يعود البعض الى الوحدة المصرية السورية(1958 1961 ) لتفسير سياق الوحدة اليمنية وتخلص المقارنة بين التجربتين الى القول: ما دامت التجربة الاولى قد انتهت الى الفشل فان التجربة الثانية قد تنتهي الى مصير مماثل فهل تستقيم المقارنة بين التجربتين وهل يحكمهما مصير واحد؟ يستدعي هذا السؤال العودة الى اصول التجربتين لمعرفة دوافعها وظروفها وبالتالي الحكم الموضوعي على مصيرها. الناظر عن كثب الى ظروف ودوافع الوحدة المصرية السورية يخرج بالخلاصات التالية: أولا تمت الوحدة بين القاهرةودمشق في سياق ايديولوجي قومي عربي كلاسيكي هو من اثر الايديولوجيات القومية الاوروبية المنتشرة منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر وحتى النصف الاول من القرن العشرين ومثالها الوحدة الاندماجية الايطالية والوحدة الاندماجية الالمانية. وقد ورث العرب هذا المشروع الاندماجي في خريف الامبراطورية العثمانية واستخدم كرافعة للقتال ضدها وتفكيكها بحماية ووعد اوروبي صريح واذ اخفق الهاشميون في تشكيل مملكة عربية متحدة وانتهوا الى حيث هم اليوم تولى الامر من بعد التيار البعثي والتيار الناصري وقد توج الزخم الايديولوجي القومي العربي بعد فشل غزو السويس عام 1956 ووصول شعبية جمال عبد الناصر الى الاقاصي توج هذا الزخم بوحدة اندماجية بين قطبين عربيين لا رابط جغرافي مباشر بينهما في اسيا وافريقيا. ثانيا: قامت الوحدة المصرية السورية على حدود مشاريع قومية حادة ومهددة للعرب سواء في الحركة الصهيونية المسلحة ب " القومية الدينية" رغم التناقض البادي في التعريف. اوالقومية التركية المنخرطة في الحلف الاطلسي او القومية الفارسية المعمرة والنازعة في عهد شاه ايران لتكون دركي الخليج. هكذا ولدت الوحدة المذكورة كرد على التحديات الماثلة في منطقة عامرة بالقوميات الهجومية. ثالثا: رفضت القوى العظمى صراحة او مداورة تلك الوحدة فقد اعتبرتها الولاياتالمتحدةالامريكية مشروعا يهدد وجود الكيان الصهيوني ولم يكن الاتحاد السوفييتي راغبا بقيامها كما اسر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر للضباط السوريين الذين جاؤه بعرض الوحدة وكان من الطبيعي ان تثير هذه التجربة مخاوف الشاه الايراني وورثة اتاتورك. رابعا: رغم الشعبية العربية الكاسحة لهذه التجربة الوحدوية الاندماجية الا انها لم ترق لمجمل النخب العربية الحاكمة او الموعودة بالحكم بعد رحيل الاستعمار فكان ان حاربتها بقوة وعملت على الاطاحة بها من المحيط الى الخليج. خامسا: تمت الوحدة المصرية السورية بعد مضي عقد واحد على تولي السوريين لزمام الحكم في بلادهم للمرة الاولى بعد غياب 400 سنة في جبة الدولة العثمانية وبعد 4 سنوات من تولي عبدالناصر الحكم في بلاده بوصفه العربي الاول الذي يحكم شعبه منذ مئات السنين فضلا عن انه كان قد باشر لتوه قلب نظام الحكم وصار طرفا في مجابهة عالمية مع اسرائيل و الامبراطوريتين الفرنسية والبريطانية. وفي المثالين السوري والمصري كان العرب يتعلمون الحكم في عصر حديث وعبر نخب تشكلت للتو وعلى عجل. سادسا:على الرغم من اللغة والثقافة والتاريخ والجغرافيا المشتركة فقد كانت دمشق عاصمة للخلافة الاموية والقاهرة عاصمة للخلافة الفاطمية وعاصمة "لامبراطورية" المماليك قبل ان تهمش في ظل السلطنة العثمانية وبالتالي فان ثقافة الوحدة السائدة في البلدين هي الثقافة السياسية الاسلامية وليس الايديولوجيا المستوحاة من تجارب بسمارك وكافور وغاريبالدي. ومع ذلك يمكن القول ان الوحدة المصرية السورية قد فشلت لاسباب اجرائية وللنقص في الخبرة وليس لاسباب جوهرية وعلى الرغم من فشلها فان الاجيال المتعاقبة في البلدين وفي العالم العربي كله مازالت تأسف على انهيار هذه الوحدة وتتمنى لو ان عبد الناصر واجه الانفصاليين بالقوة المسلحة ووضع حدا لتآمرهم الانفصالي واليوم يمكن القول ان رموز الانفصال السوري قد انتقلوا الى مزبلة التاريخ ولا يفخر اي سوري بما فعلوه. اما الوحدة اليمنية فهي تختلف اختلافا جذريا عن الوحدة المصرية السورية ذلك انها تمت بطرفة عين في بلد واحد مندمج منذ بدء التاريخ لا يعرف ابناؤه انفسهم بغير الصفة اليمنية ولا ندوب لغوية او اثنية او دينية تفرقهم ولا يفصل بينهم ذوق عمراني او نمط حياة او انتماء اجتماعي وهم قحطانيو الاصل بنسبة 99 بالمئة ويمثل العدنانيون بينهم اقل من واحد بالمئة, بل هم اكثر تجانسا من الالمان والفييتناميين والكوريين والفرنسيين والصينيين. وقد تمت الوحدة الاندماجية اليمنية برضى الجميع وبموافقة القوى العظمى ولم تشكل تحديا لاحد بل ساهمت في ترسيم الحدود في شبه الجزيرة العربية والبحر الاحمر ووضعت حدا لمسلسل الحروب الاهلية في اليمن وفي المنطقة وصادفت ترحيبا شاملا من الجامعة العربية والمؤسسات الدولية واعادت الاعتبار لفكرة التوحد العربي بعد انهيار الوحدة المصرية السورية وهي المثال المناقض لمايدور في القرن الافريقي والعراق ولبنان وافغانستان ولانها على هذا النحو فهي لا تتحمل انفصالا او "فك ارتباط" فكل انشطار فيها هو اشبه بمبضع يعمل في اللحم اليمني الحي وكل دعوة انشطارية لمعالجة مشكلة اجرائية في اليمن تنم عن استخفاف بالمجتمع و التاريخ والجغرافيا والعقل اليمني المحض.