المشهد الثقافي العربي اليوم يمر بمرحلة صياغة جديدة.. تفرض علينا واقعاً مختزلاً بأفكار ورؤى وأيديولوجيات جديدة ودخيلة.. وتحديات متباينة.. ورهانات متعددة تشكل ملامحه المرحلة المرتبطة بالأحداث والوقائع وبالهوية الجديدة للإنسان المتشظي إثر الأوضاع المأساوية التي حالت دون انفتاح العقل المتحرر من كبوات الزمان والمكان.. والنظم الديكتاتورية القمعية النازية.. ولكن تظل الجراح غائرةً.. ومحفورةً في ذاكرة الشعوب المغلوبة على أمرها.. رغم التحديات المتراكمة.. والمساحات الرمادية الداكنة السواد.. وفي ظل تردي المشهد الثقافي العربي الراهن، تعيش الأمة اليوم حالة من التغيرات على كافة المستويات الاجتماعية والثقافية، والسياسية والاقتصادية.. وغيرها من أنماط الحراك المجتمعي.. ويظل أثر تلك التغيرات حاضراً بصورة فاعلة ومؤثرة في الحراك النهضوي الثقافي رغم تقلبات السياسة.. وتنوع مسارها الفلسفي والأيديولوجي.. المؤسف المعيب ان الخطاب الثقافي العربي بدأ يتراجع بشكلٍ مخيف.. ويتقوقع في دائرة اللامبالاة.. أو يتخندق في سراديب الهروب الطوعي هروباً من مواجهة أزمات الواقع.. وتبعاته الكارثية.. الا انه يمكن القول بانه حاضر بعض الشيء لدى كوكبة من المثقفين المهتمين بالشأن الثقافي. وهم قلة.. أما كان الأجدر لهؤلاء النخب ان يخرجوا عن صمتهم قبل اغراق الأمة في مستنقع براثن الخلافات السفسطائية.. والمماحكات الجدلية الغوغائية التي قد تؤدي الى نتائج كارثية وسلبية تؤثر على الحراك الثقافي والاجتماعي والسياسي بين ابناء الأمة الواحدة.. يا ترى في ظل هذه الأجواء الضبابية، والعواصف الهوجاء.. واختلاط الأوراق الحمراء بالصفراء، وتردي المشهد الثقافي العربي بصورةٍ مخيفة، يستطيع جهابذة الأدباء، وفطاحلة الشعراء، وعباقرة المثقفين ان يدلوا بدلوهم في حلحلة أزمات وقضايا الوطن، وما آلت اليه أوضاعه الانسانية والاجتماعية والاقتصادية من تدهور شنيع.. وانقاذ ما يمكن، أم يلوذون بالصمت والانكفاء.. وما لقيصر.. وما لله لله!!.. من هنا ندرك ان زمن الثقافة المستأسدة، وليد الأنظمة الفاشية النازية التي تكبل الشعوب بأغلال القمع والبطش، وتكميم الأفواه لتسييد نظرياتها المؤدلجة لخدمة اجنداتها الماورائية.. ولكن مهما طال زمن الاستبداد لابد له من نقاد.. لذا فلابد ان نعزز لهذه الأجيال الجديدة ثقتها بذاتها الثقافية والحضارية لتكون منبعاً للعطاء والإبداع في شتى مجالات التقدم العلمي والتكنولوجي الذي اصبح جزءاً من اركان الأمن القومي، والسيادة الوطنية.. علينا ان ندرك ان معظم الثقافات تمر بمرحلة مخاض عسير.. وتواجه تحديات عديدة.. ولكن رغم هذا وذاك يبقى الموروث التاريخي والثقافي والحضاري راسخ الجذور.. مخضر الأغصان.. يانع الثمار يؤتي أكله كل حين، كلما سمحت له الظروف والأجواء المناسبة.. صفوة القول: مهما كان حجم التحديات، تظل الثقافة أوكسجين الشعوب.. وقلبها النابض بالحياة والحيوية، وأيقونة الحاضر والمستقبل للأجيال القادمة.. في ازدهارها حياةٌ للشعوب.. وفي نهوضها ورقيها إعلاءٌ لقيم ومبادئ المحبة والوئام والسلام.. لذا لابد ان نتمسك بالثقافة كمشروع تنموي تنويري ابداعي مستدام بعيداً عن سفسطة السياسة.. ومهاتراتها الجوفاء.. والنأي بها عن المشاحنات الطائفية او الجهوية.. حتى نروم الى حياةٍ آمنةٍ مستقرة.. والى وطنٍ تسوده ثقافة الحب والسلام والمحبة.. وهذا ما تصبو اليه الأمة اليوم في مشارق الأرض ومغاربها.. يكفي الشعوب اليوم حروباً.. دماراً.. وخراباً.. آن وقت البناء والنماء.. ونشر ثقافة المحبة والسلام..