لربط مادة الحلقة السابقة بمادة هذه الحلقة في آخر سطور الحلقة الماضية قال الكاتب الكويتي سليمان العسكري ما معناه أن انعدام المشروع الإسلامي الحضاري قد أدى إلى ضعف مجالات الإنتاج الفكري والعلمي والعلوم الإنسانية والعلوم البحثية وكل ما من شأنه الارتقاء بالإنسان المسلم. ملاحظة: ما كتبه العسكري عن الجماعات والتنظيمات التي تتخذ من الإسلام عنواناً لها المقصود الوهابية ومن يتبع مشروعها المذهبي المتشدد لكن الكاتب لا يستطيع تسميتها حرفياً لأسباب سياسية لكن القارئ اللبيب يفهم جيداً القصد والمعنى والجهة أو الجهات المستهدفة من الموضوع. عودة إلى الموضوع وقد أوجد هذا التدهور مزيداً من الفرص لحركات الغلاة للتغلغل في هذه البيئة الفقيرة المتخلفة ثقافياً وعلمياً ومعرفياً واجتماعياً لنشر أفكارها المتخلفة مستغلة أجيالاً لم تتلق التعليم المناسب وتعاني من الفقر وقلة الفرص في حياة اجتماعية كريمة مما يجعل منها هدفاً وحيداً سهلاً لتلك الجماعات. ومن جهة أخرى سنجد أن تلك الجماعات ذات الأفكار المغالية في تخلفها تحرص على ترسيخ ثقافة المنع والترهيب ضد حرية الفكر أن ذلك يضمن لها أن تتعامل مع كل كاتب أو صاحب فكر على حدة أما بالتحريض على قتله أو إشاعة ألوان من الصفات التي تغتاله معنوياً وكلها تحت منطق التكفير كأنها تمتلك صكوكاً تمنح بها الغفران من تشاء وتعاقب من تشاء خارج القوانين وأنظمة الحكم في الدولة. ملاحظات: 1- البيئة الفقيرة يقصد بها الكاتب الدول الفقيرة وهي: اليمن بصفة رئيسية وبعض الدول العربية الفقيرة ومن الدول غير العربية مثل أفغانستان وكينيا والفلبين. 2- حركة الغلاة ما عُرفت – بضم العين – تنظيم القاعدة والنواة الرئيسية لتأسيس تنظيم القاعدة خلال حرب ما سمي بتحرير أفغانستان ممَّا يسمى ب الشيوعية كان سعودي الجنسية يمني الأصل أمريكي الصنع وكان يربط أسامة بن لادن والعناصر المؤسسة للتنظيم قواسم وأسرار مشتركة مع أمريكا والدليل على ذلك أن الأمريكان عندما قبضوا على أسامة بن لادن في باكستان لم يظهروه أو يحاكموه علناً بل قتلوه وقتلوا الأسرار التي تفضح الأمريكان معه ثم رجموا بجثته مربوطة بقطعة حديد إلى البحر حتى لا يعرف مكان قبره ليصبح مزاراً وخاصة من أنصاره أو محبيه. 3- القتل والقتل المعنوي للكتاب وأصحاب الفكر وهي إشارة إلى مقتل المعارض السعودي الشهير ناصر السعيد وكذا إلى تعرض الكاتب الكبير محفوظ إلى محاولة اغتيال فاشلة في موطنه مصر. أما الاغتيال المعنوي لبعض الكتاب فقد حصل فعلاً وثم القتل المعنوي لبعض الكتاب العرب اغلبهم من مصر ما فيش داعي لذكرهم. 4- ضعف الإنتاج الفكري للمفكرين الإسلاميين العرب أدى إلى فرملة الاجتهاد في الكتابة عن قضايا الفكر الإسلامي والمزيد من دحض الفكر الصهيوني المعادي للإسلام والمسلمين لو استثني جملة الكتب القيمة الذي كتبها الفيلسوف والمفكر الإسلامي الفرنسي روجيه جارودي رحمة الله تغشاه توفي في ديسمبر عام 2012م. عودة إلى الموضوع وحول الإفلاس الفكري أو ضعف المناخ الفكري العربي عموماً قال الدكتور العسكري بما معناه: إن ضعف الفكر العربي لم يتوقف على مناخ الفكر الليبرالي وإنما امتد إلى المؤسسات الدينية التي كان من المفترض أن تنتج أجيالاً قادرة على التفكير العلمي وربط الإسلام بالتقدم وبمكامن القوة التي حققت بها الدولة الإسلامية نهضتها في فترة ازدهارها. أما آفة الخلل في ترتيب الأولويات عن عرض الإسلام والدعوة إليه الذي أشار إليه الكاتب عن المفكر الإسلامي أبو المجد وإيراد هذا السؤال الجوهري قائلاً: أليس غريباً -على سبيل المثال- أن يطيل كثير من الدعاة الحديث في النهي عن شرب الدخان وعن سماع الموسيقى والغناء أو الدعوة لإرسال اللحية وفرض الحجاب على النساء وأن لا نرى منهم الاهتمام والحماس نفسه حين يتصل الأمر بقضايا الحرية والشورى والعدل في توزيع الثروات؟ وقال العسكري إن هذا السؤال جوهري لأنه يلخص جوهر فكر بعض الأحزاب الدينية التي تتخذ من الإسلام عنواناً لها على مدى العقود الأخيرة فهي لم تطرح مشروعاً إصلاحياً أو نهضوياً من أي نوع واكتفت بقشور الأفكار والنصائح اللغوية والتخويف للناس من الدار الآخرة. وفي بقية مقاله قال بما معناه: إن تلك الحركات الدينية التي يغالي بعضها في التشدد لم تقدم أي برامج تنموية في أي مجال خاصة مجال التنمية والعدالة ومواكبة علوم العصر ومنجزاته الفكرية والتكنولوجية ولا تعلو أصواتهم إلا في قضايا شكلية.. كما أشار الكاتب في سياق مقاله إلى بعض خلافات هذه الحركات الداخلية وتنافرها إلى الذي يصل أحياناً إلى حد الاقتتال وهو ما يؤكد أن لكلٍّ من تلك الحركات أجندتها الخاصة وأهدافها السياسية المعلنة أو السكوت عنها بالرغم من أنها ترفع الشعارات الدينية نفسها. أما ما نجحت فيه الأحزاب المتشددة فهو إشاعة صورة خاصة عن الإسلام والمسلمين ربطت بينهم وبين الدماء والقتل والتعصب إلى حد رفض الحياة وشوهت جوهر الصورة السمحاء الحقيقية للإسلام. ملاحظة: أما اسماه الدكتور سليمان :” نجحت فيه الأحزاب المتشددة” إلى آخر السطور أعلاه فهو ليس نجاحًا بل تشويهٌ للإسلام والمسلمين وصورتهم وكأنهم مرتبطين بالوحشية والجمود العقلي وعدم القدرة على التسامح والتعايش مع الآخرين مسلمين أو غير مسلمين.. صحيح أن جميع الأديان والمذاهب مارست التعصب في مراحل تاريخية لكن الثابت أن المجتمعات الليبرالية والدستورية في العالم المتمدن الخالي من أدران وعدوى الأفكار الوهابية هي التي استطاعت ان تنتصر على مفهوم التعصب بينما المجتمعات الأقل تطوراً وبلادنا اليمن واحد من المجتمعات الأقل تطوراً لم تدخل الآن مرحلة الحوار الهادئ حول علاقة الدين بالدولة وتنظيم تلك العلاقات على أسس ديمقراطية سليمة. المرجع: المقال المعنون “الصحوة بعد خمسين عاماً” المنشور في مجلة العربي العدد 606 لشهر مايو 2009م لكاتبه سليمان العسكري ص11 و ص12.