دُشنت يوم أمس أعمال المؤتمرات الفرعية لمجالس السلطة المحلية على طريق النقلة النوعية التاريخية القادمة قريبا نحو إحلال نظام الحكم المحلي واسع الصلاحيات. وينطوي الحدث على جملة تأكيدات في غاية الأهمية وفي مقدمتها أن الاستمرارية المتجددة والمتقدمة هي الالتزام الراسخ للقيادة السياسية بزعامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح تجاه الديمقراطية باعتبارها خيارا وطنيا لا رجعة عنه. ولا تراجع عن الديمقراطية التي مثلت الغاية الحضارية وثمرة من ثمار المنجز التاريخي الوحدوي الذي حققه الشعب اليمني في ال22 من مايو عام 1990م. وتأكيد آخر يحمله مثل هذا التقدم الديمقراطي من خلال ساحته الانتخابية المفتوحة على الحق الحر في الترشح والاقتراع وهو الميدان الحقيقي للتنافس بين الرؤى والتوجهات المختلفة والذي دائما ما يكون الغلبة فيه للأفضل استيعابا لتطلعات الجماهير وكسب ثقتها. والمستجد في ذلك ينبع من بين مجريات الممارسات الارتدادية العبثية الحاصلة من قبل نفر انقطعت صلتهم بالوطن وهو المستجد الذي يدل بكل واقعية ومسؤولية على أن التطور الديمقراطي في الشأن المحلي يشكل أجدى وسائل المواجهة لهذه الشرذمة من مثيري الفتن والنعرات الانفصالية إذ تجردهم الديمقراطية من أدوات اللعب بالأوراق الفاسدة التي تفوح منها الروائح الكريهة. والرسالة الواضحة للجميع والصادرة عن مؤتمرات المحليات أن التنافس من أجل تقديم الأفضل للمجتمع والمشاركة عن جدارة واستحقاق ديمقراطي هو الخيار الوحيد أمام التكوينات السياسية والحزبية التي تتطلع للوصول إلى مقاليد الحكم. ومع تطور تجربة النظام المحلي تتسع الصلاحيات ويصبح الشعب هو من يحكم نفسه بنفسه لتتجسد على أرض الواقع المعاني الحقيقية والجوهرية للعملية الديمقراطية. ومجتمعنا بهذه الخطوات ينتقل صوب الدرب الحقيقي الموصل إلى إقامة البنى العملية والواقعية لمبدأ الشراكة الوطنية لإنجاز النهضة اليمنية الشاملة. ولا ينصرف عن الديمقراطية أو يمتنع عن التطبع بأخلاقياتها وقيمها السامية سوى من يعاني من تخلف ثقافي وتبلد ذهني يجعله غير قادر على التصالح مع قيم العصر وفاقد الثقة بنفسه وكذا الفاشل في التماهي مع قيم الديمقراطية سيظلان يعانيان من حالة عسر هضم تجاه الديمقراطية ولذلك فلا غرابة أن يأتي تعاملهما مع الوحدة والديمقراطية من منظور انتهازي فلا يهمهما سوى اشباع نهمهما ونزواتهما ومصالحهما الضيقة والأنانية، ويعتقد هذا الصنف النفعي أنه وكما هرب إلى الوحدة بعد أن داهمته عوامل السقوط الحتمي فإنه سيرتد عن الوحدة عن طريق محاولة فرض الانفصال بالقوة مقابل ما سيحصل عليه من الأموال المدنسة ولو أدى ذلك لتمزيق اليمن إلى نتوءات صغيرة تتناحر فيما بينها وهي سلوكيات استغلالية تسعى دائما للتربح على حساب الوطن. وليت هؤلاء يدركون وقبل أن يفوت الأوان أن الوحدة خط أحمر لن يسمح الشعب اليمني أن تصبح إحدى أدوات اللعبة السياسية باعتبار الوحدة شكلت هدفا نضاليا وتحرريا لهذا الشعب الذي بذل التضحيات الغالية من أجل تحقيقها وإنجازها والتأكيد الحاسم والبات أن لا عودة إلى عهود التشطير البغيضة مهما كلف الأمر ومهما قدمت من التضحيات، وليعلم أولئك الارتداديون الجدد الذي يسعون بوقاحة متناهية إلى رد الاعتبار للحقبة الاستعمارية وجرجرة البلاد والعباد وإدخال الوطن في غياهب المجهول أن ذلك أبعد عليهم من عين الشمس كما قال فخامة الرئيس علي عبدالله صالح، وعلى هؤلاء القطعان الذين يحاولون فرض وصايتهم على الشهداء والأحياء أنه ليس من حقهم ولا غيرهم فرض وصايتهم على أي جزء في الوطن بعد أن صارت لهذا الوطن مؤسساته الدستورية والشرعية التي تمثله. وتلك هي الحقيقة التي يجب عليهم أن يفهموها قبل أن يحل عليهم غضب الشعب ويقعوا في شر أعمالهم ليسقطوا في مهاوي الضياع ويهلكوا غير مأسوف عليهم كأمثالهم ممن سبقهم من الخونة والعملاء إن لم يكن مصيرهم أشد وأنكى.