تتوالى فصول الحرب التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين، كان اغتيال القائد العسكري في «حماس» محمود المبحوح في دبي فصلاً جديداً في هذه الحرب، الأكيد أنه ليس الفصل الأخير، المهم الآن كيف يواجه الفلسطينيون هذه الحرب؟ هل مطلوب السقوط في الفخ الإسرائيلي عن طريق اطلاق شعارات واتهامات ذات طابع عشوائي تصب في خدمة السياسة التي تتبعها حكومة بنيامين نتانياهو، أم في الإمكان البحث عن مشروع وطني واضح المعالم قابل للتطبيق يحرج السياسة العدوانية لإسرائيل ويساهم في عزلها دولياً؟. مثل هذا المشروع، الذي لا يزال، الى اشعار آخر أفضل رد على الوحشية الإسرائيلية، موجود ومقبول من العالم، إنه يقوم على خيار الدولتين الذي لم يمت بعد، هذا الخيار تنادي به الإدارة الأمريكية، مثلما تنادي به دول الاتحاد الأوروبي، صحيح ان واشنطن غارقة حتى أذنيها في أفغانستان والعراق والمواجهة مع ايران بسبب مشروعها النووي، لكن الصحيح أيضاً ان لا مجال آخر أمام الفلسطينيين غير الصمود والتمسك بمشروع واقعي يلقى دعم المجتمع الدولي، البديل من ذلك، الاستسلام لنتانياهو ومشروعه الذي يستهدف تكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية.. والسماح، في أحسن الأحوال، بقيام دولة فلسطينية حدودها حدود المستوطنات، وليس حدود العام 1967 التي تقرها الشرعية الدولية. يخطئ من يعتقد ان اسرائيل لا تخطئ، ويخطئ ايضاً من يعتقد ان اسرائيل لا تستفيد من أخطاء الآخرين، خصوصاً من الأخطاء الفلسطينية. في مقدم الأخطاء الفلسطينية اطلاق شعارات فضفاضة تستخدمها الدولة العبرية في التهرب من أي مفاوضات تتسم بحد أدنى من الجدية تستند إلى مرجعية دولية واضحة ومعترف بها قبل أي شيء آخر. هناك الآن فرصة امام الفلسطينيين لتأكيد انهم الضحية، وانهم ليسوا الطرف الذي يمارس الارهاب، على العكس من ذلك، لديهم فرصة يؤكدون من خلالها للعالم انهم لا يسعون سوى الى الحصول على حقوقهم المشروعة كشعب من شعوب المنطقة، تتمثل الفرصة في ما حصل أخيراً في كيفية الرد على جريمة دبي التي كشفت الأجهزة الإماراتية المختصة خيوطها مؤكدة مهنيتها العالية، استطاعت الأجهزة الأمنية في دولة الإمارات جمع ما يكفي من الأدلة، خصوصاً عبر الكاميرات الموجودة في الفندق الذي حل فيه المبحوح، لأثبات ان عناصر تابعة لجهاز الأستخبارات الأسرائيلي وراء الجريمة، أكثر من ذلك، كشفت الأجهزة الإماراتية ان عملاء «الموساد» استخدموا، من أجل الوصول الى دبي ودخول مطارها، جوازات أوروبية تابعة لمواطنين احياء يرزقون. ثارت ثائرة الدول الأوروبية المعنية مباشرة بقضية الجوازات المستخدمة من «الموساد»، وهذه الدول هي بريطانيا وفرنسا وايرلندا والمانيا، ولكن يخشى، في حال عدم متابعة المجموعة العربية عموماً والفلسطينيين خصوصاً للقضية بالشكل المطلوب، من أن تضيع الجريمة في متاهات الخلافات الفلسطينية- الفلسطينية والعربية- العربية وان تغرق في بحر النسيان. كيف الاستفادة مما حصل في دبي وتوظيفه في خدمة القضية الفلسطينية بدل تحول الجريمة الى مشكلة فلسطينية أو عربية؟ المؤسف أن «حماس» حولت الأنظار عن إسرائيل عندما وجهت اتهامات، مبطنة احياناً ومباشرة في أحيان أخرى، الى السلطة الوطنية الفلسطينية و«فتح»، مثل هذه الاتهامات لا تفيد القضية الفلسطينية، ولا تساهم في مساعدة العرب على التفاهم في ما بينهم بهدف اتخاذ موقف موحد يبلغ الى الدول التي تمتلك حداً أدنى من النفوذ على إسرائيل. لعل السؤال البديهي هل في استطاعة السلطة الوطنية وأجهزتها ملاحقة المسؤول العسكري في «حماس» حتى دبي؟ الجواب ان السلطة و«فتح» لا تمتلكان سوى امكانات محدودة وليس في الامكان الحديث عن بنية أمنية لهما في دمشق حيث يتحكم النظام بالأمن بشكل جيد، وقد توجه المبحوح الى دبي في رحلة من العاصمة السورية واغتيل بعد أربع وعشرين ساعة من وصوله، وإن دل ذلك على شيء، فإنه يدل على اختراق ما في الحلقة الضيقة المحيطة بالضحية من جهة والى وجود دولة تمتلك امكانات كبيرة تقف وراء الجريمة من جهة أخرى، هناك بكل بساطة رغبة اسرائيلية في استعادة الهيبة الأمنية المفقودة ل«الموساد» عبر التأكيد ان الجهاز الأمني الإسرائيلي يمتلك يداً طويلة، كما أنه قادر على الانتقام ممن يقتل اسرائيليين حتى لو اضطر الى الانتظار لمدة عشرين عاماً أو اكثر. في ظل هذه المعطيات، ليس أمام «حماس» سوى التروي والتعقل وتفادي توجيه الاتهامات جزافاً، اسرائيل في مأزق، هذا لا يعني أن دولاً اوروبية ستقطع العلاقات معها، لكن مما لاشك فيه ان التعاون الأمني بينها وبين كل من فرنسا وبريطانيا وايرلندا والمانيا لن يعود الى سابق عهده قبل مرور فترة لا بأس بها، كل ما تستطيع «حماس» عمله هو السعي الى استعادة الوحدة الفلسطينية استناداً الى مشروع سياسي واضح هو البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، لا وجود للعبة اخرى في المدينة للأسف الشديد. في غياب خطوة من هذا النوع، ستظل اسرائيل تمارس ارهاب الدولة وفرض حصارها الظالم على أهل غزة الصامدين، إن الرد على جريمة دبي يكون بتفادي اثارة مزيد من الإنقسامات في الصف الفلسطيني، بكلام أوضح، يبدو مطلوباً في المرحلة المقبلة التركيز على التخلص من الاحتلال، وذلك لا يكون بإثارة معارك جانبية تخدم نتانياهو وحكومته. هل هناك وعي لدى كل الأطراف الفلسطينية لمعنى استمرار الوضع الراهن على حاله، اي وجود كيانين مستقل كل منهما عن الآخر الأول في الضفة الغربية والآخر في غزة، فيما هناك حكومة اسرائيلية تفضل تفادي أي نوع من المفاوضات الهادفة إلى قيام دولة فلسطينية «قابلة للحياة»؟ يفترض في الفلسطينيين مساعدة أنفسهم أولاً قبل ان يطلبوا من الآخرين مساعدتهم. يفترض بهم، قبل أي شيء آخر، التوقف عن تبادل الاتهامات في أي مجال من المجالات في حال كانوا يريدون التفكير بالفعل في كيفية الخروج من المأزق العميق الذي تعاني منه قضيتهم!.