تعلن عدم اعترافها بالقانون، وحينئذ يتم إلغاء حقها في ممارسة الديمقراطية والتعددية لأن هذه الأمور أوجدها القانون الذي لم تعد تعترف به الأحزاب، وبإلغائه تلغى كل امتيازاته، وتلغى صفتها، وحق مشروعية وجودها في الساحة الوطنية!!