لم يعين الرئيس الامريكي باراك أوباما الاول من سبتمبر ايلول موعدا للمفاوضات الفلسطينينة الاسرائيلية في واشنطن بمحض الصدفة. فالتوقيت يتزامن مع سحب الفرق الامريكية العسكرية من العراق والاعلان عن انتهاء الاحتلال الامريكي لهذا البلد وتحول القوات الباقية فيه الى مهمات تدريبية ولوجستية تتم بالتفاهم مع القوات المسلحة العراقية. من جهته اكد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على هذا الامر عندما اعلن ان بلاده صارت "مستقلة" بعد رحيل الوحدات الامريكية المقاتلة بحسب الاتفاقية الامنية الشهيرة الموقعة بين الطرفين. وعلى الرغم من التحفظ والترحيب العراقي (حسب الجهة المعنية) بالانسحاب الامريكي فان البيت الابيض يريده على ما يظهر منطلقا جديدا للتعامل مع العالم العربي ولعل اصراره على ان تتم المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية بعد يوم واحد من الانسحاب ينطوي على طريقة بالقول: حسنا نريد فتح صفحة جديدة مع العرب . لقد انتهينا من قضية احتلال العراق وسنبدأ الان بحل القضية الفلسطينية . وعلى الرغم من هذا الافتراض الايجابي فان الاعلان عن المفاوضات المباشرة الفلسطينية الاسرائيلية لم يستدرج حماسا منقطع النظير من الطرفيين المعنيين.فلم يعلق محمود عباس آمالاً عريضة على المفاوضات واكد انه سيتخلى عنها اذا ما استؤنف الاستيطان من جهته ذهب نتنياهو الى واشنطن وفي ذهنه الرهان على ما يرفضه عباس رفضا قاطعا اي الاعتراف الفلسطيني بيهودية الدولة الاسرائيلية والموافقة الصريحة على التخلي عن حق العودة بصيغة ان كل اتفاق بين الطرفين ينهي الصراع وان نهاية الصراع تعني تصفية حق العودة. والواضح ان تلكؤ الطرفين في الذهاب الى واشنطن ناهيك عن الفتور البادي في اوساط الوفدين الاردني والمصري المشاركين في المفاوضات كل ذلك حمل معلق ظريف على القول ان هذه المفاوضات اشبه ب"الزواج بالاكراه" حيث لا احد يريده غير الراعي الامريكي. ومع ذلك لا يبدو ان المفاوضات ستكون خالية من التطورات المفاجئة واولها صدر عن ايهود باراك وزير الدفاع الاسرائيلي في تصريحات نشرتها اليوم( الاربعاء اول سبتمبر) صحيفة "هارتس" اكد فيها ان الدولة العبرية مستعدة للتخلي عن اجزاء من القدس الشرقية للفلسطينين "... في سياق اتفاق نهائي سيكون للقدس نظامها الخاص بالنسبة للمقدسات العائدة للاديان الثلاثة وستكون القدس الغربية و15 حيا يسكنها 200الف يهودي ستكون لاسرائيل والاحياء العربية حيث يعيش ربع مليون فلسطيني فستكون للفلسطينين" علما ان باراك نفسه كان قد وافق على صيغة شبيهة في العام 2000 عندما كان رئيساً للوزراء في تل ابيب. وعلى الرغم من تصويب مجهول المصدر في البعثة الاسرائيلية في وشنطن جاء فيه ان القدس الموحدة هي عاصمة الدولة العبرية الابدية وان هذا الموقف سيكون موقف الطرف الاسرائيلي المفاوض في واشنطن على الرغم من ذلك فان ما نسب الى باراك ربما يكون الاقرب الى الواقع فهو ما كان ليطرح هذه الصيغة دون التنسيق مع نتنياهو خصوصا ان الامر يتصل باهم العقد التي تعترض الاتفاق بين الطرفين وبالتالي من الصعب ان يرتكب طرف خطأ تعبيرياً عنها بهذا الحجم. بالمقابل ليس معروفاً نوع التنازل الذي سيقدمه عباس رداً على حلحلة عقدة القدس اذا اتضحت خلفية اقوال باراك. فهل سيعترف بيهودية الدولة الاسرائيلية؟ وهل سيوافق على التخلي عن حق العودة؟ من الصعب معرفة رد فعل الفلسطينيين حول هذه المسألة وان كانت الفصائل الفلسطينية الرافضة للمفاوضات قد اتهمت عباس مسبقا بالسعي لتصفية القضية الفلسطينية في واشنطن وقد بادرت حماس وهي الطرف الاهم في التيار الفلسطيني المقاوم الى قتل اربعة مستوطنين صهاينة للتعبير عن رفضها للمفاوضات وايضا لاظهار الطرف الفلسطيني المفاوض وكانه غير قادر على ضمان الامن للاسرائيليين وبالتالي لا قيمة كبيرة لما يوقع عليه. وسط هذه الاجواء انعقدت المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية فماالذي تريده واشنطن منها؟ يذهب بعض المعلقين الامريكيين بعيداً في تفسير اصرار حكومتهم على المفاوضات المباشرة اذ يؤكدون ان اوباما صادق في وعوده بطي صفحة الحرب والنزاع مع العالم العربي وانه اطلق تصريحات ايجابية في بداية عهده ويريد اليوم اقران القول بالفعل وان التفاوض الفلسطيني الاسرائيلي سيليه تفاوض اسرائيلي سوري واسرائيلي لبناني ولعل ادارة اوباما تريد بحسب المعلقين المشار اليهم تحقيق الاغراض التالية: اولا: تدعيم مكانة ما يسمى ب "المعتدلين العرب" وهم حلفاء واشنطن في المنطقة ممن راهنوا على المفاوضات وباتوا غير قادرين على الدفاع عن مبادرتهم للسلام التي تجاهلتها اسرائيل خلال السنوات الماضية وان هؤلاء سيغيرون موقفهم من المفاوضات تلبية لرغبة جامحة في اوساط الرأي العام في بلدانهم اذا لم تحقق المفاوضات قفزة نوعية يمكن الدفاع عنها والبناء عليها. ثانياً: السعي الامريكي لكسب الرأي العام العربي عبر التخلي عن احتلال العراق وحل القضية الفلسطينية وذلك من اجل التصدي لملفات معقدة في بلدان اخرى وبخاصة في افغانستان وايران. ثالثا: تدرك الادارة الامريكية ان الوسائل العسكرية ما عادت قادرة على حماية الاراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية المحتلة تماماً مثلما لم تتمكن القوة العسكرية الامريكية من ضمان السيطرة على العراق وان الحل التفاوضي هو البديل وان اللحظة الراهنة ربما تكون الافضل للتفاوض وذلك قبل ان يتسع تيار المقاومة والممانعة الى حد يصعب معه الحديث عن مفاوضات بشروط امريكية اسرائيلية. رابعاً: من الصعب على الادارة الامريكية والاسرائيلية ان تجد طرفا فلسطينياً اخر غير محمود عباس مستعداً للتفاوض ولا شيء غير التفاوض كما يقول بيد ان عباس لا يمكنه الانتظار الى الابد فالاستحقاقات القلسطينية والعربية تحتم عليه الحصول على تنازلات اسرائيلية جدية يمكنه الدفاع عنها امام مؤيديه ويمكنه تسويقها في سياق مفاوضات لا حقة . خامساً: لقد انتخب اوباما من اجل انتهاج سياسة خارجية مختلفة عن سياسة جورج دبليو بوش الهجومية وبالتالي سيكون من الصعب عليه توضيح اثار هذه السياسة خارج فلسطين والعراق. هذه ملامح لبعض ما يمكن ان يكون وراء الاصرار الامريكي على توقيت المفاوضات المباشرة بين الفلسطينين والاسرائيلين غداة الاعلان عن انهاء المهمات الامريكية القتالية في العراق وهي مؤشرات تحتاج الى براهين قوية حتى تتحول الى اتجاهات جدية في السياسة الخارجية الامريكية وتحتاج ايضاً الى انصياع اسرائيلي وفلسطيني وهو امر غير مضمون تماماً فماذا لو ردت اسرائيل على عملية الضفة الغربية باجتياح عسكري جديد او برد قاس يستدعي بدوره ردا فلسطينيا جديدا ؟ خلاصة القول: ان المؤشرات الايجابية الضئيلة في واشنطن ربما تحتاج الى مظلة امريكية واقية ولصيقة حتى تتبلور وتتحول الى ثوابت فهل تفعل وشنطن وكيف؟ الجواب عن هذا السؤال يستدعي وقتا اطول للانتظار والتأمل.