عند التوقف والاستقراء لبرنامج حكومة الوفاق الوطني.. يمكن القول إن جملة الاولويات المحددة في البرنامج قد تضمنت محاور رئيسية وتفصيلية جديدة في غالبيتها ومتوائمة مع متطلبات المرحلة الراهنة والقادمة، وبتحديد ادق فإنه يؤسس لمرحلة جديدة تدخلها اليمن بعد ان كان العام 2011م بأحداثه وفواجعه وما خلفته الحرب من دمار وكذا ما تعرضت له البلد من انتكاسات خطيرة في معظم مجالات الحياة، كان فاصلًا بين مرحلة ماضية ومرحلة جديدة تدخلها اليمن وتشوبها تفاؤلات شعبية واسعة مشوبة بالحذر بانفراجات سياسية، اقتصادية، اجتماعية، وحلول ومعالجات لاشكاليات الامن والاستقرار واعادة تحقيق تكامل القوات المسلحة تحت هيكل قيادة مهنية ووطنية موحدة في إطار سيادة القانون اذا ما استطاعت حكومة الوفاق تنفيذ برنامجها بشكل يحقق المراد والمبتغى من تلك التفاؤلات. البرنامج المنطلق من الدستور والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية مسترشدا بمشروع الخطة الخمسية الرابعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والتخفيف من الفقر 2011-2015م ويستهدف جملة الاولويات التي ستنهض بها الحكومة خلال الفترة الانتقالية انطلاقا من الوعي بجملة التحديات التي تجابه الوطن في هذه المرحلة، تمثل خطوطه العريضة تجانسا وانسجاما واقعيا مع متطلبات المرحلة الحالية من حيث الضروريات المطلوبة والملحة التي ينبغي معالجتها بجدية ووضوح وصراحة وبشفافية مطلقة ايضا كون تلك الضروريات لم تعد مطلبا حقيقيا لمعالجة معضلات وتحديات على الاصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحسب بل مطلبا ملزما ومشروطا هذه المرة، فهذا البرنامج واقع تحت عيون ومجهر الاشقاء ممن ساندوا اليمن الى حد كبير للخروج من محنته وكذا الاصدقاء الذين بموجب المبادرة الخليجية هم شهود ومراقبون ومحللون ومدققون في كل ما يعتمل داخل البلد. اللافت للانتباه هو ان مشروع برنامج حكومة الوفاق قد اولت المجال الاقتصادي والتنموي اهمية فائقة انطلاقاً مما يمثله من شريان رئيسي للحياة الانسانية في البلد ويلامس عن كثب معاناة واحتياجات الناس، من خلال التركيز على قضية استعادة الخدمات التي تضررت خلال المرحلة الماضية وفي مقدمتها حل مشكلة الانقطاعات الحادة في خدمة التيار الكهربائي وحل ازمة المشتقات النفطية وضمان توفيرها بأسعار عادلة والاستمرار في توفير المواد الغذائية الاساسية في الاسواق واعتماد آلية مناسبة لمراقبة الاسعار وكسر الاحتكار.. وهذه الاخيرة باعتقادنا ان من ابرز ضمانات نجاحها هو خلق آلية رقابية صارمة تمنع عملية التلاعب باقوات الناس الضرورية، على ان عدم استثناء قضايا الشباب في البرنامج كان متميزا، بل ومفروضا الى أبعد حد، لأنه بفضل ثورة الشباب وتضحياتهم بدرجة اساسية لما كان يحدث شيء من التحول التدريجي في الحياة اليمنية العامة، لذا فإن على الحكومة العمل على تشكيل لجنة اتصال تتولى وبشكل فعال التواصل مع حركات الشباب في الساحات في مختلف الاطراف وباقي انحاء اليمن لنشر وشرح تفاصيل هذا الاتفاق واطلاق نقاش مفتوح حول مستقبل البلاد والذي سيتواصل من خلال مؤتمر الحوار الوطني الشامل واشراك الشباب في تقرير مستقبل الحياة السياسية. إن الخطوط العامة والعريضة للبرنامج تتطلب دون شك اسناداً ودعماً كبيراً من الاشقاء والاصدقاء واعادة منح المساعدات التي توقفت والدفع بعملية الاستثمارات من بلدانهم وانشاء عاجل لصندوق الدعم المتعلق بإعادة اعمار ما خلفته الازمة والحرب خلال العام المنصرم وكل ما من شأنه ان يساعد البلد في النهوض على قدميها من جديد فما شهدته عام 2011م هو كالقشة التي قصمت ظهر البعير، ولا احد يتصور انه وعلى المدى المنظور والقريب يمكن ان تتحقق ما يصبو ويتطلع اليه اليمن للخروج من شرنقة أزمة خانقة ونعتقد أن الاشقاء والاصدقاء يدركون ذلك جيدا وكما ساعدوا هذا البلد الطيب للخروج من محنته فإنهم بالتأكيد اكثر ادراكا اليوم لحاجته للاستقامة من جديد على قدميه لكن الامل الاول والاخير المنشود يظل على عاتق حكومة الوفاق الوطني التي تقود البلد في هذا الظرف الحساس من التاريخ السياسي اليمني المعاصر.