الصورة الشعرية هي عبارة عن كائن حي تتكون من روح وجسد.. مشحونة بالإيحاءات.. والدلالات الماورائية.. ومفعمة بالأحاسيس والمشاعر .. تفيض بالخيال المجنَّح المتكئ على الإضاءة الخاطفة.. والدهشة اللامعة .. والمسافات اللغوية التي تومئ بالأسرار، ولا تكشف عن مكنونها .. لذا لا يستطيع أحد أن يغوص في أعماق الصورة الشعرية إلا الناقد الماهر المبدع الذي يمتلك أدوات الغوص وفنونه وعلومه.. وتقنياته.. كما تقول الدكتورة يٌمنى العيد :” إن النقد الباحث عن المعرفة هو نقد محتاج إلى منهجية، إلى أدوات مفهومية، إنه قراءة مستضيئة بأدواتها، قادرة على الانتقال من التلقي إلى المساءلة، من التقليد إلى التملك”.. من هنا ندرك أن النص الأدبي جزء لا يتجزأ من الصورة الشعرية التي تحمل إشارات ولغات تعبيرية منوعة.. منها الصوتي والضوئي، والحركي.. فأي نص أدبي له قراءات متعددة.. ومستويات متباينة.. ومسافات رؤيوية متفاوتة.. لأنه يحمل بين مفرداته دلالات متلاطمة.. وإيحاءات متضاربة.. مشحونة بالقلق والتوتر.. لذلك تكون الصورة الشعرية في حالة خلخلة وتأويلات لا نهاية.. هذه الفجوات التوترية.. والإيحاءات اللامتناهية تتباين باختلاف المناهج النقدية.. أو المنطلقات الفكرية.. وهنا يحدث البحث والغوص عن أسرار النص الأدبي والإكتناه في استنطاق الصورة الشعرية وصولاً إلى القراءة الماورائية للصورة.. لأن القراءة النقدية لا تكون بالتماهي مع النص المقروء بل باستنطاقه.. واستكشاف دلالاته الماورائية.. فهناك تناغمات متجانسة.. تتمازج فيها العناصر المكانية مع العناصر الزمانية لتكوين إيقاع موسيقي ملائم مع أضواء وظلال وأطياف الصورة الشعرية .. لذلك لابد أن ندرك أن الصورة الشعرية ليست هوية ثابتة.. ولا دلالة محددة.. إنما تحتمل الصورة عدة قراءات.. ومستويات.. ودلالات.. وإيحاءات.. بل قابلة للتحوير والتحويل بقوة التأويل.. وبفعل الذائقة النقدية المبدعة.. فالشاعر العراقي السياب عندما يصف العينين بقوله: “ عيناك غابتا نخيل” هنا الصورة الشعرية مشحونة بالتوتر والقلق والصراع النفسي.. لأن ليس هناك شبه أو مثيل بين العينين.. والغابة.. والنخيل.. فالصورة مجازية .. ولكن هناك إيحاءات مخفية.. ودلالات ماورائية في بطن الشاعر لا يدركها إلا الناقد الماهر المبدع.. لان الصورة الشعرية دائماً تجنح إلى الومضة الخاطفة.. والإيماءة الصامتة فالصورة الشعرية ذات أمواج متلاطمة.. وألوان متضاربة.. يقول الشاعر رامبو: “إن الشاعر يدرك المجهول عبر خلخلة دائمة للحواس”لأنه يدرك أن هناك ظلالا خلفية لحدائق اللغة والصور حتى إن اللغة الشعرية ملأى بالإيماءات واللمح كأنها ظلال وألوان وأضواء.. وأمواج ذات إيقاع متناغم حيناً ومتلاطم أحياناً.. لذا يؤكد معظم النقاد أن الصورة الشعرية تُولد من المستقبل.. ومن الممكن ومن الحلم والخيال المشحون بالإيحاءات اللامتناهية والدلالات الماورائية والتأويلات المتباينة.. وكما يقولون: لولا اختلاف الأذواق وتعدد المذاهب وتباين الرؤى والقراءات النقدية لما كان هناك إبداع..!!