يترك جورج بوش الابن البيت الأبيض بعد أقل من شهر، والعالم في حال عجيبة، غريبة الى حد لا يمكن ايجاد وصف لها. ربما لا توجد كلمة لتوصيف عالم ما بعد جورج بوش الابن باستثناء أنه عالم مجنون لم تعد تنطبق عليه أي من المقاييس المعمول بها أو تلك التي أثبتت جدواها في الماضي، أنه عالم مختلف لا علاقة له بكل ماسبقه، عالم احتاج فيه برميل النفط الى نحو أربعين شهراً ليرتفع سعره من نحو أربعين دولاراً الى مئة وسبعة وأربعين دولاراً. لكنه أحتاج، في المقابل، ألى أربعة أسابيع فقط ليهبط من مئة وسبعة وأربعين دولاراً الى ما دون أربعين دولاراً، وحتى الى عتبة ثلاثين دولاراً, كان جورج بوش الابن يستاهل أن يكون على غلاف مجلة "تايم" كرجل السنة 2008م بدل وقوع الخيار على باراك أوباما الذي عليه أن يبرهن بالملموس في الأشهر القليلة المقبلة ما اذا كان يستطيع شيئاً أمام الأزمة الاقتصادية ومشاكل العالم التي خلفها له سلفه، وهي مشاكل، تبدو ظاهراً، أنها من النوع غير القابل للعلاج في المدى المنظور؟ من أين يستطيع أوباما أن يبدأ في معالجته لمشاكل الولاياتالمتحدة والعالم؟ لا شك أن عليه التركيز في البداية على الأزمة الاقتصادية الأميركية التي تبدو، كلما مرّ يوم، انها أعمق بكثير مما يعتقد, لم يعد هناك قطاع في منأى عن الأزمة, المصارف الأميركية في حال يرثى لها, احتاجت المصارف الى مئات مليارات الدولارات كي لا تنهار, عالم صناعة السيارات يعاني على الرغم من الدعم الذي وفره له الكونغرس بعد أخذ ورد طويلين, لا وجود لقطاع منتج في منأى عن الأزمة التي لا سابق لها في تاريخ الولاياتالمتحدة، حتى أن أزمة العام 1930 من القرن الماضي تبدو أقرب الى نزهة بالمقارنة مع الأزمة الراهنة التي لم تكتمل فصولها بعد. ما الذي يمكن استخلاصه من الأزمة الأميركية والعالمية عربياً؟ هل في الإمكان توظيف الأزمة في خدمة القضايا العربية في وقت يبدو جليا أن هناك دولاً عربية عدة قادرة على امتصاص السلبيات الناجمة عن العالم المجنون الذي خلفته ادارة بوش الابن؟ الجواب أن ذلك ممكن نظراً الى أن دولاً عربية عدة امتلكت ما يكفي من الحكمة للمحافظة على كميات كبيرة من السيولة النقدية مستفيدة من الأرتفاع الكبير في أسعار النفط والغاز في السنوات القليلة الماضية.. بين هذه الدول المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر، ودولة الكويت، والجماهيرية الليبية وحتى الجزائر التي تكمن مشكلتها في عدم القدرة على ضبط النمو السكاني الذي أتخذ طابعاً عشوائياً في العقود الثلاثة الأخيرة، فضلاً بالطبع عن عجزها على التغلب على أحقادها الدفينة مع المغرب وتوظيفها جهودها وامكانات كبيرة في معارك خاسرة سلفاً. في استطاعة العرب لعب دور أساسي على الصعيد الأقليمي والدولي في حال التقطوا أهمية الدور الذي في استطاعتهم لعبه على الصعيدين الإقليمي والدولي من دون مبالغات. ليس مطلوباً في أي شكل أن يغطي العرب خسائر المصارف والمؤسسات الإقتصادية والصناعات العالمية المفلسة. لكن في استطاعتهم إثبات أنهم قوة تعرف ماذا تريد أكان ذلك في فلسطين، في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، أو في الخليج، في مواجهة النفوذ الإيراني الهادف الى الغاء كل ما هو عربي في المنطقة. في حال كان مطلوباً اختصار عهد بوش الابن الذي استمر ثماني سنوات، فإن أفضل ما يمكن قوله، أن هناك فرصة أمام العرب في حال توحيد جهودهم وقرارهم لإستعادة المبادرة في العراق ولبنان وفلسطين والبحرين، وفي منطقة الخليج عموماً، الأكيد ان عليهم قبل كل شيء سدّ الثغرات في مناطق معينة مثل اليمن التي يمكن أن تتأثر سلباً والى أبعد حدود بهبوط سعر النفط.. في المقابل، عليهم أن يتذكروا أن هبوط السعر نعمة. إنه عالم مجنون ذلك الذي يتركه بوش الابن لباراك أوباما، عالم لا مكان فيه لأي منطق.. في غياب المنطق والمقاييس التقليدية، ليس عيباً أن يخرج العرب بصوت واحد لقول ماذا يريدون. يريدون علاقات حسن جوار ندّية مع إيران جوهرها العراق السيد المستقل الموحد غير الخاضع للاحتلال، ويريدون لبنان عربياً حرّاً سيداً مستقلاً بعيداً عن اية وصاية، ويريدون فلسطين دولة مستقلة "قابلة للحياة" عاصمتها القدس بعيدا عن فوضى السلاح. اأنها فرصة لبلورة استراتيجية عربية شاملة، هل يقدم العرب أم يتركون الفرصة تمرّ. بكلام واضح، ان هبوط سعر برميل النفط فرصة لا تعوض لترجمة ذلك الى قرار سياسي عربي جريء يسمي الأشياء بأسمائها من دون مواربة. انها الفائدة الوحيدة التي يمكن جنيها من عهد بوش الأبن الذي أراد إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط على حساب العرب انطلاقاً من احتلال العراق.. انها مناسبة لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط ولكن استنادا إلى مقاييس ومواصفات عربية الى حدّ ما طبعاً، المهم ان يكون هناك عرب وأن يكون هناك موقف عربي واستيعاب للتوازنات الإقليمية والدولية الجديدة انطلاقا من سعر برميل النفط!