أياً يكن الرئيس الأميركي الجديد الذي يُنتخب في الرابع من نوفمبر 2008، فإن جورج بوش الابن المقيم في البيت الأبيض حتى يناير المقبل، ترك له عالماً جديداً مختلفاً كلياً عن ذلك الذي عرفناه أن في ظل الحرب الباردة أو في الرحلة التي تلتها. انه عالم مختلف جذريا خصوصا في الشرق الأوسط حيث تغيرت الخريطة السياسية للمنطقة تمهيدا لتغيير الخريطة الجغرافية في مرحلة لاحقة. مع الشرق الأوسط تغير العالم كله، بدليل الأزمة الاقتصادية التي يمر فيها وأدت، بين - فيما إليه- إلى هبوط أسعار النفط من مئة وسبعة وأربعين دولاراً للبرميل قبل أسابيع قليلة إلى نحو ستين دولارا اليوم. هبط سعر برميل النفط بنسبة ستين في المئة تقريباً خلال فترة قصيرة، وليس مستبعداً هبوطه أكثر. ما يحصل أمر عجيب غريب، ذلك أن رد السوق على خفض منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبيك) الانتاج كان مزيدا من الهبوط لسعر البرميل، وكأن قاعدة العرض والطلب التي تتحكم بالسوق، أي سوق، لم تعد سائدة. أكثر من ذلك، تبين أن العالم لم يعد سوى سوق واحدة. بمجرد أن ضربت الأزمة الاقتصاد الأميركي، بدءاً بالمصارف الكبيرة، حتى انتشرت العدوى في كل أنحاء الكرة الأرضية تقريباً. من تصور يوماً ما تشهده بريطانيا اليوم، هبطت قيمة عملتها في غضون أسابع بنسبة تزيد على خمسة وعشرين في المئة في مقابل الدولار و إذا بها تستعيد نسبة تسعة في المئة في أربع وعشرين ساعة، بين الثلاثاء والأربعاء الماضيين. يمكن للعملة البريطانية، الجنيه الأسترليني، أن تعاود الهبوط، كما يمكن أن تستعيد عافيتها، كذلك الأمر بالنسبة الى النفط. الخلاصة أنه لم تعد هناك قواعد ذات علاقة بالمنطق، أي منطق كان، تتحكم بالسوق! ماذا عن الشرق الأوسط الذي تركه جورج بوش الابن لخليفته؟ سيتبين يوما أن القرار الذي أتخذه الرئيس الأمريكي الذي مكث في البيت الأبيض بين العامين 2000 و2008م، والقاضي باحتلال العراق، ستكون له انعكاسات في المدى الطويل تتجاوز بكثير حدود العراق والمنطقة المحيطة به. يكفي أن العالم العربي فقد توازنه بمجرد دخول القوات الأمريكية بغداد في التاسع من أبريل 2003. يكفي أن وحدة العراق ستظل موضع تساؤل في السنوات المقبلة. يكفي أن ما ميّز فترة ما بعد سقوط النظام العراقي انفلات الغرائز المذهبية على نحو لا سابق له في المنطقة. ظهر بكل بساطة شرخ شيعي- سني ليس معروفا هل سيكون في استطاعة المنطقة تجاوزه. تمددت خطورة الشرخ الى أبعد من الحدود العراقية. على من يريد البحث عن دليل على ذلك أن لا يجهد نفسه كثيراً أو طويلاً، كل ما عليه عمله هو النظر الى ما يدور في لبنان. غيَّر جورج بوش الابن العالم، في اتجاه الأسوأ في اتجاه المجهول، لا وجود حاليا سوى لعلامات استفهام، من يستطيع التكهن بمستقبل الاقتصاد العالمي باستثناء ان الأزمة لا تزال في بدايتها، من يستطيع توقع مستقبل النفط وأسعاره، من يستطيع القول أن الأزمة الاقتصادية أنتهت في الولاياتالمتحدة، لكنها لا تزال تتفاعل خارجها أمريكية من كان يظن أن روسيا التي بدأت تتصرف بعد تأديبها جورجيا، وكأنها ستستعيد بعض سمات القوة العظمى مقتربة مما كان عليه الاتحاد السوفيتي ستتأثر بدورها بالانهيارات التي تعرّضت لها مصارف أميركية بسبب انهيار سوق العقار في الولاياتالمتحدة! لم يترك رئيس أميركي بصماته على العالم مثلما فعل جورج بوش الابن. شن الرجل حرباً عالمية على الارهاب اثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، حارب كل شيء باستثناء الارهاب. زادت بؤر الارهاب في كل أنحاء العالم. من افغانستان الى باكستان الى الصومال المرشحة أن تكون معقلاً جديداً- قديماًَ ل"القاعدة" والدائرين في فلكها، مرورا بايران والعراق وسوريا ومناطق معينة في لبنان تمدد الارهاب في أفريقيا، خصوصا في منطقة جنوب الصحراء الممتدة من جنوب موريتانيا الى جنوب السودان، حصل ذلك في عهد جورج بوش الابن. قاد الرجل العالم الى المجهول، ما الذي سيفعله خليفته؟ هل يستطيع أن يفعل شيئاً؟ كل ما يمكن توقعه، في ضوء ما يهم المواطن الأميركي أوّلا، أن يبدأ بمحاولة اصلاح الأقتصاد. بعد ذلك، تبدو كل الخيارات في غاية الصعوبة، ما العمل في أفغانستانوباكستان؟ كيف التعاطي مع ايران؟ هل سيكون الحوار معها مثمراً ومفيداً بعد الهبوط الكبير لأسعار النفط؟ ثم كيف الخروج من العراق ومن يضمن التوصل الى اتفاق أمني شبه معقول مع حكومته؟ هل لا يزال في الامكان عمل شيء بين الفلسطينيين واسرائيل هذا غيض من فيض. الأسئلة تطول وتطول في غياب أجوبة من أي نوع كان.