الجولة الخليجية الحالية التي يقوم بها نائب رئيس الجمهورية الأخ عبدربه منصور هادي وإن كانت تأتي في إطار التشاور المستمر والتنسيق الدائم بين قيادتنا السياسية ممثلة في فخامة الرئيس علي عبدالله صالح وإخوانه قادة دول مجلس التعاون الخليجي حيال مختلف القضايا فإنها تعكس طبيعة وحيوية العلاقات المتميزة التي تربط بين اليمن وأشقائها في الدول الست وهي علاقات تستمد خصوصياتها وزخمها المتجدد من وشائج القربى والجوار وأمومة الجغرافيا وأواصر العقيدة والتاريخ والمصير الواحد. وبفعل هذه الخصوصية يصبح من الطبيعي أن تأخذ هذه العلاقات مسارها في التقدم نحو تعزيز المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة التي تعود بثمارها على الجميع وأن يأخذ جانب التنسيق بين دول هذه المنطقة التي تمثل كلاّ لا يتجزأ مكانته ، خاصة في ظل المتغيرات والتطورات المحيطة بهذه المنطقة والتحديات الماثلة التي تجابه شعوبها ، وفي الصدارة من ذلك التحدي الناجم عن ظاهرة الإرهاب وكذا إفرازات ظاهرة القرصنة البحرية وتداعيات الأوضاع في الصومال والقرن الافريقي وغيرها من البؤر الملتهبة، التي لا شك وأنها تلقي بتأثيراتها السلبية على الأوضاع في منطقة الجزيرة والخليج عموما وهو ما يستدعي حرصا مشتركا على تحصين الأمن الجماعي لدول هذه المنطقة من شتى الزوابع والعواصف انطلاقا من الإدراك العميق أن الأمن والاستقرار في هذه المنطقة يمثل حلقة متصلة ببعضها البعض فلا يمكن - بأي حال من الأحوال - الفصل بين أمن واستقرار اليمن وأمن واستقرار أشقائه في دول مجلس التعاون الخليجي والعكس صحيح. وقد وجدت هذه الحقيقة تجسيداتها في أوجه الدعم الذي تلقته اليمن من أشقائها قادة دول مجلس التعاون الخليجي الذين أكدوا وقوفهم إلى جانب اليمن ووحدته وأمنه واستقراره ومسيرته التنموية. ومثل هذه المواقف المشرفة التي تجسد أعمق معاني الإخاء والتلاحم بين الأشقاء هي محل امتنان وتقدير كل اليمنيين لأنها - بالفعل - مواقف تكرس البعد الحضاري لمفهوم الأمن الجماعي الذي ينطلق من قناعة راسخة بأن أمن واستقرار اليمن جزء لا يتجزأ من أمن المنطقة، وليس هذا وحسب بل إن الإطار الشامل لهذا المفهوم يمتد ليشمل الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ليفضي في مجمله إلى إبراز المعنى الحقيقي لمبدأ الشراكة الذي تتسارع خطواته من خلال الجهود التي بدأت تدريجيا على طريق انضمام اليمن الكامل إلى مجلس التعاون الخليجي ، وارتياد مكانته في هذا التكتل الإقليمي والذي به ستستكمل وحدة الجزيرة العربية والخليج عقدها التاريخي ومشروعها المعاصر الذي لابد وأنه سيشكل المدخل الأساسي لوحدة الأمة العربية بالنظر إلى حجم المردود الإيجابي الكبير الذي سيترتب على انضمام اليمن الكامل إلى نسيجه الجغرافي والإقليمي لما يتمتع به هذا البلد من تنوع خصب وعمق تاريخي وموقع استراتيجي وثقل سكاني وهي عوامل ستوظف في صالح جميع شعوبه وبلدانه. وإذا كانت كل المؤشرات تدل على أن التعاون الأمني والاقتصادي والاستثماري هو البوابة لقيام شراكة إنمائية حقيقية تعود بالنفع المباشر على الجميع، فإن ثمار هذه النتيجة تتضاعف أكثر بانضمام اليمن واندماجه في جميع هيئات ومؤسسات مجلس التعاون ، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنه وبهذه الخطوة ستستكمل الحلقات الجيواستراتيجية والسياسية والحضارية لمنطقة الجزيرة والخليج، بما يعنيه ذلك في الأفق القومي والإقليمي والدولي من أهمية بالغة سيكتسبها هذا التكتل بين التكتلات الدولية ، لما ينتظر أن يضطلع به من أدوار فاعلة وحضور خلاق يمكنه من الإسهام المؤثر في رسم التوجهات التي تخدم قضايا منطقته وأمته. والمطلوب اليوم هو التقدم في هذا الاتجاه والانفتاح على المستقبل بروح مبدعة ووثابة، بعيدا عن إهدار الفرص التاريخية في عصر تتسارع إيقاعاته بصورة مذهلة وغير مسبوقة.