لقد ترك رحيل القاضي العلامة الحجة الجهبذ التقي النقي الزاهد الورع النجيب السيد صفي الدين أحمد محمد الشامي تغشته شآبيب رحمة الله ومغفرته ورضوانه فراغاً كبيراً وفجوة عميقة آلمت وأحزنت وأبكت الشعب اليمني وأمة الإسلام قاطبةً، لقد خسر الوطن بفقده خسارةً كبيرة تركت في نفوس الجميع أثراً بالغاً وقد تأثر لرحيله الكثير من العلماء الأعلام،فقد كان من أبرز وأهم ركائز وأعلام الزيدية في اليمن وقاضي قضاته الحاذق الفطن اللبيب العالم الرباني صاحب الهمة والدين والأخلاق وفارس الكلمة الحقة وخطيب اليمن الأوحد في زمانه، بكته السماء وعلماؤنا ومشايخنا في الدين فقد بكاه العلامة الحجة عز الإسلام السيد المرحوم محمد بن محمد المنصور والعلامة السيد المرحوم حمود بن عباس المؤيد والعلامة المرحوم الشهيد المرتضى بن زيد المحطوري وغيرهم الكثير سواءً كانوا علماء أو من عامة الشعب فالقليل من الأشخاص هم من استطاعوا ترك أثر واضح في ذاكرة مجتمعاتهم يكاد عددهم لا يتعدى عدد أصابع الكف فمواقفهم النبيلة وسجياهم وصفاتهم المحمودة وسيرتهم العطرة خلدت ذكراهم ومن هؤلاء الأعلام عالمنا الجليل وفقيدنا العزيز الذي ترك أثراً واضحاً في نفوس طلبة العلم وكذا في نفوس علمائنا الأجلاء والصالحين سواءً كانوا سنة أو زيود وكانت له مكانة عظيمة وحيز كبير وواسع في قلب كل من عرفه عن قرب أو أحتك به فقد كان رحمه الله سلس المنطق عذب الكلام يأسر قلوب كل من حوله بأسلوب تخاطبه معهم ويجذب إليه الأفئدة قبل المسامع فينصتون لحديثه العذب بكل رحابة صدر وشوق لسماع المزيد دون ملل، كان كثير الخشية لله سبحانه وتعالى وشديد الحب له ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم كما كان محباً لجميع المؤمنين، لذا قل أن تجد له نظير في هذا الزمان لشدة علمه وحلمه وورعه وتقاه وشجاعته وإخلاصه وتواضعه الذي استقاه من حبه لله سبحانه وتعالى وسيره على نهج رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وإضافة إلى ما كان يتحلى به من المحامد والتواضع، كان صارماً شديد الحمية والغيرة لله ولدينه ولرسوله لا يخشى إلا الله لا يخاف فيه لومة لائم، كان كحد السيف لا يداهن أو يجامل أحد من البشر مهما على منصبه أو رتبته أو دنت، فلم يكن يتهاون في حدود الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. مولده ونشأته: ولد سلام الله عليه في قرية المسقاة محافظة إب التي تعتبر من أجمل القرى المحيطة بوادي بنا على الإطلاق، وقد لفت عالمنا القاضي العلامة الحجة أحمد بن محمد الشامي الأنظار إليه منذ طفولته وحداثة سنه وتميز بعد التحاقه بالمدرسة العلمية للدراسة برجاحة العقل والصفاء الذهني وشدة الذكاء والنباهة كما تميز بدماثة الأخلاق ورباطة الجأش والفطنة وحدة الفراسة وطهر السريرة وحبه لطلبة العلم وعدله وشدة تعلقه بالله فأصبح بذلك أحد أبرز القضاة والعلماء الأمرين بالمعروف والناهين عن المنكر كان طلق اللسان بليغ المنطق سلس الحديث كثير الأدب، حفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب وهو في سن مبكرة وبالقراءات السبع والتجويد،نبغ في مجال العلوم الشرعية وحفظ المتون وأصول الدين دراسةً وفهماً كما تعلم أصول النحو والصرف والبلاغة وعلم البديع والفقه والتاريخ وأشتهر بإلمامه وحفظه لكتب الأئمة الأطهار وسائر الكتب والمراجع الخاصة بالمذاهب الأربعة، عرف بالوسطية وحرصه على جمع الصف ولم الشمل وتوحيد الكلمة والرأي ،لم يكن محبا لدنيا ومتاعها الزائل ،فلم يسعى لتقلد المناصب برغم سعيها إليه ،فضل أن يبقى مترفعاً ،فقد كان صاحب مبدأ وسمو ورفعة وشرف وطهارة وعفة وأخلاق وشهامة ونبل وزهد وورع،تقلد العديد من المناصب في نهاية الأربعينيات وحتى بداية الخمسينيات وفي الستينيات والسبعينيات عمل بالقضاء وكان آخر منصب عين فيه هو منصب وزير للأوقاف، كان مصلحاً محباً لوطنه مخلصاً له وكان القدوة الحسنة والأنموذج الكبير المعاني لم يكن يحمل في قلبه ذرة من حقد أو ضغينة على أحد كان من الكاظمين الغيظ العافين عمن ظلمهم وأساء إليهم، كان يقتدي برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حارب الغلو والتطرف والإرهاب والارتزاق وسفك الدماء باسم الدين، كان يخشاه العملاء أكثر من القادة والمسؤولين في زمانه دافع عن المظلومين عن المسيرة القرآنية والسيد القائد رضوان الله عليه.