عندما تتراود الألسنة في حديثها عن الشهادة في سبيل الله على وجه العموم وعن الشهداء على وجه الخصوص، فإننا سنجد بعض الناس تتراود ألسنتهم بعض من الأسئلة التي ربما قد يضعونها في موضع الغموض والتشكيك.. فنرى هذه الأسئلة التي حيَّرتهم غافلين عن حقيقة الشهادة والشهداء; إلى أين المسير؟ وإلى أي عالم سيرحلون؟ هل هم أموات أم أحياء؟ هل رحيلهم هذا ستندثر ذكرياتهم التي خلدوها؟ ولماذا ذهبوا إلى الجبهات أساساً ويموتون ويتركون دارهم وديارهم ويولون إلى غير رجعة؟ وعلى أي أساس تحركوا للقتال حتى يستشهدوا؟ قبل كل شيء علينا أولاً أن نضع تلك النقاط الأساسية وتلك الأجوبة التي شغلت أذهان بعض الناس الذين قصَّروا وفرَّطوا في التحرك الجاد والجهاد في سبيل الله مما أدى إلى تثبيطهم وتخاذلهم الكبير عن الجهاد في سبيل الله.. الشهداء العلّيون تحرَّكوا في سبيل الله بانطلاقة جادة، وعزموا على المضي في درب الجهاد ويعلمون علم اليقين بأنهم أمام خيارين لا ثالث لهما «النصر أو الشهادة»، تحرَّكوا في سبيل نصرة الحق ونصرة الأمة المظلومة و المُعتدى عليها، وفي سبيل التصدي للبغي والعدوان، فلهم قضية عادلة وينتمون إلى مشروع عظيم وهو أساس الحق والعدل وهو ; مشروع القرآن الكريم .. لم يخرجوا مُتجبرين ولا ظالمين كحال المُرتزق السعودي والإماراتي الذين باعوا أنفسهم للشيطان وتقديم أنفسهم كقرابين للمعبد الأمريكي، بل باعوا أنفسهم لله تعالى وتقديم أنفسهم قرباناً لله الواحد الأحد الفرد الصمد، بل خرجوا على مشروع قرآني عظيم شرَّعه الله في كتابه.. حيث يقول الله في كتابه ودستوره المجيد ; (فَمَنِ اعتَدَى عَلَيكُم فَاعتَدُوا عَلَيهِ بِمثلِ ما اعتَدَى عَلَيكُم)? فكانوا نعم السبَّاقين في الهدف المنشود والوصول إلى غايتهم وابتغاء مرضاة الله.. حرصوا كل الحرص على إقامة العدل في الأمة المظلومة ومقارعة الفساد والظلم والبغي ودحض الكُفر والطغيان والباطل، فحملوا في روحيَّتهم العزة والإباء والغِيرة على الحق وعلى أمتهم المكلومة.. لم يكونوا يهتمّوا بالأهداف المّادية ولا برغبات ولا بأطماع ولا بشي، إنما كان تحركهم تحرُّكاً خالصاً لله تعالى، فهي تُضفي على شهادتهم القداسة والعظمة والشموخ والانتقال إلى حياة سعيدة خالدة يزخرون في آلاء الله وينعمون في رغد عيشتهم الأبدية .. ولكن إلى أين السفر ؟! سافروا إلى مقامهم العليِّ العظيم، رحلوا إلى ضيافة الله واستضافهم الله ضيوفاً كُرماء ليجعلهم أحياء وكتب لهم الخلود في الحياة الأبدية بما يليق بعظمتهم ومنزلتهم ومكانتهم التي هي عند الله عظيمة.. رحيلهم لم يكن نهاية الطريق وأنهم انتهوا أو أو أو .. لا بل هي بداية الطريق، لأنهم انتقلوا إلى حياة أبدية خالدين فيها إلى قيام الساعة، فالدنيا ليست سوى حياة مؤقتة وسجن لا يتحرر منها إلا الشهداء، فلم تندثر ذكرياتهم التي خلدوها لنا، بل لازالت آثارهم الملموسة حولنا نلتمسها بشفافية ووضوح.. فإحياؤنا لذكرى الشهيد هو إحياء لثقافة الشهادة، وإحياء لعظمتها وروحيتها التي جسَّدها الشهداء .. ونلتمس من آثارها مسؤوليتنا الكاملة تجاه الشهداء الأبرار وتقدير منزلتهم العظيمة، وتوقد فينا العزيمة والثبات تجاه قضيتنا وقضية الأمة التي هي بحاجة إلى حثِّها على ثقافة الشهادة وتعزيزاً وصموداً في مواجهة التحدًّيات والأخطار التي تُحدق على الأمة القرآنية، ونُكرِّس في أذهاننا ونُرسِخ في واقعنا مبدأ الجهاد والشهادة في سبيل الله تعالى لكي نجعل هذه الثقافة تنتشر في أرجاء الأرض وتكون حاضرة في كل زمان ومكان.