أخيراً عادت الجامعة العربية إلى العراق، ونجح الأمين العام عمرو موسى في كسب تأييد مختلف الأطراف السياسية للمشاركة في «مؤتمر الوفاق الوطني» في القاهرة منتصف الشهر المقبل بإشراف الجامعة العربية. فمن الذي تغير، أو ماذا تغير، وكيف تبدل الموقف بين الجامعة وأهل الحكم في العراق من الرفض التام إلى اعتبار الجامعة «أفضل من يستطيع أن يلعب دوراً في العراق»؟ وكيف رضيت واشنطن بدور على هذا المستوى للجامعة العربية؟ هل يمكن القول إن قناعة واشنطن باستحالة انتزاع العراق من محيطه العربي، وتأكدها من فشل مؤتمر «دول الجوار» كصيغة إقليمية للتعامل مع العراق الجديد وراء عودة الجامعة العربية إلى العراق، خصوصاً بعدما تبين لواشنطن وحلفائها العرب أن بيانات مؤتمرات وزراء دول الجوار حول وحدة الأراضي العراقية واحترام سيادة العراق واستقلاله والالتزام بمبدأ عدم التدخل في شؤونه الداخلية، وتأكيد حق الشعب العراقي في تقرير مستقبله بحرية» تحولت إلى وسيلة للتضليل السياسي من جانب طهران، التي حضرت تلك المؤتمرات ووقعت على بياناتها الختامية ومارست عكسها تماماً، فكان لا بد من تحرك عربي بموافقة أميركية لحماية العراق من الأطماع الإيرانية. لكن ماذا عن الأطماع الأميركية؟ وهل مشكلة العراق ناشئة أساساً من التدخل الإيراني أم من الاحتلال الأميركي؟ وإذا كانت من الاثنين معاً، هل سيؤدي تحرك الجامعة العربية في النهاية إلى حماية العراق من الخطر الأميركي والإيراني، أم سيحتمي بأحدهما لمواجهة الآخر؟ لا شك في أن الأسئلة المنطقية لا تصلح كمدخل لمناقشة علاقة النظام العربي بالعراق المحتل، فموقف الدول العربية من الاحتلال الأميركي للعراق لا علاقة له بالمنطق السياسي فهي رفضته بلسانها، وسهلت حدوثه بمواقفها وأحيانا بجوارحها وإمكاناتها. لكن من الواضح أن الأنظمة العربية أصبحت اليوم أكثر انسجاماً مع نفسهل. خرجت من حال التردد. وصار الموقف العربي الرسمي الجديد المتمثل بزيارة عمرو موسى للعراق أكثر واقعية، حتى لا نقول قبولاً للاحتلال الأميركي، والمتأمل لتصريحات الأمين العام للجامعة العربية سيجد أن موقفاً رسمياً عربياً جديداً حيال العراق بدأ يتشكل ويعلن عن نفسه بوضوح، وابرز ملامح هذا الموقف: عدم مسايرة رأي الشارع العربي الرافض للاحتلال، والتعامل مع العراق كدولة جديدة وليست دولة محتلة، وتجاهل ما يسمى «الاحتلال الأميركي»، أو استبداله بالتدخل الإيراني، والوفاق الداخلي، والاستعداد لدخول هذه الدولة الوليدة التي «اسمها العراق» إلى الجامعة العربية بعيداً عن أي تصورات وقرارات من مرحلة العراق السابق، وهذا يتطلب الاعتراف بما يسمى «خصوصية العراق»، والتي عبر عنها عمرو موسى بقوله: «كلنا نتطلع إلى قيام العراق الجديد كجزء من العالم العربي بخصوصياته التي نص عليها الدستور». فضلاً عن ممارسة هذا الموقف من خلال الجامعة العربية التي كانت تغرد خارج سرب الموقف الرسمي وتساير مزاج الشارع العربي، ولعل رأي الأمين العام بموقف الدستور من عروبة العراق خير مثال على تشكل الموقف الجديد، فهو قال أن «الصيغة التي وردت في الدستور توافقية لا تنفي أبداً الصفة العربية العامة للعراق»، مع انه كان من اشد الرافضين لهذه الصيغة، بل انه ناشد الإعلاميين العرب لمواجهة هذا الدستور الذي يهدد عروبة العراق، وموقفه ذاك لم يكن سوى تعبيراً عن موقف عربي عام في هذه القضية، لكنه اليوم تغير. الأكيد أن رحلة الأمين العام للجامعة العربية إلى العراق نقطة فاصلة في دور الجامعة العربية وعلاقة العرب بالعراق المحتل، وتحول جوهري في تعاطي الأنظمة العربية مع الاحتلال الأميركي للعراق. فزيارة عمرو موسى إلى بغداد أكدت أن الواقع العراقي هو الذي فرض التغير على العرب وليس العكس، وفي المحصلة فإن العراق الجديد هو الذي استعاد العرب وجامعتهم إلى خياره السياسي، وفرض عليهم «مبدأ الخصوصية» الذي من خلاله يستطيع أهل الحكم في العراق الجديد الاستمرار بفرض الرؤية الأميركية للعراق الجديد، وربما للمنطقة. الحياه