ليس من الحصافة ولا الواقعية ولا المنطق السليم، النظر إلى الأسلوب الذي انتهجته الدولة، سعيا منها إلى إخماد الفتنة التي أشعلتها عناصر التمرد والتخريب في بعض مناطق محافظة صعدة، بوسائل سلمية تحقن دماء اليمنيين وتحفظ وتصون مقدرات الوطن من تلك النظرة القاصرة التي لم يستوعب أصحابها أن اعتماد المبدأ السلمي في مواجهة تلك الفتنة كان مسألة طبيعية، ويمثل إحدى السمات الحضارية التي تميز بها النظام السياسي في اليمن، والذي يسعى على الدوام إلى التعامل مع القضايا والمشكلات والظواهر العارضة انطلاقاً من رؤية تستمد خياراتها ومفرداتها من منظور ما تقتضيه المصلحة الوطنية والسلم الاجتماعي ومسيرة البناء والتنمية. وتأصيلا لهذا النهج فقد ظل مبدأ الحوار هو الوسيلة الحضارية لمعالجة التباينات في الرؤى والتوجهات لما من شأنه ترسيخ عوامل التوازن في علاقات مكونات المجتمع وفي نطاق يحتكم فيه الجميع لقواعد النظام والقانون ونصوص الدستور وروابط الشراكة الوطنية الديمقراطية وبصورة تزول فيها الخصومات والهواجس والشكوك. ولا يخفى على أحد أن هذا الأسلوب السلمي قد جنب وطننا الكثير من المنعطفات الخطيرة وحال دون وقوعه تحت تأثير الضغوط والاستهدافات التي تعرضت لها العديد من الأقطار، ولا زالت تدفع ثمن ذلك إلى هذه اللحظة بل ان شعبنا بتلك الرؤية الصائبة والعقلانية قد برهن لنفسه قبل أن يثبت للآخرين على أنه يتمتع بروح حضارية أكسبته قدرة فائقة على تخطي الصعاب وتجاوزها دون أن يترك للتجاذبات أن تعيق مسيرته التنموية والتطويرية. وبالتالي فإذا كان المتمرد الحوثي وأتباعه قد أخطأوا فهم رسالة التسامح التي لا يقدم عليها سوى أشجع الرجال وأعظمهم خلقا ونبلا وحنكة وحلما، فإن تلك الشرذمة قد جنت على نفسها ولا بد لها أن تتحمل نتيجة ما دأبت عليه من تصلب وغي بعد أن رضيت بالانغماس في وحل مستنقع الانحطاط الذي يتغذى من نوازع التطرف والتعصب والانفلات القيمي وثقافة الكراهية والأحقاد والعدوان على الآخرين. وبالمحصلة فإن كل الحقائق تدلنا على أن ما أبدته الدولة من حرص على إنهاء الفتنة التي أشعلها المتمرد الحوثي وأتباعه بالوسائل السلمية، إنما هو تعبير صادق على الالتزام بما تمليه المسؤولية الوطنية والواجب الديني حيال تلك العناصر السيئة من موقع الاقتدار وليس الضعف كما توهمت تلك العناصر التخريبية التي باعت نفسها للشيطان فاستولى على عقولها وقذف بها إلى مسالك الإجرام والرذيلة وها هي اليوم تلعق مرارة ذلك المسلك الخاطئ تطاردها اللعنات بقدر ما اقترفته من أعمال دنيئة وجبانة يحرمها الشرع والقانون ويدينها العرف والأخلاق. وأمام الإحساس بخطر هذا الوباء الخبيث كان الإجماع الوطني على ضرورة التصدي لتلك الفئة الباغية التي أصبحت سرطاناً ينخر في جسد الوطن اليمني لشعور الجميع بأن من يتنكر لقيم شعبه وأمته ويعمد إلى نشر الخراب والهدم والتدمير واستباحة الدماء وإشاعة الفتن والفوضى لا ينبغي له أن يجد مستقراً في هذه الأرض التي لا ينمو عليها إلا الثمر الطيب، وليس أسوأ وأخطر على هذا الوطن من تلك العصابة الإجرامية التي تجردت من كل القيم الأخلاقية والإنسانية وعملت على خيانة بلادها وشعبها بأبشع أنواع العقوق والعصيان.