الحوار الوطني الشامل الذي نقف على أعتاب أبوابه، والذي يعتبر مفصلاً أساسياً ومحورياً في مجمل التسوية السياسية للمبادرة الخليجية، لا ينبغي أن يكون خاضعاً للحسابات الخاصة المناطقية والقبلية والفئوية والجهوية والحزبية الضيقة التي لا ترى أبعد من موقع قدمها وأرنبة أنفها.. فحاضر اليمن ومستقبله في الجنوب والشمال والشرق والغرب لا يمكن التعاطي معه بهذه العقلية وهذا الوعي غير المسؤول الذي لا يأخذ في الاعتبار تعقيدات وصعوبات وخطورة الوضع الذي كنا وما زلنا فيه، وأن مثل هذا التفكير قد يأخذنا إلى أسوأ مما كنا نخشاه، والمرحلة لا تحتمل مراكز القوى وأصحاب النفوذ والمحاصصات والتقاسمات على الأسس التي اعتقد أبناء شعبنا أنهم قد تجاوزوها لأنها كانت وراء كل مصائب ومشاكل ومحن الماضي بكل حروبه وصراعاته وأزماته، لهذا ندعو الجميع إلى الإرتقاء بأنفسهم إلى مستوى المتطلبات والاستحقاقات الوطنية التي تتجاوز بنا الحالة الراهنة على نحوٍ يقطع طريق العودة إلى المربع الأول، ويفتح آفاقاً للتلاقي والتوافق على قواسم مشتركة وينتقل باليمن إلى مستوى جديد من الأمن والاستقرار والنماء والتطور والتقدم الذي يعمل ويجتهد ويبدع كل اليمنيين من أجل تحقيقه. لسنا بحاجة إلى تكرار ان الحوار سيكون بدون سقف وبدون خطوط حمراء، لكنه أيضاً بدون شروط أو اشتراطات مسبقة.. والمعنى والمضمون والدلالة والبعد هنا أن مصلحة اليمن يجب أن تكون حاضرة في ضمير ووجدان وعقل المتحاورين الذين عليهم أن لا ينظروا إلى أجندتهم الخاصة إلاّ من خلال المصلحة الوطنية، وكيف أن يكون هذا البلد موحداً وديمقراطياً تقوم دولته على النظام والقانون والمواطنة المتساوية، وتكون في طليعة القواسم المشتركة بين المتحاورين السعي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية بمفهومها الموضوعي العصري المليء بآمال وتطلعات وطموحات السوادالأعظم من الشعب وفي الصدارة الشباب الذين تقدموا بصدورعارية مسيرة التغييرالشعبية السلمية.. محركين بتضحياتهم المياه الراكدة.. فاتحين بدمائهم الزكية حالة الإنسداد الشامل الذي وصلت إليه البلاد، والذي كان انفجاره يعني السقوط في كارثة لا نهاية لحروبها وصراعاتها ودمارها وخرابها، وما سينتج عن أعاصير الفوضى الناجمة عنها.. فلم يكن أمام شعبنا بأجياله الجديدة إلاّ التصدي لكل هذا بشجاعة وإقدام.. غير مبالين بالأثمان التي سيدفعونها لكسر الحلقة المفرغة التي كانت تدور فيها القوى السياسية، باتجاه التغيير الذي أصبح إنجازه على طاولة الحوار هدفاً لا مناص منه، والأهم أن هذا الهدف فيه مصلحة حقيقية لكل القوى السياسية، والذين يعتقدون أنهم قد ركبوا موجة الثورة الشبابية السلمية واستطاعوا توظيفها لمصالحهم، والآن ووفقاً لهذا التذاكي الواهم، سيحددون مسارات التغيير هم مخطئون لأنه على طاولة الحوار يجب أن تطرح كل القضايا وتناقش وتستوعب وفقاً لموجبات بناء اليمن الجديد الذي لا يمكن أن يكون إلاّ في ظل الدولة المدنية الديمقراطية المؤسسية الحديثة الخالية من كل أشكال التفرقة والتمييز والفساد والاستئثار وكل ما يرتبط به من إقصاء وتهميش ومصادرة للحقوق والحريات. في هذا السياق ندرك أن هناك قضايا أمام الحوار رئيسية من حيث الأولوية، لكن هذه القضايا يجب أن نأخذها بأبعادها الكلية الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية والأمنية.. وهنا لابد من الإشارة إلى أن الفساد والجريمة بكل أشكالها والارهاب والصراعات ليؤكد حقيقة ان وجود الفساد مرهون بوجود كل هذه الآفات والموبقات المدمرة للوطن وغد أجياله، ومن تعدد هذه الأزمات واطالتها أصبح اليمن يدار بها، والمطلوب من المتحاورين أن لا يواصلوا بأشكال جديدة إدارة البلد بالأزمات، وتكون المهمة الرئيسية للجميع الخروج بصيغة جديدة تتمثل في دستور يستوعب جوهر أسباب وعوامل قضايا ومشاكل ومصاعب الماضي.. مقدماً في صيغته الحل والمخرج النهائي لها، وهذا ما ينتظره الشعب من الحوار القادم الذي كما يؤكد الجميع أنه سيكون شفافاً وتحت سمع وبصر كل اليمنيين والمجتمع الإقليمي والدولي، وأطرافه سوف يتحملون المسؤولية أمام الله والشعب والتاريخ.