وتبقى عسير ونجران وجيزان هي المحور الذي أبقى الصراعات ملتهبة بين الرياضوصنعاء .. لان طغاة النظام السعودي كانوا دوماً ينظرون الى اليمن كخيمة , وكحديقة خلفية للسعودية ولأسرة آل سعود.. وللأسف لم يجدوا من يتصدى لهم , ولهذا كان التمادي السعودي , عنوان الصراعات , ولم يقف في وجهها غير الامام يحيى في السنوات العشرين والثلاثين من القرن العشرين الماضي , لكن الانظمة التي تعاقبت على اليمن بعدها , لم تحرك ساكناً ازاء النظام السعودي بل وقعت اتفاقية ترسيم حدود , وبذلك أضاعوا اليمن واضاعوا عسير ونجران وجيزان .. وفي هذا الجانب عاشت اليمن مرحلة مطالبة بالحق , والحرص الشامل على الاستحقاق وكانت مرحلة الحرب العالمية الاولى فرصة امام الطامعين والطامحين في مد نفوذهم , ونشأ ما سمي حينها بإمارة الادريسي في نجران وجيزان وعسير, وعند انتهاء الحرب العالمية الاولى مد الادريسي نفوذه إلى الصليف ثم الى الحديدة ودارت المعارك بين الامام يحيى وبين الادريسي , وتمكن الامام من دخول الحديدة في العام 1925م وواصل تقدمه حتى وصل الى ميدي.. ومن جانب آل سعود فقد استطاعوا ان يقضوا على زعامة آل عايض في عسير , وقاموا بتنصيب زعامات اخرى موالية لهم , بعد ان خاض آل عايض مواجهة مع بن سعود لمدة سنوات أربع امتدت من 1919م إلى العام 1923م.. ويؤكد الدكتور سيد مصطفى سالم بان الامام يحيى لا يتمسك بالحق التاريخي في عسير بجبالها وسهالها وانما هي جزء من اليمن منذ قرون طويلة فحسب , بل لأنه كان الوريث الوحيد للأتراك العثمانيين في كل مكان يسيطرون عليه في اليمن بما في ذلك عسير التي كانوا يعتبرونها اللواء الرابع من الوية ولاية اليمن , وكان ينظر إلى الادارسة انهم دخلاء كما تمنى ان يقضي العثمانيون على محمد الادريسي قبل إجلائهم من اليمن. تلك كانت واحدة من ملامح العلاقات والتجاذبات القائمة في المنطقة بعد خروج الاتراك واستئثار البريطانيين في إدارة الازمات في المنطقة وتأجيجها الفتن وتنصيب زعامات والتآمر على زعامات في المنطقة .. ولقد تنامى حقد الانجليز على الامام الى صناعة فتن عديدة أمامه .. ويورد سيد مصطفي سالم انه في شهر ذي الحجة سنة 1345هجرية عند وصول وفد ابن سعود الاول الى صنعاء ليخبر الامام بعقد معاهدة الحماية مع حسن الادريسي كانت هناك عودة قوات اليمن من الجوف الى صنعاء بعد أن قضت على الاضطراب هناك,وفي نفس الشهر اضطر الإمام يحيى إلى ارسال قوات اخرى الى جهة ميدي للقضاء على الاضطرابات حولها.. ونتيجة عقد المعاهدة اليمنية الايطالية وزيادة التوتر اليمني البريطاني بسبب احتلال بعض اطراف المحميات ارسلت حكومة عدن في سنة 1928م طائراتها التي ألقت قنابلها على بعض مدن اليمن .. ومما اضطر الجيش اليمني الى الخروج من الضالع والشعيب وغيرهما , وقد اصابت الطائرات الانجليزية بعض سكان اليمن بخسائر فادحة وهذا الموقف البريطاني من الامام كان خشية من ان يتمكن من توحيد كل الاراضي اليمنية في اطار دولة قوية وخشية التاج البريطاني ان يمتد ذلك الى عدن القاعدة البريطانية الاكبر حينها في منطقة الشرق الاوسط . وكان ذلك العدوان المباشر الهمجي ابلغ رسالة بأن بريطانيا كانت اساس كل المشكلات السابقة واللاحقة لان الارشيف البريطاني اشتمل على ملفات كبيرة وعديدة ليس في اليمن فقط وانما في الشرق الأوسط وفي العالم أجمع . ولذا فان الواجب على الباحثين الدارسين ان يبادروا الى دراسة ذلك الارشيف البريطاني الاوسع لمعرفة حقائق تاريخ المنطقة , والالمام به ليعرفوا ان كل المصائب هي في الاصل صناعة بريطانية بامتياز.. نعود الى قصر الامام في صنعاء الذي كان مشغولاً بأكثر من قضية وتحديد اً قضايا ترسيخ دعائم دولة يمنية قوية حينها , بالقضاء على التمردات وعلى المشكلات التي كانت في غالبيتها بدعم بريطاني وبدسائس من حاكم عدن البريطاني الذي كان يتابع كل صغيرة وكبيرة وكان بيده تخويل من لندن زرع الجواسيس وشراء الذمم وتأليب القبائل .. ويذكر الدكتور سيد مصطفى سالم : انه في الثلث الاول من عام 1928م توجه سيف الاسلام أحمد الى تهامة للقضاء على ثورة الزرانيق وكان المعروف ان الانجليز كانوا وراء زعيمها “ الفتيني “ , واستمرت هذه الثورة اكثر من عام اذ لم يدخل السيف أحمد الى بيت الفقيه عاصمة الزرانيق إلا في ربيع الآخر عام 1348هجرية الموافق 1929م ويشير الكتاب أيضاً الى أن الامام وجه حملة اخرى الى مشرق البلاد سنة 1931م لفتح مارب وعبيدة وغيرها , ولم يعد هذا القائد من مهمته العسكرية تلك إلا في ذي القعدة بعد ان تم له اصلاح الامور في بلاد مارب .. وفي نفس الشهر اعاد الى صنعاء أمير الجيش المظفر الشريف عبدالله محمد الضمين من الجوبة بعد أن أكمل إصلاح بلادها وما جاورها . ويواصل سيد مصطفى ايراد الحقائق التاريخية بالقول: أما الحملة الكبيرة التي قادها السيف أحمد ووصلت الى نجران فيمكن ان ننقلها كما فعل كل من المؤرخين اليمنيين محمد بن زبارة , وعبدالله الجرافي وكما قال الاول عن رفيق هذه الحملة محمد بن عبدالرحمن شرف الدين حتى نعرف ما دار حولها، فقد قيل: انه في سنة 1351هجرية الموافق 1932م سار سيف الاسلام أحمد ولي العهد في قوة عظيمة الى حرف سفيان لتأديب قبائل ادهم الذين لم يدخلوا فيما دخل فيه قبائل اليمن من تسليم رهائن الطاعة ولا امنت بلادهم من طغيان اهل الفساد , ولما وصل الى الجبل الأسود الذي توجد وراءه ارض قفر تمتد حتى الجوف ويحصل فيه السلب والنهب , أمر ببناء ثكنات للجنود يقيمون فيه لحفظ الامن ولضمان استقرار الحالة , ومنع ارباب الفساد من ارتكاب الإجرام .. وقد نصب خيام جيشه في مدقة سرعان ما جاء إليه اشراف الجوف رؤساء ذو حسين وغيرهم, فأخبرهم ان الغاية والغرض من مجيئه ماهو إلا اصلاح أهل البلاد وتأمين الطرقات واقامة الشريعة المطهرة , وطلب منهم الرهائن .. ثم ظهر الخلاف من ذو محمد أهل جبل برط فزحف عليهم الجيش المتوكلي وهزمهم شر هزيمة ودخل محل الخراب , ثم تقدم الجيش الى جبل برط وفتح مدينة العنان .. ثم ارسل سيف الاسلام ولي العهد اخاه الحسن الى جبل برط وأمره بتوزيع قوات الجيش على اخماس ذو محمد .. وقد مثل بين يدي ولي العهد أكابر ذي نوف وحوش الخلاء الذين ليس لهم عمل الأغوز قبائل المشرق كالكرب والصيعر , وقد تمد غزواتهم في بعض الاحيان الى نجد ولهم في ذلك حكايات غريبة .. وتقدم عامل برط الى وادي خب , وبلغت الرهائن من ذي حسين وذي محمد وبني نوف نحو ثلاثمائة شخص وأرسل ولي العهد بعض من يثق بهم من افراد الجيش لحصر عدد المواشي والنخيل فلم يعترضهم أحد , وامنت السبل حتى ان السائر من الجوف الى مارب لا يحتاج الى رفيق والمسافة بينهما نحو ستة أيام , وكان لا يقطعها قبل ذلك الا الجماعات الوافرة.