جابرنا عمرو بن براقة قال : أحدثت ولادة شبل النار زلزالاً في عرض وطول البلاد .. وطوت آخر صفحة من كتاب الليالي الرتيبة التي أملاها شهريار بجبروته على شهرزاد .. لتبدأ في رسم خارطة السرد الجديد التي ستشكل وعي شبلها الوليد .. على الوجه الذي تريد .. فلم يعد ثمة شهريار يرغمها كل ليلة مطالباً بالمزيد .. ويوقعها في الرتابة والتقليد .. أو يحدد لها ما تحكيه بالتحديد .. لقد أدركت شهرزاد أن كال ما كانت تحكيه تحت التهديد مفرغا من كل مفيد .. وشعرت بأن كل ما كان يمليه عليها شهريار من حكايات الغول وصياد لتلقيها على مسامع الأشهاد لا تساوي قيمة ما أهدر على صياغتها من مداد.. فلم تزرع في عقول وقلوب الأولاد غير الخوف والابتعاد عن طريق الرشاد والرضوخ للظلم والاستعباد .. وأن كل حكاياتها الدراما كية عن علي بابا ومغامرات السندباد كانت لأمر يراد بالعباد والبلاد .. وهو إفراغ العقول من التفكير والتحليل وإلهائها عن الاجتهاد وتعميم ثقافة الاستبداد في كل محتفل وناد .. وهو ما دفع الكثيرين إلى الغربة والترحال أو الجنون والجنوح للخيال .. حتى يخلو الجو لسماسرة الفساد الذين جابوا الصخر بالواد .. التحكم بمصادر الثروات ومداخل ومخارج الاقتصاد .. والمتاجرة بقوت الرائح والغاد .. قطعان من الفئران وأسراب من الجراد .. لا يصدها صاد .. ولا يردها راد .. ترك لها شهريار لهدف وغاية توزيع الأدوار بينها منذ البداية ولعب البطولة في كل مشاهد الحكاية .. وتذكرت كيف كانوا يعرضونها في المزاد للحاضر والباد .. والغرباء العابرين الذين تدافعوا حولها تدافع الأكلة إل قصعة الزاد بأفواه فاغرة وأنياب حداد وعيون ماكرة بنظرات حداد .. لكن الله كان بالمرصاد لفعل الغواية .. فلم يترك له الخيار أو الاستمرار حتى النهاية .. بل قيظ له فعلا مضاد .. أحدث موجات من الارتداد غيرت سناريو وحوار الرواية .. ليسدل الستار على شهريار بعد ليال طويلة من الاستئثار بالعقول والأنظار في عرض عبثي وحكايات معادة طالما ذيلت مشاهدها بتوقيع حسب النظام وكما جرت العادة .. وتنفست شهرزاد الصعداء .. وهي تطوي أخر صفحة من كتاب الليالي السوداء .. وتلقي عن كاهلها الحمل الثقيل .. الذي أرغمها على حمله شهريار الضليل .. لزمن طويل .. لقد تطهر لسانها أخيرا من القال والقيل .. والكذب والتمثيل .. وغسلت يدها من التصفيق والتطبيل .. وبعد ألف ليلة وليلة من سيطرة الحكاية النمطية في أرض الأجداد .. احتفلت شهرزاد بليلة الرحيل والميلاد .. رحيل شهريار وميلاد شبل النار .. ولد شبل النار من رحم دمعة على شهيد .. لينحدر من ضوء شمعة يتيمة تنقش على رمال البيد .. ميلاد عهد جديد .. وانتشر خبر ميلاده السعيد في كل حدب وصعيد .. استقبلته شهرزاد في يوم جمعة .. وتوافد الناس حولها دفعة .. ليحتفلوا ببهي الطلعة .. وتعالت التهاليل والزغاريد.. وأصوات الغناء والأناشيد .. وقد نصبت الخيام على الأوتاد للوفود التي قدمت للتهنئة شهرزاد .. جاء شبل النار صدفة وبلا ميعاد .. فلم تتوقع مجيئه مراكز الأرصاد .. ولم تلتقطه اجهزة التعقب والترصاد .. وتصدر نشرات الأخبار ليكون الفعل والفاعل وصرحت شهرزاد به كما قال القائل .. اليكم هذا الخبر العاجل .. يا أهل الديار انقشعت الليالي و أُسدل الستار وانتهى عهد شهريار.. وآذان النهار تصغي لمقامات شبل النار.