تقتضي اللحظة التاريخية الراهنة التي تمر بها اليمن والتي تتعرض فيها بلادنا لحملة خارجية محمومة من التشويش الإعلامي والاستهداف السياسي والتي تجلت بعض مظاهرها في ردود الفعل المبالغ فيها على موضوع الطردين المشبوهين والتهويل غير المبرر لخطر الإرهاب في اليمن أن تحتشد كل الجهود الوطنية في اصطفاف وطني يعزز من صلابة وتماسك الجبهة الداخلية وذلك انطلاقاً من استشعار كل الفعاليات السياسية والاجتماعية والثقافية في الساحة الوطنية سواء في السلطة أو المعارضة أو منظمات المجتمع المدني بواجباتها ومسؤولياتها الوطنية تجاه ما يتصل بمجابهة كل محاولات الاستهداف لوطنها ومجتمعها بصرف النظر عن خلافاتها الحزبية والسياسية وتبايناتها في الرؤى والاجتهادات باعتبار أن مسؤولية الحفاظ على هذا الوطن وسلامته تقع على عاتق جميع أبنائه على حد سواء وليست مسؤولية طرف بعينه، حيث وأن الخلاف الحزبي أو السياسي لايمكن أن يلغي مسوغات التعاضد والتلاحم والتكاتف بين كل أبناء الوطن بمختلف ألوان طيفهم السياسي والحزبي في مواجهة أي تحدٍ خارجي عارض أو طارئ باعتبار أن المستهدف في هذا الحال هو الوطن بكل مكوناته ودون أي استثناء لأحد. نقول ذلك من وحي ما يعتمل على السطح والذي بدت بعض مؤشراته في مواقف البعض ممن لا يميزون بين مسؤولياتهم تجاه وطنهم وبين ما تفرضه مصالحهم الذاتية أو مصالحهم الحزبية إلى درجة أنهم لا يجدون حرجاً وهم يندفعون صوب اختلاق المزيد من الأزمات والتحديات الداخلية بغية تشتيت جهود الوطن وإضعاف مناعته وصلابته الوطنية غير مدركين أن هذا النزوع الخطأ لا يمكن أن يعود عليهم بأي مصلحة أو منفعة أو مكسب بقدر ما يظهرهم صغاراً في عيون أبناء شعبهم الذين يعلمون تماماً أن ما يسعى إليه مثل هؤلاء ليس فقط تعطيل إجراء الانتخابات النيابية في موعدها المحدد في السابع والعشرين من ابريل القادم وإنما إدخال البلاد في متاهات الفراغ الدستوري، وبحيث يصبح هذا الوطن مفرغاً من مؤسساته وكيان دولته المعنية بصيانة سيادته وأمنه واستقراره والسكينة العامة لمجتمعه. ولن نسأل: لماذا يريد هؤلاء جر البلاد إلى هذا المنزلق الخطير لأن الهدف واضح ونواياهم مكشوفة ووسائلهم معروفة كما أن غايتهم لا يجهلها أحد خاصة بعد أن تساقطت أوراق التوت التي قُدِرَ لها أن تكون ساتراً لعورات معاركهم السياسية في المرحلة الماضية. والمؤسف أنهم يسعون إلى إعاقة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها رغم علمهم وعلم كل المراقبين والمتابعين أن هذه الانتخابات هي استحقاق دستوري وشعبي لايمكن بأي حال من الأحوال التراجع عنه أو تأجيله، ويعلمون أيضاً أنه عندما تم التمديد لمجلس النواب لعامين عام 2009م بموجب اتفاق الأحزاب الممثلة في البرلمان فإن ذلك التمديد قيد بموجب التعديل الدستوري بفقرة تنص على أن التمديد لمرة واحدة فقط، ولا ندري كيف نسي أو تناسى هؤلاء، أن مثل هذا النص الدستوري يصعب إخضاعه لأمزجة بعض الأحزاب أو القائمين عليها وأنه وما لم تجر الانتخابات في ال27 من ابريل القادم، فمعنى ذلك أن الديمقراطية في اليمن قد ذُبحت من الوريد إلى الوريد ويستحيل أن تقوم لها قائمة، وكيف غاب على هؤلاء أيضاً أن الديمقراطية هي حسب التعريف الشائع حكم الشعب نفسه بنفسه وهي خيار الشعب الذي لا يجوز أن يتحول إلى نظرية تتلاعب بها الأحزاب كما شاءت، وأن الانتخابات هي استحقاق للشعب وليس للأحزاب، ولذلك فإن أي تعدٍ على هذا الاستحقاق إنما هو تعد على الديمقراطية نفسها. وما نتمناه هو أن يستوعب أولئك الذين يريدون القفز فوق هذه الحقائق أن الديمقراطية ليست "شور وقول" بل أنها محكومة بمحددات دستورية وقانونية وضوابط تنظم مساراتها ومجرياتها وهي محددات ملزمة للجميع شاء من شاء وأبى من أبى. وعليه فإذا كان مطلوبا من أولئك الذين تتملكهم الرغبة في إيصال البلاد إلى مرحلة الفراغ الدستوري مراجعة مواقفهم وتغليب الضمير الوطني والفهم العميق أن الوطن ليس بحاجة إلى مزيد من التعقيدات والتحديات الداخلية بل هو بحاجة أكثر إلى وحدة الصف وتكاتف جهود كل أبنائه في مواجهة الاستهدافات الخارجية فليس من الحصافة أن يحاول البعض استغلال انهماك الدولة في إطفاء حرائق الحملة المحمومة المسلطة على الوطن من الخارج لاقتناص الفرصة لكي يهدم البيت كله بذريعة إصلاح زجاج إحدى نوافذه. كما أن من غير المنطقي أن يمعن البعض في ضرب جوهر الديمقراطية تحت مبرر تهيئة الملعب السياسي وأن يفرض عقوبة جماعية على هذا الشعب بمنازعته لحقه الدستوري والقانوني والديمقراطي مع أن الملعب السياسي في اليمن لايمكن أن يكون من التشابك والتأزم كما هو حال الوضع في افغانستان التي جرت فيها الانتخابات في موعدها في ظل ظروف صعبة وامكانيات محدودة إلى درجة أنه تم نقل صناديق الاقتراع على الدواب وفرز الأصوات على الشموع دون أن يجرؤ أحد من القوى السياسية على المطالبة بالقفز على الاستحقاق الديمقراطي حتى يتم تسوية الملعب السياسي وهو السيناريو الذي تكرر أيضاً في العراق والذي جرت فيه الانتخابات في ظروف سياسية واقتصادية وأمنية صعبة للغاية ولذلك فإن المشكلة ليست في الملعب السياسي وإنما المشكلة الكبرى في عقول أولئك الذين يريدون الدفع باليمن إلى مهاوي الفراغ الدستوري وتعطيل عمل المؤسسات الدستورية وإفقادها مشروعيتها مع ما يمكن أن يجر إليه ذلك من المخاطر والفوضى العارمة وهي معضلة مركبة لا ندري متى يتجاوزها هؤلاء الذين يفكرون بحمق سياسي فاضح يريدون من خلاله تجاوز إرادة الشعب لإرضاء نزعات ذاتية وحزبية ضيقة؟!. *افتتاحيةالثورة