ما إن انطفأت نيران ماسمي ب"أزمة الضواحي" التي حدثت بفرنسا نهاية العام المنصرم حتى استسلمت شوارع المدن الكبرى وساحات الجامعة لمشاعل الغضب. آلاف الطلاب والتلاميذ (الشباب) نزلوا إلى الشوارع يتظاهرون وينددون، مسنودين هذه المرة بالهيئات السياسية والنقابات العمالية، وهذا في رأي أول درس تعلمه لنا التجربة-المدرسة الفرنسية منذ انتفاضة مايو1968 حتى الآن حول طبيعة العلاقة التي تنسج بين كل الأطراف المدافعة عن حقوق الشعب لا يوحد بينها إلا مطلب الحق، والدفاع عن أصحاب الحق في مقابل رفض كل مشاريع تكريس منطق الظلم وسلب الحقوق، وقد كان السبب في ذلك يتلخص في ثلاث أحرفCPE (عقد التشغيل الأول) وهو قانون صادقت عليه حكومة "دومينيك دوفليبان"، ظاهره تشجيع المقاولات على تشغيل الشباب ،وباطنه تكريس هشاشة الوضع الاقتصادي لهذه الشريحة مادام القانون يمدد فترة الاختبار إلى سنتين، وبذلك يمنح المشغل تسريح حامل العقد في أي وقت طوال هذه المدة. لكن الجدير بالاهتمام في هذا المقام هو أنه باستحضارنا للدراسة التي قدمها "ميشيل كارو" حول الشباب الفرنسي والتي عبرت عن اللامبالاة التي تطال المشهد السياسي الفرنسي بكل مكوناته نجد أن الشباب الفرنسي مابين18-24 سنة وبنسبة 68% لا يقبل دور البرلمان كما أن55% منهم يجهلون اسم ممثلهم في البرلمان، بل إن 85% من هؤلاء الشباب لم يجدوا انفسهم يوما في تواصل مباشر مع البرلمانيين أو المنتخبين، في حين تبقى النسبة الضئيلة منهم التي وجدت نفسها داخل هذا النسق متكونة من هؤلاء الذين انتهزوا مثل هذه الفرصة للمطالب بالحصول على عمل، نجد أنفسنا مندهشين كيف أن العلاقة التي تربط الشباب الفرنسي بالنسق السياسي تتصف بالهزال التواصلي والقطيعة العلائقية منه، وفي نفس الوقت نجد أن هؤلاء الشباب كادوا أن يقوموا بانقلاب سياسي ضخم يكاد يرتقي إلى مستوى الانقلابات التي حدثت في أمريكا اللاتينية الإفريقية، والتي قام بها ساسة من الدرجة الأولى ونخبه واغلة في الفضاء السياسي حتى النخاع، مع العلم أن الطلبة هم الذين كانوا عمود الانتفاضة الفرنسية منطلقين من السوربون ليؤثروا في باقي المؤسسات الأخرى. في اعتقادي أنه ليس هناك مفارقة في الأمر، على اعتبار أن الشباب الفرنسي تمكن حتى الآن من إيجاد مجالات أخرى للممارسة والانخراط في الشأن العام، كما وجد لنفسه صيغ للنضال الأمر الذي لم يصله الشباب المغربي بعد، ومن هذا المنطلق يلزم إزالة الخلط بين "التحزب" و"التسيس" فالتحزب التزام تنظيمي والتسيس انتماء واقتناع تصوري، وهنا فان الوعي والقناعة هما اللذان جعلا الشباب الفرنسي يعبر عن موقف سياسي بشكل سياسي في قضية سياسية-اقتصادية-اجتماعية.