الأصل أن الفتنة نائمة وأن من يوقظها مطارد باللعنة.. الفتنة هي الفتنة.. جاءت من الشرق أو القرب من الشمال أو الجنوب من جهة أصلية أو فرعية.. الفتنة تعني.. المواجهة.. الدم.. أيتام وثكالى.. إهدار للموارد العامة والخاصة.. هي تعطيل لحركة العمل وفضيلة الإنتاج.. تعطيل لإرادة الإنجاز وفرص العلم.. وراء كل فتنة يقف التعصب الذي لا يثمر إلاّ الشر.. الخراب.. الدمار.. إقلاق السكنية ومصادرة الأحلام.. قطع الطريق.. وقطع الأرزاق.. تشويه الصورة البديعة لليمن. المشكلة أننا نتنقل بعين الإفراط إلى التفريط مع أننا شعب أصيل في خارطة «أمة وسط». نحب بمبالغة وتختلف في حمق.. نفعل الشيء ونقول ضده نفهم التوازن على طريقة الحلاقين الذين يتركون زبائنهم في نصف ذقن خوفاً على سوق القات من إقفال غير وارد.. يرتفع سعر القمح أو الحديد فيعلن بعضنا فرضية الجهاد من أول سفارة وندلي بالتصريحات المعادية من فندق الإقامة فيه مدفوعة ممن يكرهوننا. نتقاعد بالحق أو الباطل فيخرج بعضنا بشعار يدعو إلى الانفصال.. وكأن عودة البراميل الملعونة هي الطريق إلى وظائف بجنيهات صاحبة الجلالة ويورو دول الاتحاد ودولارات ساحة وبنات أمبراطورية الشمس المشرقة. رفعنا شعار الديمقراطية فاختلط حابل الحرية بنابل الفوضى.. وضوابط المسؤولية بتحطيم السقف على طريقة شمشون والمعبد.. حتى مؤسسات المجتمع المدني انشغلت بما لا يعنيها عما يعنيها.. يعتقد نفر منا أن شعارا في مسجد أو احتفالية في مزار هي الوصفة السحرية لإزالة أمريكا وإسرائيل من الخارطة غير مدركين أننا نعيش حياة معقدة تحتاج منا للتنافس في معتركات العمل وتنمية فضائل الانتماء لليمن.. والمشكلة أننا نوفر لبعضنا غطاء العبث وقميص تبرير الأخطاء. أقلية منحرفة تلعب بالفلوس بصورة مستفزة تجلب الأحقاد.. ومسؤولون يتعاملون مع الثقة الممنوحة لهم بالكثير من العبط.. ووظائف يسرح فيها خيالك وأنت تحاول عبثاً مشاهدة القوي الأمين. وبعضهم يزعم أنه من غير صلاحيات.. مع أن أكبر الصلاحيات وجوده على موقع إما أن يفي بمتطلباته أو يغادر المكان.. أنا وأنت غالباً.. نكرر الوقوع في الأخطاء لا نطبق ما نقوله ثم نستغرب من أن قارئة الفنجان لم تتنبأ بالكارثة.. لنتأمل في أنفسنا وحولنا فماذا سنجد..؟؟ إمعان في إهدار الوقت.. في العبث بما تطاله أيدي العبث.. تفان في عدم الانضباط.. كثرة الأعذار.. التغيير «بالمسخ» والمعطوب. كم منا يرمي المخلفات من نافذة سيارته وبوابة منزله فإذا بالأكياس البلاستيكية تحجب مستوى الرؤية.. كم هي اجتماعات الجدل الوهمي بين متحاورين تكتشف أنهم يحرثون في البحر.. كم لنا نسفلت ونحفر ثم نردم لنعاود الحفر في عمليات شوهت بطون المدن، مسؤولون حكوميون في اجتماعات لا تنتهي.. ونقابات استسلم بعضها للميل الحزبي بصورة غاية في السوء.. معارضة لا تعرف حتى الآن هل ما تقوم به من نشاط يؤكد على طلوعها السلالم إلى السلطة أم أنها تنحدر إلى الأسفل بالثابت من المواقف، نتحدث عن الفساد وكأنه مخلوق هلامي بدون جسد مع أنه يمتلك جسداً بعدد أيدي الأخطبوط.. نتحدث عن ميزان المخبز ولا نراه.. نشير إلى أصالة المتلاعبين بالغاز ولا نرى أحداً في السجن.. نعترف بتهريب الديزل ولا نجد مهربين يحاكمون.. نلعن القات ونمضغه.. نحذر من نضوب المياه ونحفر بعشوائية مفرطة. هذه المظاهر وأقولها بكل صدق وموضوعية تفتح مجالاً لشياطين العبث بقيم المجتمع وأحلام ملايينه. لقد صار كثيراً مما نقوله غير مفهوم.. مستعصياً على الفهم.. يدفع إلى الكثير من السكون غير الذكي.. والنتيجة.. تعدد أشكال الفتن ومظاهر الخروج على النظام.. وكثرة عدد المتفرجين المحايدين.. لنجرب استخدام مشرط الطبيب الجرىء فننتصر للمعايير ولنكن على ثقة من أن حالة من الاصطفاف الوطني ستكفي للتغلب على الكثير من الأوجاع وإخماد أي فتنة وغير ذلك ليس إلاً برزخ وحيره بين الإحساس بالذنب والتعبير المستمر عن خيبة الأمل