باستثناء دعوته لفتح صفحة جديدة بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والعالم العربي والإسلامي فقد قذف الرئيس الأمريكي باراك أوباما بمتابعي خطابه الأخير من القاهرة في بركة كبيرة مما يسميه العرب «حيص بيص». .. فهو بكل تأكيد لم يكن واضحاً بما يكفي من قضية التفريق بين كيان غاصب وبين شعب يرزح تحت نير الاحتلال .. وعلى العكس .. كان واضحاً في التأكيد بأن علاقة الولاياتالمتحدة بإسرائيل علاقة خاصة غير قابلة للكسر .. مستدعيا تراجيديا «المحرقة» وكيف أن ستة ملايين لقوا حتفهم في أوروبا. .. على أن حديثه عن الشعب الفلسطيني لم يكن من حيث الشكل معقولاً إلاّ من حيث إمعانه في مطالبتهم بالتخلي عن العنف .. مغفلاً وهو الخطيب «المفوه» حقيقة أنه إذا لم يقاوم الشعب الفلسطيني وهو في وضع مقهور بالاحتلال فمتى يقاوم وما هو مفهوم المقاومة. .. وعلى كل حال لم يأت خطاب أوباما من الصالة الكبرى بجامعة القاهرة بمعزل عن فكره وهو يعبر عن نفسه في حملته الانتخابية وما أعقبه من خطابات امتدت من خطاب أداء القسم إلى خطاب الحديث عن معتقل جوانتانامو. .. والواضح أن عقلية أوباما تؤمن بما يكفي بالحقائق على الأرض وهو ما لم يفكر به مطلقاً سلفه سيئ الذكر جورج بوش الابن .. فهو من ناحية لا يفرط بالكيان الإسرائيلي ويقدر ضغط اللوبي الصهيوني ومتطلبات أطماعه الشخصية في إعادة ترشيح نفسه لرئاسة الولاياتالمتحدة عام 2012م، وهو من ناحية أخرى يدرك كيف أن لغة القوة سقطت في العراق وسقطت في غزة ولبنان وتسقط مع كوريا الشمالية وإىران .. علاوة على فهمه العميق لعواقب كراهية المظلومين للسياسات الأمريكية التي لم تؤيد في تاريخها قراراً ما دام لا يحقق أهداف إسرائيل أو يتقاطع مع فكرها الاستيطاني التوسعي. .. لقد أثار خطاب باراك أوباما ردود أفعال متقاطعة لم تلغ الشهادة بأنه نجح إلى حدود بعيدة في دغدغة العواطف .. كونه أسود ومن أصل أفريقي .. وكونه عاش في اندونيسيا .. وشاهد تعايش المسلمين مع غيرهم .. وأحاديث القيم الدينية والإنسانية المشتركة. .. وما يزال متابعو خطواته ومواقفه يتذكرون الدلالات الرمزية لكونه أقسم على ذات الانجيل الذي أقسم عليه محرر العبيد «ابراهام لنكولن» وطبعاً لم ينس الإشارة إلى أن حماس تحظى بمساندة جزء من الشعب الفلسطيني وأن من حق الفلسطينيين أن يكون لهم دولتهم وجميعها مواقف تختلف مع سياسات سلفه الذي دفع وزير العدل الأمريكي الأسبق «رامزي كلارك» للقول عبر قناة روسيا اليوم «كانت حرب جورج بوش الابن حرباً على الإسلام وليس الأمر متعلقا بمعلومات خاطئة كما جاء على لسانه وهو يغادر البيت الأبيض». .. مع كل ذلك ليس مهماً ما قاله وسيقوله أوباما لأن الأهم هو ما ستقدمه الولاياتالمتحدة في عهده للفلسطينيين .. هل يتمكنون من إنشاء دولتهم المستقلة كاملة السيادة أم تستمر المعاناة على صخرة التزام الولاياتالمتحدة بالتعصب لإسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني ..؟؟ .. وما دام أوباما يخشى تنامي نزعة الكراهية تجاه بلاده وجنودها فإن عليه استيعاب أن لا يكون محتوى خطابه مجرد «فخاخ» وإنما كلام يتبع فيه القول الفعل .. ومواقف حقيقية لا تعول كثيراً على عذرية الخجل الدبلوماسي العربي .. لأنه لا يعبر عن مشاعر عينات كثيرة في نسيج مليار مسلم. .. وكون أوباما يؤمن بالحقائق على الأرض فإنه يحتاج للإدراك أن مغادرة سجين يمني جوانتانامو فقط جثة لا يعبر عمليا عن مواقف إيجابية تجاه وعوده السابقة .. تماماً كما أن استمرار الكيان الإسرائيلي في احتلال الأراضي الفلسطينية والعربية والاستمرار في بناء المستوطنات ومعاودة حرب الإبادة والتنكيل لا تقود إلاّ إلى المزيد من العنف والكراهية وهو ما يظهر غير مقبولٍ في المكون النفسي والأخلاقي للرئيس الأمريكي الرابع والأربعين.