كفي الاستماع إلى شهادات النازحين من النساء والأطفال من أبناء صعدة، الذين شردتهم عناصر التمرد والإرهاب من منازلهم وقراهم بممارساتها وأفعالها اللاإنسانية والإجرامية، ليقف المرء على حقيقة هذه الشرذمة الباغية ونزعتها العدوانية، وما تمثله من شر مستطير على الوطن اليمني وأبنائه. وإذا ما أضفنا إلى ذلك إعلان أبناء صعدة رفضهم لأي وساطة مع هذه العناصر المارقة، ومطالبتهم باستمرار عمليات المواجهة والحسم فإننا نكون بذلك أمام مشهد يتقابل فيه الجانب المأساوي مع الوجه البطولي المحمول على الصفة الإنسانية للحياة. وأبناء صعدة بذلك يفضلون الموت على الحياة تحت أي ظرف من الظروف يسمح للمارقين أن يتسيدوا بعقليتهم الاستبدادية المظلمة، وهم على استعداد في نفس الوقت للموت والتضحية بأنفسهم ذودا عن حق أبنائهم ومواطنيهم في الحياة الآمنة المستقرة موفورة الحقوق والحريات. وكذلك هم أبناء اليمن الذين يلتقون هذه الأيام في أحدث ملاحم الوحدة الوطنية في حالة من الإجماع الشعبي على أن يكون الحسم ووضع نهاية للتمرد الإرهابي هدف ونتيجة المواجهة الجارية. وبعد ما حدث من تجاوزات وتعدّ على القيم الإنسانية والروابط الاجتماعية الحاضنة لواقع التعايش، فإنّ مسألة التمرد لم تعد محصورة في زواية الخروج على القانون وإشهار السلاح في وجه الدولة، إذْ امتد التمادي بالمتمردين في غيهم وعدوانيتهم ليطول الشعب بأسره، ويصبح فعل خروج على المجتمع وإطلاق النار على استقراره في حاضره وازدهاره في مستقبله. ومن ألطاف الله بيمن الإيمان والحكمة أن سارع الإرهابيون في التكشير عن أنيابهم وإماطة اللثام عن الوجه البشع لتوجههم ومقصدهم، لتبقى ساحة العمليات محصورة في نطاق محدود وترتبط مجرياتها بقيام الدولة بمسئولياتها تجاه تأمين السلم الاجتماعي. وأما بعد أن صار الأمر على هذا الجلاء الذي لا يخفى على الأعمى، فلا مجال للتصرف والموقف الغريب أن يصدر من كل ذى أهليه وإن حدث فهو النابع من فكر اغترابي متهرب من الحقيقة ويمر بحالة انفصام عن الواقع. ولا يحتاج أي عاقل سويّ نفسيا ومتشبع بقيم الإنسانية كي يقتنع بأن حسم موضوع العدوان على صعدة بات قضية وطنية، أن نكرر على مسامعه المؤشرات بل الوقائع التي تدل على تدخل الأصابع الخارجية في ما يجري من مؤامرة لإثارة الفتنة وإشعال الصراع في بلادنا. وتكون المصيبة أعظم حين يسير البعض في الاتجاه المعاكس مع علمهم الكامل بأنهم يقفون ضد الحقيقة، وهم لا يعملون ضد الدولة مثلما تهيّئ لهم تصوراتهم السلبية بأنهم قادرون على ممارسة المزايدة والمكايدة والابتزاز أو المساومة مع السلطة من باب المنافحة عن فعل تمرد فاضح، ولا يجهلون جزاء من يشارك أو يسهم أو يسكت على ارتكاب الجريمة من الوجهتين الشرعية والقانونية. والحق أن من يقرر اتخاذ موقف المنافحة أو حتى التبرير تجاه أعمال الخروج على المجتمع والدولة معا إنما يجرم في حق عناصره المتمردة، إذ يتسبب في سوقهم إلى الهلاك، والأولى به أن يرشدهم إلى ما يؤمن دنياهم ودينهم. إننا أمام حالة لارتكاب الجناية المزدوجة من المواقف الكيدية بالدولة، والانتهازية للتمرد، والنتيجة الطبيعية عادة سلبية وفداحتها مضاعفة.