حدثنا عمرو بن براقة الهمداني.. قال؛ انه في تمام الحادية بعد الألف بالتوقيت السليماني لليالي.. لتعريها ذكاء صاحبة الجلالة إفراغها كأس الحنين الأخيرة في المتقمص آخر أبطالها حتى الثمالة، الثانية بعد الألف بالتوقيت البنفسجي لإدمانه سلافة النبيذ الخرافي اندماجه بالمرمريات والرخام الصافي، وبينما نحن نقطع البراري والفيافي اقتربنا من قصر الملك السعيد، وحاولنا الدخول فتعرض لنا بعض العبيد فما كان منا إلا الانتظار عند المخرج؛ واستراق الأنظار من وراء البنفسج فرأينا شهريار على غير عادته.. وقد تذكر انه لم يسمع بعد نهاية حكايته، فقام وفض مجلسه وتثاءب في علية القوم ولم يخف تغطرسه في لهفة للتناص مع الصمت؛ ومنادمة ثغر السمت؛ في رغبة للاسترخاء على سرير البوح وسماع الجديد من المحفوظ في اللوح؛ وحين دخل مخدع الزبرجد؛ لم يجد شهرزاد فأرعد وأزبد وزر على الجرس؛ ونادى على الحرس؛ وقال لهم آتوني بها، وإلاّ لن ابقي منكم ولا نفس؛ فدخلت عليه على غير عادتها؛ وقد تعرت ذكاء من جميع حكاياتها؛ وتركت وراءها قصص الهند والسند وبغداد والسندباد؛ ونضت الثعبان المطرز بالياقوت والماس وأسقطت النصيف البنفسجي من اللباس وارتدت شفيف الحرير وتهاوت على السرير ثم أنشدت: يا سيدي لي ألف ليلة وليلة اروي هموم الناس واكتم همومي لي ما تراه العين فيها دليله- انظر إلى عيني وداوي كلومي قلبي جواد قد تعالى صهيله ذاب الرخام المشتعل في صميمي حكايتي يا شهرياري طويلة أخاف أحكيها فترجع غريمي وقالت له لن أزيد فلما سمعها شهريار العنيد هب وأناب وانتفض كالعقاب وقال لها يا عالية الجناب ويا كريمة الأحساب والأنساب لقد أدمنتك أيما إدمان فقالت له أعطني الأمان ولا تتهمني بالجنون والهذيان؛ أو التخريف ومس الجان قال عمر براقة ومكثت استرق النظرات من نافذة المكان فرأيت شهريار يثور ويتلوى كالثعبان؛ ويدنو منها ويأخذها بالأحضان؛ثم يهزها كالذي يعالج من حالة إدمان؛ فطأطأت الآذان؛ فسمعته يقول: إلي بها الآن؛ وعليك الأمان فنهضت كغصن البان؛ وانحنت له كعود الخيزران؛ ونطقت فيها شقائق النعمان بأبلغ بيان؛ فهدأ ولان وقد انعكس بريق ثغرها المتبسم على وجهه فزال كل تجهم فقالت يا سيدي ومليكي، لا تستغرب من تغير سلوكي؛ فأنا في حيرة منذ غادرت الحيرة، تأخذني ألأسفار من أقطار إلى أقطار؛ حتى ألقت بي الأقدار بين يديك وصار مصيري إليك؛ وبعد ألف ليلة وليلة لديك؛ أتقيك بالسالفة تلو السالفة؛ وأنا من عدم رضاك عنها وعني خائفة ؛وما هي إلا أيام؛ حتى طاب لي المقام؛ وأكرمتني أيما أكرام؛ وقربتني من سائر الأنام؛ فأصبحت لك المؤنس والنديم وفي كل ليلة في كل وادي نهيم حتى ليلة البارحة؛ نزلت بي الفاضحة؛ وقرأت على روحي الفاتحة واكتشفت انه لم يعد لدي ما أحكيه أو أقوله؛ وخشيت غضبك من الليل وطوله فتذكرت حكايتي وصعبت علي حالتي.. فأخذها بلهفه ووضع رأسها على كتفه وقال لها: قد صدقتيني الصحبة والألفة فاغفري لي طبعي وعنفه فأنت تعلمين أنك في شغافه وعطفه؛ فألق مخاوفك وسري بكل سوالفك؛ فقالت يا سيدي شهريار؛ في التاسع من آذار؛ وفي الهزيم الأخير من الأسحار؛ ونحن نيام؛ في مدينة السلام؛ دوى انفجار؛ تلو انفجار؛ فانتبهنا وقد زال سقف الدار؛ وعلانا الرماد والغبار؛ فلف بنا المكان ودار؛ وإذا بالأشرار فوق رؤوسنا فهانت علينا نفوسنا؛ فواجهنا الأشرار وقلنا الموت ولا العار؛لكنهم فاقونا عدة وعتاد؛ ووجدنا أنفسنا آحاد بين جموع من الجراد؛ وكانت طيورهم تبول النار فيذوب الحديد والحجار؛ وولى الضعاف النفوس منا الأدبار؛ فانتفضت كاللبوة الكاسرة وصرخت يا أحفاد المناذرة ذودوا عن العرين وادحروا الملاعين الغاصبين؛ وكان المصاب جلل؛ فتكالبت علينا الدول؛ وأصبنا بالشلل؛ واحترقت غابات النخيل والسرو والسنديان؛ وحامت علينا النسور والغربان؛ وسقطت الأسود والعقبان وأسرت الظباء والغزلان ؛والتهمت غابتنا الخضراء السنة النيران؛ وأصبح ملكها المهاب العالي الجناب وراء القضبان؛ ووجدت نفسي في اطلال وخراب؛ تتآمر علي الذئاب؛ وقد فقدت الأهل والعشير؛ وأخذ القير والنفير؛ والبلاد في أيدي الثعالب؛ وقد استثعلت الغابات المجاورة لغابتي؛ وسادت ظاهرة الأرانب حتى في قرابتي؛ وأدرك شهريار الصباح فسكت عن الكلام المباح.