لا جدال في أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يختلف كثيراً عن سلفه جورج بوش الصغير إن لم يكن في نواياه ففي لغته وفي طريقة تعبيره عن مواقفه واستعداده لتصحيح بعض الخطايا أو بالأحرى الجرائم التي ارتكبها في حق العرب والإسلام وفي حق العالم، ذلك السلف المعتوه الذي أعاد إلى الأذهان بغباء منقطع النظير ذكريات الحروب الصليبية بعد أن نامت في كتب التاريخ. وفي خطابات أوباما السابقة كما في خطابه الأخير في جامعة القاهرة ما يبعث على قدر من التفاؤل رغم ما يقال عن المسافة الشاسعة التي تفصل بين الأقوال والأفعال من ناحية وما يحيط بصاحب هذه الخطابات من مخاطر وما يرهقه من تركة باهظة تفوق قدرته على التصحيح والتغيير، وهو ما يجعله في وضع لا يحسد عليه وكأنه الرجل الذي جاء في الزمن الغلط، أو بعد فوات الأوان. وما من شك في أن ظهور أوباما لم يكن مفاجأة تامة وربما تكشف الأيام أنه جاء وفق خطة مدروسة بعناية وذكاء من قبل مؤسسات أمريكية عديدة أرعبها ما رأته من اهتزاز صورة الولاياتالمتحدة في العالم فأرادت أن تثبت للعالم بمجيء رجل أسود إلى البيت الأبيض أن هذه الدولة العملاقة ما تزال تؤمن بمبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وأنها اختارت أوباما رئيساً لتدين بذلك مواقف جورج بوش وعصابته ونائبه ديك تشيني خاصة بعد أن كشفت مواقفه عن عنصرية عالية وكراهية للعرب والمسلمين لا حدود لها. وفي مقدور أوباما أن يقوم بدور حقيقي لتأكيد ما تم اختياره من أجله، وأن لا يكتفي بأن يكون ديكوراً لتسويق ديمقراطية المرحلة الجديدة دون محاكمة المجرمين في حق الإنسانية وحقوق الإنسان. ومن هنا فكثيرة هي القضايا والموضوعات التي لم يطرحها أوباما في خطابه. ومنها على سبيل المثال لا الحصر الموضوعات الآتية: أولاً: إنه لم يتطرق إلى إدانة جورج بوش وعصابته، ولم يفضح أو بالأصح لم يستنكر الجريمة الكبرى التي ارتكبتها الإدارة السابقة في حق الولاياتالمتحدة أولاً، وفي حق العرب والمسلمين وسائر شعوب العالم ثانياً، وكان ذلك متوقعاً في خطاب يترقبه العالم بفارغ الصبر وينتظر منه الجميع أن يضع النقاط على الحروف. ثانياً: لم يتحدث عن عنصرية الكيان الصهيوني واستمرار هذا الكيان في القتل اليومي للفلسطينيين، وأشار إلى عنف المقاومة الفلسطينية وهو عنف محدود وهامشي يفرضه واقع الاحتلال الاستيطاني، وتبرره كافة الشرائع والمواثيق والقوانين الدولية. كما أنه لم يشر إلى هذا النوع من العنف الصهيوني الثقيل. ثالثاً: كان المتوقع أن يشير بوضوح إلى مأساة العراق وأن يعلن من قلب الوطن العربي سحب الجيش الأمريكي وجعل العراقيين يواجهون مصيرهم كشعب قاوم الاحتلال ورفض وجوده من أول يوم وطأت فيه أرض العراق قدم محتل أجنبي. رابعاً: انتظر العالم بفارغ الصبر أن يربط بين السلاح النووي الإيراني المزمع إنتاجه - كما يقال- بالسلاح النووي الإسرائيلي الموجود والذي يشكل الكارثة الحقيقية في المنطقة العربية التي باتت تدعى بالشرق الأوسط، وبموافقة عربية. خامساً: ظن المتفائلون أن الخطاب، وهو موجه إلى العالم العربي والإسلامي سيعلن عن تحويل قوات الولاياتالمتحدة وقوات التحالف في أفغانستان إلى قوة مصالحة بين الأفغانيين وأن تتوقف القوات الأجنبية في ذلك البلد عن حرب الإبادة تحت ذريعة مقاومة الإرهاب، وأن يفعل الشيء نفسه مع باكستان التي امتدت إليها نيران الحرب وقد تمتد إلى مناطق أخرى. سادساً: تحدث الخطاب عن المحرقة النازية وأغفل الحديث عن كلٍّ من محرقة غزة ومحرقة العراق التي ذهب ضحيتها أكثر من مليون إنسان. ذلك بعض مما لم يقله أوباما في خطابه، وهو ما جعله منقوصاً ولا يعبر عن تطلعات الأمتين العربية والإسلامية إلى علاقات قائمة على المصداقية والشفافية والتعاون المشترك. الأستاذ ثابت الأحمدي و"محنة الرأي في تاريخ المفكرين": يقدم المفكر الشاب الأستاذ ثابت الأحمدي في هذا الكتاب أمثلة بالغة الأهمية عن معاناة المفكرين المسلمين وغير المسلمين في العصور القديمة كما في العصر الحديث. الكتاب يفتتح باباً واسعاً لحوار عميق حول الأسباب التي أدت إلى محنة الفكر الإنساني ابتداءً من سقراط إلى الزبيري، ومن جاليليو إلى فولتير. وما أحوج الجيل الجديد إلى أن يعرف الشيء الكثير عن هؤلاء المفكرين وكيف صمدوا في وجه الاضطهاد وكان صمودهم سبباً في انتصار أفكارهم وبقاء أسمائهم تضيء عبر العصور. يقع الكتاب في 285 صفحة من القطع الكبير. تأملات شعرية: كم زمناً نحتاج لنستوعبَ ما يحدث في هذا العالم ونرى الأقدام تسير ولا تتسمّر فوق غبار الأيامْ؟! يا عربَ اليوم أفيقوا طال نعاس الأرض وطال نعاس الناس وجفّتْ فوق دروب اليأس بقايا الأحلامْ.