بحث مقارن لحملات الغزاة المتعاقبة على اليمن عبر التاريخ خلص إلى أن الغزاة لايستفيدون من التجارب بالرغم من دخول السلطان أسعد الصليحي في طاعة الأيوبيين بعد مجزرة حصن بعدان، فقد حاصره طغتكين حصن قيظان ورماه بالمنجنيق، حتى وافق الصليحي على تسليمه نستكمل حلقتنا لهذ العدد عرض الفصل السابع من هذا البحث والذي تناولنا في حلقات سابقة استعراض الجزء الأكبر منه والذي خصصه الباحث للغزو الأيوبي لليمن في القرن الحادي عشر الميلادي لنضع القارئ أمام صورة مكبرة ومقربة لتصرفات الولاة الأيوبيين وفسادهمومجازرهم الفضيعة الذي أدى إلى ثورة الشعب اليمني عليهم في معارك عديدة، فإلى الحصيلة: عرض/ امين ابو حيدر وفي 605ه شن الأيوبيون هجوماً على الهجرين وبعدها بعام هاجموا مناطق متعددة من شبوة ومناطق أعلى حضرموت لكنهم لم ينجحوا في إخضاعها وأمام ذلك الفشل قرر الأيوبيون الاستعانة بالمرتزقة اليمنيين فجهزوا حملة وجعلوا قيادتها لأحد المرتزقة يدعى عمر بن مهدي وهي الحملة التي تمكنت من السيطرة الجزئية على بعض المناطق غير أنها لم تستقر فقد واجهت انتفاضات قبلية كبيرة منها انتفاضة أهل حجر وكندة وكذلك انتفاضة قبائل نهد في 612ه وكان من أهم نتائجها قتل عامل الأيوبيين . وتكشف لنا حملات الأيوبيين على حضرموت مستوى إقدامهم على ارتكاب المجازر البشعة ضد الأبرياء ونهب الأموال وفعل كل ما يتنافى وقيم الشريعة والأخلاق الإنسانية بل إنهم لم يستفيدوا من درس الحملة الأولى ليتركوا جنودهم ينهبون ويقتلون ويعيثون الفساد في الحملة الثانية . ومن خلال ذلك نقول إن مقاومة الغزو الأيوبي لم تكن حكراً على مناطق شمال الشمال فهاهم أبناء حضرموت رغم تقاربهم المذهبي مع الغزاة يرفضون بقاء الأجنبي في بلادهم ولو لأشهر قليلة فثورتهم لم تهدأ رغم التنكيل وتحركهم لم يتوقف رغم الجرائم وعنفوانهم ظل متقداً ومستعراً رغم المذابح والمجازر. حملة طغتكين : لم يكتفِ صلاح الدين بالحملة العسكرية السابقة التي جاءت على وقع تمردات الولاة ومحاولة استقلالهم باليمن بل جهز في ديسمبر 1183 حملة عسكرية نوعية قوامها ألف فارس وخمسمائة راجل وكلَّف أخاه طغتكين بقيادتها في وقت كان في اليمن المئات من الجنود المنتشرين في الحاميات والقلاع والحصون من حرض حتى زبيد ومنها إلى عدن وكذلك إلى تعزوإب ، ومن خلال قراءة ظروف تلك المرحلة فإن أهم أهداف حملة طغتكين توسيع رقعة نفوذ الأيوبيين باليمن سيما في المناطق الوسطى والشمالية وهي المناطق الجبلية التي ظلت عصية عليهم فتركها توران شاه واكتفى بالمناطق الجنوبية الغربية. فساد الولاة والكنوز القارونية : على ما يبدو أن فشل الحملة العسكرية السابقة في تأديب الولاة الأيوبيين جعل تلك المهمة على رأس واجبات طغتكين فقد تمكن الولاة من إظهار الولاء والطاعة للأيوبيين غير أنهم استمروا في جمع الثروات الطائلة فعندما وصل طغتكين إلى زبيد تظاهر واليها خطاب بن منقذ بالولاء والطاعة غير أن طغتكين أقاله من منصبه وقرر توليته أحد الحصون القريبة من زبيد . إلا أنه فضل المغادرة إلى مصر فطلب الإذن من طغتكين فأذن له ثم تجهز للرحيل وجمع كل أمواله واستأجر الجمال لحملها وأثناء ما كان يفعل ذلك قرر طغتكين الخروج بنفسه لتوديعه إلى منطقة الجنابذ شمال زبيد وهناك تفاجأ بحجم الأموال التي كانت على ظهور الجمال فكانت بحسب الكثير من المصادر التاريخية عبارة عن سبعين غلافاً زردية مملوءة ذهبًا قدر قيمتها بألف ألف دينار أي مليون دينار وكانت هذه الأموال هي ما جمعها خطاب من تهامة خلال أربع سنوات فقط وقد قرر طغتكين مصادرة كل تلك الأموال وحبس خطاب ومن ثم قتله سرًا . وعندما علم عثمان الزنجبيلي والي عدن بمصير والي زبيد من اقتياده إلى السجن ومصادرة أمواله قرر الفرار في فبراير من العام 1184م فقام بشحن ثرواته الطائلة في عدة سفن جُهزت لهذا الغرض وكان أغنى الولاة الأيوبيين باليمن حتى أن المؤرخين وصفوا ثروته الضخمة بالكنوز القارونية . وبعد أن شحنها على ظهر السفن تمكن من مغادرة عدن بحراً متجهاً صوب باب المندب ومنه إلى البحر الأحمر نحو الحجاز إلا أن طغتكين كان قد أمر أتباعه باعتراض السفن أثناء المرور من جنوبالبحر الأحمر فلم يتمكن هؤلاء الأتباع من اعتراض سوى سفينة واحدة استولوا عليها وكانت مليئة بالقماش فيما تمكنت بقية السفن التي كانت تحمل المال من جواهر وذهب وفضة من الإفلات وفيها الزنجبيلي الذي نجا ووصل إلى ساحل الحجاز ثم انتقل إلى مكة قبل أن يغادرها إلى دمشق وتُظهر هاتان الحادثتان ما وصل إليه اليمن في تلك الفترة من غنى اقتصادي كبير غير أن هذه الخيرات لم تذهب إلى أبنائه بل ذهبت للأسف إلى الولاة الفاسدين الأيوبيين ومما قاله بعض المؤرخين عن تلك الفترة وما كانت تمثله اليمن بالنسبة للأيوبيين هو أن العائدات اليمنية كانت تغطي جزءاً كبيراً من تكلفة الحروب التي خاضها الأيوبيون ضد الصليبيين بل كانت عائدات الأرض اليمنية من مزارع وموانئ وتجارة ما يعتمد عليها الأيوبيون في تغطية نفقات الدولة بأكملها. مقاومة المعافر والسيطرة على الحصون : اتجه طغتكين نحو المعافر للسيطرة على حصن السوا فحاصره فلما أصاب أهله مرض عظيم أشرفوا منه على الهلاك سلموا له الحصن من غير قتال . ثم تمكن من السيطرة على حصن خدد ثم ريمة الحدبا ثم اتجه إلى مخلاف جعفر وكان الهدف الاستيلاء على حصون وصاب وأعمالها كما استولى على حصون أولاد أبي النور بن أبي الفتح وهما حصنا (بيت عز ونعم) في الشعر دون قتال ، كذلك استولى على حصن شواحط من أهله دون حرب ، وفي 1185توجه للسيطرة على حصن (عنه) في العدين وبعدها بعام توجه للاستيلاء على حصن (يفوز) من يد عبد الله بن محمد العودري كما استولى على حصن (خدد) جبل حبيش من صاحبه علي بن عبد الله بن مقبل وحصن بحرانة وسماءه وقزعة وعتمة . وهكذا سقطت معظم الحصون في تلك المناطق عدا حصن حب في بعدان إب والدملؤة في صلو تعز وكان للحصون والقلاع أهمية كبيرة في تلك الفترة فمن مظاهر السيادة والسيطرة على أيّة منطقة كانت بالسيطرة على القلعة أو الحصن فيها إضافة إلى الأهمية العسكرية لهذه القلاع والحصون فمن سيطر عليها صار من الصعوبة على عدوه هزيمته. مجزرة حصن حب في بعدان : كان لحصن حب أهمية كبيرة لدرجة أن السيطرة على إب تظل شكلية ما لم يتم الاستيلاء على ذلك الحصن الاستراتيجي الذي يشرف على مناطق واسعة ولذلك كان الهدف التالي لطغتكين بعد حصون تعز فتقدم بقواته إلى محيط الحصن وفرض الحصار الخانق عليه وكان فيه السلطان زياد بن حاتم الزريعي مع عدد من جنوده وأتباعه وعندما طال الحصار، طلب النجدة من علي بن حاتم حاكم صنعاء ومن كافة المشائخ في ذمار أبرزهم عبد الله الجنبي شيخ قبائل جنب وقد استغل هؤلاء مغادرة طغتكين إلى الحج وذلك في العام 581ه للاحتشاد والتوجه إلى فك الحصار على الحصن الذي استمر في محاصرته قائد آخر عينه طغتيكن وهو أبوزيان وكذلك شمس الخواص، وكان المقاتلون اليمنيون قد احتشدوا من همدان وذمار ومذحج وجنب وتقدموا إلى منطقة الصنمية من بلاد الحقل وفيها انضم إليهم السلطان أسعد بن علي بن عبد الله الصليحي صاحب حصن قيضان، وقد اجتمع المقاتلون للتشاور حول خطة عسكرية لقتال الأيوبيين وفك الحصار عن حصن حب، فبشر بن حاتم رأى أن يتجه الجيش بكامله في جهة قتالية واحدة . ورأى أسعد بن علي أن يتجه الجمع من جهتين فتغلب رأي أسعد بتقسيم الجيش إلى فرقتين فرقة وهم همدان بقيادة بشر بن حاتم تتجه نحو حصن نعم في الشعر وكان قد سيطر عليه الأيوبيون وفرقة أخرى وهم مذحج وجنب وغيرهم تتجه نحو السحول ووصلت قبائل جنب إلى مشارف السحول ثم قررت العودة بسبب الخلافات بين قادتها . وعندما علم بشر بن حاتم بعودة قبيلة جنب أمر همدان بالعودة والرحيل عن حصن نعم، وفي تلك الفترة عاد طغتكين من الحج فشدد الحصار على حصن بعدان وأنذر من به بتسليم أنفسهم قبل أن يقرر في أغسطس 1186م اقتحام الحصن بالقوة في وقت كان الحصار قد أثر بشكل كبير على من في الحصن لدرجة أنهم لم يتمكنوا من المقاومة أكثر فكانوا ضحية للسيوف الأيوبية التي ارتكبت مجزرة بشعة بموجب أوامر من طغتكين فقتلوا كل من كان بالحصن وفي ذلك قال العديد من المؤرخين (وقتل جميع من كان به ولم يسلم منهم إلا من لم يُعرف أو دخل في الجند الذي له أو طرح نفسه بين القتلى وتزلزلت لذلك اليوم جميع اليمن شاما ويمنا) . ويقول الشعبي في تاريخه: وكان في حصن حب بنو زريع فلما نفذ الماء والحب سلموا له الحصن على يد واسعة فقتل منهم طغتكين 550رجلاً حتى أنه جمد على يده أكبر من حبة الدباء دمًا ، ومن أهم نتائج تلك المذبحة المروعة ضعف الروح المعنوية للقبائل وبالأخص لقادتها الذين تسابقوا لإعلان الولاء لطغتكين خشية من أن يصيبهم ما أصاب أهل حصن حب ،فقد أرسل حاكم صنعاء رسالة يطلب فيها الصلح وأمر بهدم قصر غمدان وأمر الناس بالخروج إلى حيث يمتنعون فيه عن أذى الجيش . ثورة ذمار: على وقع المجزرة المروعة في حصن حب تقدم طغتكين بجنوده إلى ذمار بعد أن أبدى معظم المشائخ عدم المقاومة وقرروا الخضوع للأيوبيين عدا الشيخ عمران بن زيد الجنبي وإخوته وكان طغتكين قد عسكر أسفل حصن هران بعد أن استولى عليه ثم قرر العودة بعد أن عين مظفر الدين قايماز والياً على ذمار وفي ذات الوقت كانت القبائل تستعد للتصدي والمواجهة فحشدت المقاتلين من قبائل عنس وجنب ثم شنت الهجمات على الأيوبيين في ذمار . واستمرت في شن الغارات والغزوات واستهداف كل ما له علاقة بالأيوبيين حتى تمكنت من دخول المدينة بالقوة فيما فر من تبقى من الجنود الأيوبيين إلى قرية تسمى ذي خولان وفيها تعرضوا للحصار والمطاردة فاستغاثوا بطغتكين الذي كان قد غادر ذمار وما إن وصلته الرسائل حتى قرر العودة على رأس قوات عسكرية كبيرة فاتجه إلى ذي خولان لفك الحصار عنها، أما عن موقف القبائل فقد انسحب الكثير من المقاتلين بعد أن شاهدوا قوة الأيوبيين ولم يصمد في المواجهة إلا الشيخ عمران ومعه قليل من أتباعه فصمد هؤلاء رغم قلتهم وقاتلوا ببسالة في تلك المواجهات التي كان آخرها الصمود في المدينة حتى تمكن الأيوبيون من اقتحامها والاستيلاء عليها ومن نجا من المقاومين بمن فيهم الشيخ عمران انتقل إلى منطقة بِشار فقرر طغتكين قيادة حملة إلى تلك المنطقة فأمر جنوده بقتل أهلها ومما نقلته لنا المصادر التاريخية أن حجم ضحايا الأيوبيين في تلك المنطقة بلغ نحو ستمائة رجل لاذنب لهم سوى أنهم تحالفوا مع قبيلة جنب المشهورة بقتال الغزاة إضافة إلى حماية الثوار والدفاع عنهم . ويمكن القول إن طغتكين استخدم وسيلة الإرهاب من خلال التمادي في سفك الدماء وارتكاب المجازر علّ ذلك يؤدي إلى إخضاع أبناء ذمار التي لم يطمئن إلى أهلها بفعل استمرار مقاومتهم ورفضهم للغزاة ، وكانت بالفعل ذمار رأس حربة المقاومة ضد الغزاة الأيوبيين وسطر أبناؤها البطولات وقدموا التضحيات حتى أولئك الذين اضطروا لمهادنة الغازي سرعان ما كانوا ينتهزون الفرصة للانقلاب عليه، فها هو الشيخ عبدالله بن يحيى الجنبي يقرر الوقوف إلى جانب المقاومين من قبيلته ورفض تسليم بلاده وتحصن في حصن ذروان فأرسل طغتكين مظفر الدين قايماز لحصاره واستمر الحصار مدة خمسة أشهر حتى نفذت الحبوب والمياه من داخل الحصن . الاستيلاء على الدملؤة بالمال : رغم دخول السلطان أسعد بن علي الصليحي في طاعة الأيوبيين بعد مجزرة حصن بعدان الشهيرة إلا أن طغتكين أراد أن يسيطر على حصن قيظان فحاصره تسعة أشهر ورماه بالمجانيق حتى وافق الصليحي على تسليمه مقابل خروجه إلى صنعاء مع أتباعه . وفي العام 1189م توجه طغتكين للاستيلاء على حصن الدملؤة وكان فيه جوهر المعظمي وصياً على أولاد الداعي عمران بن محمد بن سبأ الزريعي فحاصره حصاراً شديداً ولما أدرك جوهر عدم مقدرته على مقاومة الأيوبيين وأن الحصار سيطول به عرض بيع الحصن لطغتكين بعشرة آلاف دينار ذهباً فوافق طغتكين على ذلك؛ لأن تكلفة الحصن واقتحامه أكثر من ذلك فضلاً عن قتل عدد غير قليل من الجيش نظراً لمناعة الحصن وصعوبة اقتحامه بسهولة لذلك وافق على شراء الحصن واشترط جوهر أن لايطلع إليه نائب ولاينزل هو من الحصن حتى يكون عيال سيده وأموالهم قد جاوزا البحر، فوافق طغتكين على ذلك . وعندما قبض جوهر المال من سيف الإسلام جهز أولاد سيده الداعي عمران من البنين والبنات وأخذ نفيس أمواله وترك على الحصن نائبا له واشترط عليه ألَّا يسلم الحصن إلا بعد أن يصله علمه بوصوله الحبشة، واتجه إلى أرض الحبشة ،بعد ذلك كتب جوهر إلى سيف الإسلام ونائبه على الدملؤة بتسليم الحصن للأيوبيين فاستغرب سيف الإسلام أن تصله رسالة جوهر من الحبشة لأن جوهراً كان قد ترك أوراقاً كثيرة وخاتمه عند نائبه وظل النائب يراسل طغتكين بخاتم جوهر فاعتقد طغتكين أن جوهر لا زال في الحصن لذلك كان استغراب طغتكين والسبب في هذا التصرف من جوهر هو خوفه من طغتكين أن يقبض عليه بعد تسليمه المال ويأخذه منه، وبالنسبة لنائب جوهر على الحصن فإنه رفض تسليم الحصن إلا بعشرة آلاف دينار أخرى فانزعج طغتكين وعاد لتشديد الحصار لذلك استغرق مدة الحصار أربعة عشر شهرا وفي النهاية وافق طغتكين على تسليم المبلغ مرة أخرى، واشترط النائب أن يكون السلطان بشر بن حاتم الذي صادف وجوده في تعز آنذاك لتجديد الصلح مع طغتكين حكماً بينهما فيتولى عملية تسليم المال من طغتكين وتسليمه الحصن واشترط النائب على بشر أن يُحمل هو وأولاده ومن كان معه إلى صنعاء بخفارته فالتزم له بشر بذلك وأثناء ذلك كان طغتكين يريد محاسبة النائب بالمبلغ الذي تسلمه جوهر ولكن بشر لم يوافقه على ذلك ولم يسلم الحصن لسيف الإسلام إلا بعد أن وصل إليه خبرٌ من أخيه السلطان علي بن حاتم أن النائب وصل إليه إلى صنعاء وتم تسليم المبلغ . حرب طغتكين مع بني حاتم الهمدانيين : رغم حالة الهدوء بين الأيوبيين وبني حاتم إلا أن العلاقة بينهما لم تكن سوى اتفاقات للهدنة سرعان ما تتحول إلى حرب طاحنة فقد كان الأيوبيون يهدفون إلى بسط سيطرتهم على كامل اليمن ولهذا تعددت حملاتهم العسكرية على المناطق الشمالية التي ينظروا إليها كمركز للمقاومة ولا بد من إخضاعها وتأديب القبائل بها. ففي أكتوبر 1187م قرر طغتكين التقدم نحو صنعاء وما إن وصل الخبر إلى السلطان علي بن حاتم وأخيه بشر حتى أمروا بتهديم قصر غمدان وسور صنعاء وتحصنوا في حصن براش وكانوا قد قاموا بإحراق ما كان لهم من غلة وعلف ووجهوا أهالي صنعاء إلى الخروج عن بلادهم والتحصن في حصون الأرياف المجاورة لصنعاء ولإثناء طغتكين من التقدم إلى صنعاء أرسلوا إليه القاضي حاتم بن أسعد للتفاوض، فنتج عن ذلك تقرير مبالغ مالية كبيرة يتوجب على بني حاتم دفعها سنوياً للأيوبيين وهي 80 ألف دينار حاتمية و 100 حصان في سنة واحدة وفي العام التالي أسقط طغتكين عنهم 20 ألف دينار و20 حصاناً، إلا أن هذا الاتفاق لم يصمد، فإمكانيات بني حاتم لاتمكنهم من دفع كل هذا المبلغ ومن تنفيذ بقية الالتزامات التي عليهم بحسب الاتفاق إضافة إلى أن طغتكين كان قد قرر السيطرة على صنعاء . فشعر بنو حاتم بحتمية الحرب؛ ولهذا اتجهوا إلى تعمير حصون ذي مرمر وكوكبان والظفر والعروس وبراش وفدة والفص في بني حشيش وأشيح في آنس، في الوقت الذي كان فيه جيش الأيوبيين قد بلغ قاع جهران ليبدأ في إسقاط الحصون واحداً تلو الآخر، فكان حصن ظفار هو أول حصن يتمكن الأيوبيون من السيطرة عليه بعد معارك قتل فيها السلطان يحيى بن سليمان المظفر وعدد من أتباعه، واستمرت الحملة في بلاد آنس حتى تمكنت من الاستيلاء على حصن أشيح وإخضاع كل بلاد آنس . حروب للاستيلاء على الحصون : بعد السيطرة على آنس تقدم الجيش الأيوبي إلى صنعاء ودخلها في نوفمبر 1189 بعد أن كان أغلب أهلها قد خرجوا منها وفي تلك الفترة أمر طغتكين ببناء بستان السلطان ثم توجه إلى إسقاط كافة الحصون في المناطق المحيطة بصنعاء لأهمية تلك الحصون في تأمين السيطرة على المدينة فتوجه إلى إسقاط حصن فدة بوادي ظهر واستخدم المجانيق للاستيلاء عليه