أي بناء روحي أو مادي أو فكري إذا لم يرتكز على أسس قوية وقواعد ثابتة فمصيره الانهيار. الحزب الاشتراكي اليمني الذي تأسس في العام 78 كخلاصة لتجمع تيارات اليسار الناتجة عن سلسلة من الصراعات داخل الحركة الوطنية وتصفيات وتحالفات متنوعة ومتناقضة بين فصائل واجنحة مختلفة “يمينية- يسارية- ويسارية- يسارية” وصولاً إلى الجبهة القومية النواة والركيزة الرئيسية للحزب الاشتراكي والتي بدورها تكونت نتيجة لتحالفات يسارية لفصائل من اليسار المتطرف كان الفصيل الرئيسي فيها حركة القوميين العرب الذين خرجوا عن القومية بعد هزيمة 1967م في الحرب العربية الإسرائيلية وتحولوا إلى الاشتراكية هرباً من الهزيمة القومية التي أصبحت مناهضة لجبهة التحرير وليس داعماً لها. فجبهة التحرير هي من قاد الثورة ضد المحتل البريطاني وحملت راية النضال الوطني والكفاح المسلح ضد الاحتلال وشارك كوادرها وقيادتها في الدفاع عن ثورة 62 في شمال الوطن وهي الثورة التي وفرت لهم إلى جانب الحكومة المصرية بزعامة الرئيس الزعيم جمال عبدالناصر الدعم والإسناد وفتحت لهم معسكرات التدريب في تعز وغيرها من المناطق المتاخمة للمناطق المحتلة وقامت بتسليحهم وتقديم الدعم اللوجيستي لتحرير أرض اليمن الطاهرة من براثن الاحتلال البريطاني الذي دنسها لعشرات السنين حتى النصر الذي تكلل بخروج الاحتلال في 30نوفمبر 67م, وخلال تلك الفترة تعرضت الحركة الوطنية لصراعات داخلية بين مختلف الفصائل والتيارات السياسية وتفرخ العديد منها وتشظي بعضها واختفى البعض الآخر وظهرت مكونات اخرى, وهذا ما سهل لأجهزة المخابرات المعادية الإمبريالية على وجه الخصوص وخاصة مخابرات الإمبراطورية التي غابت عنها الشمس اي المحتل السابق بريطانيا اختراق هذه الفصائل والتيارات الوطنية وتجنيد عملاء في أوساطها للعب دور في المستقبل القريب أو البعيد فاستراتجياتهم لا تخطط لعام أو خمسة أعوام وإنما لعشرات السنين القادمة واثبتت الأيام ذلك حيث وصل هؤلاء العملاء متلبسين بالوطنية والقومية والاشتراكية وحتى الشيوعية والإلحاد إلى مراكز قيادية بل وصل البعض إلى مناصب حساسة” أميناً عاماً ورئيساً” في مختلف الأحزاب الوطنية. إن أكثر المتشددين ومن يطلق عليهم المتعصبين أو المتطرفين تطرفا غير عقلاني في مواقفهم في أي حزب أو حركة أو مكون عقائدي أو سياسي ليسوا سوى مزايدين مندسين وانتهازيين ووصوليون غير مخلصين للمعتقدات” في قرارة انفسهم” التي يؤمن بها أو المبادئ التي يتبناها أو الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها ذلك الحزب أو المكون وإنما يتخذون من تطرفهم وسيلة للتسلق وسلماً للوصول إلى مواقع قيادية تمكنهم من تدمير ذلك الحزب أو المكون من داخله والتخلص من منافسيهم المؤمنين والمخلصين لمبادئ ذلك الحزب أو الحركة أو المكون والتشكيك في ولائهم واتهامهم بمختلف التهم التي تشكك في قدراتهم وإخلاقهم وولائهم وبعد التخلص من تلك القيادات يقومون بتوجيه سياسات وتوجهات المكون إلى الوجهة التي جندوا من أجلها, فقد كان الرئيس الروسي بوريس يلتسن الذي أعدم والده الحزب الشيوعي السوفييتي ضمن من أعدموا بتهمة الخيانة العظمى وقام الحزب بتبني الابن “بوريس” وتربيته في مدارس الحزب الداخلية ورضع الاشتراكية والشيوعية من منابعها, تسلق السلم القيادي ابتداء من شبيبة الطلائع الشيوعية إلى ما بعدها وكان من أكثر المخلصين والمتشددين في مواقفهم واخلاصهم للحزب مشككاً في ولاء الآخرين واخلاصهم حتى وصل إلى قيادة الحزب عندها انقلب وقلب الحزب رأساً على عقب وقام بالتخلص من كل القيادات الحزبية وزجهم في السجون ودمر الحزب وفكك الإمبراطورية الشيوعية ممثلة بالاتحاد السوفييتي وإنهاء المنظومة والمعسكر الاشتراكي بأكمله وانتهاء بتدمير روسيا الاتحادية من الداخل.. لقد كان وصول يلتسن إلى السلطة كما وصل غيره من الانتهازيين باستغلالهم للصراعات بين أجنحة ومراكز قوى الحزب المختلفة التي احتدمت داخل الحزب الشيوعي بعد رحيل الزعيم السوفييني “اندروبوف”. وهكذا نرى ان الصراعات بين الاجنحة القوية داخل الحزب أو المكون السياسي تفسح المجال للانتهازيين وتسهل الطريق لهم وتمهدها للوصول إلى مراكز القرار والمراكز القيادية وذلك باختيارهم في الغالب كحل وسط تلافياً للصراع المسلح و إذا احتدمت الأمور وتحول الصراع إلى صراع دموي فإنه يختزل المسافات ويزيل الموانع والعقبات أمام الانتهازيين والمندسين والوصوليين لاستلام زمام الأمور ومقاليد الحكم والقيادة, وهو ما حدث للرفاق في عدن في قيادة الحزب الاشتراكي عند اشتعال الصراع الدموي بين جناحيه “الطغمة والزمرة” حيث تمت تصفية معظم قياداته من “رموز الزمرة” جناح عبدالفتاح وهروب قياداته من “رموز الطغمة” جناح علي ناصر محمد وهو ما اتاح المجال وافسح الطريق للانتهازيين والوصوليين السيطرة على الحزب وعلى مقاليد الحكم في الجنوب. وكذلك ما حدث للأحزاب الوطنية في الشمال حيث تمت تصفية القيادات الفعالة وإخفاء آخرين خاصة بعد تولي علي عبدالله صالح مقاليد الحكم في شمال الوطن وملاحقة البعض وتهميش وإقصاء البعض الآخر وتم تمهيد الطريق بإشراف مباشر من أجهزة مخابراته لإيصال العملاء والانتهازيين وذوي المصالح الذاتية الضيقة إلى قيادة تلك الأحزاب وصاحب ذلك موجة تفريخ وتدجين لتلك الأحزاب خاصة بعد العام 90و94م. وهكذا تمت السيطرة على الأحزاب الوطنية ناصرية وبعثية واشتراكية وسلمت مراكز القيادات فيها للعملاء والخونة الذين اخرجوها عن مساراتها الوطنية وحولوها إلى اذناب لأعدائها التقليديين الذين تربى كوادر وأعضاء ومناصرين تلك الاحزاب على أنهم أعداء الأمة والدين والوطن فإذا بهم يرتمون في احضانهم- أي أحضان الرجعية العربية ممثلة بمملكة بني سعود والإمبريالية والصهيونية العالمية ممثلة بأمريكا واسرائيل واذنابهم ولكن ما الذي حدث للحزب الاشتراكي في 13 يناير حتى يرتكب الرفاق تلك المذبحة الرهيبة في حق بعضهم البعض ولماذا تحول الحزب الاشتراكي الحالم بالشيوعية والمؤمن بالأممية وانزلق في الصراع بين جناحيه إلى المناطقية والقروية والأسرية؟! والجواب: هو انه كما اسلفنا سابقاً بأن ما بُني على أساس هش فإن انهياره محتوم والحزب الاشتراكي لم يبن على اساس سليم ولا على مبدئ ومعتقد سياسي وأيدلوجي واحد بل كان عبارة عن تجمع لمختلف الفصائل والتيارات اليسارية التي تصارعت فيما بينها ومع غيرها قبل ان تتوحد في مكون واحد بأجنحة وأقطاب متعددة مضيفة إليها الفصائل اليسارية النازحة من الشمال نتيجة صراعات دموية أيضاً بين اليمين واليسار في صنعاء لتجتمع كل تلك التيارات والفصائل اليسارية في تكتل واحد أطلق عليه الحزب الاشتراكي اليمني الذي فضحت مذبحة يناير بعد ثماني سنوات من تأسيسه أنه أبعد ما يكون عن الاشتراكية والأممية, بل وعن الوطنية وأنه لم يكن سواء تجمع لنتوءات مناطقية وقروية وجهوية لابسة لقناع القومية التي لم يكتفوا بها بل لبسوا قميص الاشتراكية التي لم يكن للحزب منها إلا الاسم ولم يأخذ من إيجابيات الاشتراكية اي شيء ايجابي سواء في المجال العلمي أو الثقافي- الثورة الاجتماعية والعدالة والبحث العلمي الذي أوصل الإتحاد السوفييتي إلى الفضاء وإلى قيادة قطب من أقطاب الثنائي العالمي وإلى ثورة صناعية وزراعية في مختلف المجالات أو اشتراكية الصين التي أوصلت الصين إلى ما هي عليه اليوم من تقدم أحدث ثورة تكنولوجية وصناعية هائلة, أو اشتراكية كوبا” وكوريا الشمالية أو ... أو .... لكن الرفاق حصروا اشتراكيتهم وفهمهم للاشتراكية في بوتقة ضيقة لعدم فهمهم وإلمامهم الكافي بمعنى الاشتراكية ونظرياتها المختلفة التي وضعها علماء وفلاسفة الفكر الاشتراكي, وإنما اعتمدوا في ثقافتهم على المقالات الصحف والمجلات اليسارية وتنظير جورج حبش ونايف حواتمة من قيادات الفصائل الفلسطينية”والذين كان لهم دور كبير في ترجيح كفة الصراع داخل الحزب وحل مشاكل الرفاق وخلافاتهم قبل الانفجار في 13 يناير 86م ولذلك لم يعترف باشتراكيتهم حتى الاتحاد السوفييتي الذي كان يطلق عليهم” ذوي التوجه الاشتراكي” وليسوا اشتراكيين والرفاق كانوايحسبون انهم قد تخطوا الاشتراكية وتجاوزوا الشيوعية واصبحوا يتربعون على هرم الأممية وهذا قصور في التفكير وهروب من الواقع ومزايدة على الآخرين لانهم جعلوا من التصرفات الشخصية والانحلال الأخلاقي معياراً للاشتراكيين والرفاق كانوا يحسبون انهم قد تخطو الاشتراكية واتخذوا من الظلم والقهر والجبروت معياراً لحمايتها والحفاظ عليها وتركوا الأشياء الإيجابية في النظام الاشتراكي ومنها العدالة الاجتماعية والبناء والتنمية والقيام بثورة صناعية وزراعية شاملة وغيرها. وهكذا نجد إن الحزب الاشتراكي الذي بني على اسس هشة تعرى من ادبياته إلى درجة الفضيحة وتسبب في صدمات نفسية واخلاقية لكوادره ومناصريه مرتين, المرة الأولى: في مذبحة 13 يناير التي اثبتت انه كان بعيداً كل البعد عن القومية والاشتراكية والأممية ولم يرق حتى إلى مستوى الوطنية. والمرة الثانية: في 25 مارس 2015م عند اعلان شن الحرب الدموية والعدوان الخارجي على الوطن من قبل القوى الامبريالية والرجعية العربية بقيادة امريكا واسرائيل ومملكة بني سعود وهم الاعداء التاريخيين في ادبيات الحزب والتي بالغ وزايد في عدائه لهم وربط معيار الوطنية بمقدار العداء لهذا المثلث, فإذا بقياداته يرمون بأنفسهم وباشتراكيتهم وأمميتهم والتقدمية لديهم على نعال الرجعية وتحت أقدام الإمبريالية والصهيونية العالمية..وهذا ليس بغريب على أولي الألباب والعارفين ببواطن الأمور من سياسيات استخباراتية وتصفيات سياسية وما جرى عبر المراحل المختلفة من الصراعات التي مهدت للخونة والعملاء الوصول إلى المراكز القيادية ليس على مستوى الاحزاب الوطنية فحسب, بل على مستوى الوطن. وما صراحة علي سالم البيض الذي لا نقول انه سكت دهراً ونطق كفراً وانما سكت دهراً ونطق صدقاً في أول مقابلة تلفزيونية له مع قناة ال”بي بي سي” حيث تنكر للقومية وانه لم يكن من القوميين في يوم من الأيام بل قال بالحرف الواحد أيش من «قومجية» بلهجة زوج ابنته المغني اللبناني ونفى اشتراكيته وإنه لم يكن في يوم من الأيام مؤمناً بها وكأنه لم يكن من قيادات الجبهة القومية والحزب الاشتراكي الذي تسلق على اجنحة الرفاق المتصارعين حتى تخلص منهم وأصبح أميناً عاماً له. فلا غرابة في ذلك لأنها الحقيقة وقس على ذلك (العطاس والمخلافي والعتواني)...و....و.... وغيرهم.