توقّع المؤرخ المتخصص في التاريخ الاسلامي برنارد لويس أن تتحول أوروبا إلى الديانة الإسلامية في نهاية القرن الحالي وكشف بأن قادة إسرائيل بحاجة إلى مانعة صواعق لضمان استمرار دولتهم. وقال لويس، في حديث خاص لصحيفة دي فيليت الألمانية حول نقاط التشابه والخلاف بين الوضع العراقي الحالي والوضع التركي إبان حكم أتاتورك، إن الزعيم التركي أقام دولته بعد أن أبعد الغزاة عنها ثم اتجه تالياً نحو الغرب بينما الوضع في العراق يختلف لأن الغرب هو الذي ضرب الحكم الديكتاتوري ولأن جذور سلطة صدام حسين لا ترتبط بالحضارة الإسلامية العربية بقدر ارتباطها بالنموذج الأوروبي النازي. و أضاف لويس أن جذور النموذج الديكتاتوري العراقي تعود إلى مطلع الأربعينات من خلال حكومة فيشي الفرنسية، التي كانت فلكاً من الأفلاك الألمانية، وهذا ما فتح باب النموذج الألماني واسعاً في لبنان وسوريا تمهيداً للهيمنة على المشرق العربي. وقال لويس إن الهيمنة الألمانية في العراق عرفت تجلياتها مع نظام رشيد علي كيلاني الذي أُقيم في العام 1941 بدعم ألماني.. لقد كان هذا النظام نموذجا ألمانيا نازيا مدعوما من نظام ألماني نازي مشابه تجلى لاحقاً في حزب البعث.. إن السياسة الإسلامية التقليدية عرفت الاستبداد وحكم الطاعة لكنها ابتعدت عن التعسف والطغيان. وحول مدى استفادة حزب البعث من حركات الإصلاح التي نمت في القرن التاسع عشر، رد لويس بالايجاب مشيراً إلى دخول العراق مرحلة التطور وتقليد النموذج الغربي الذي تمثل في أوروبا في حينه، وهذا كان يعني بالدرجة الأولى تقوية السلطة المركزية ومؤسسات الدولة وإضعاف المؤسسات والقوى الاجتماعية التقليدية التي كان بإمكانها أن توازن قوة الدولة.. لقد جرى قطع أوصال كل ما له علاقة بالداخل العراقي: تجار البازار والقبائل ورجال الدين حماة القيم... جميع هؤلاء لم يكن تعيينهم عبر قائد الدولة بل عبر التنظيم الاجتماعي للبلاد. ورداً على سؤال حول فرص الحل للقضية الفلسطينية بعد سقوط صدام حسين، قال لويس للصحيفة الألمانية إن الظروف وفرص السلام المتاحة لم تتغير كثيراً.. إن المعنيين في هذه القضية يرون اليوم بوضوح أكثر الأمور التي كانوا يقدرونها.. إن استطلاعاً جرى في قطاع غزة حول أسباب الأوضاع المتردية في القطاع كشف أن أقلية حمّلت المسؤولية إلى الاسرائيليين، بينما في السابق كان هناك إجماع على تحميل إسرائيل المسؤولية.. اليوم بات الفلسطينيون يحمّلون بعض القيادات العربية سبب تردي الأوضاع.. وهذا في حدّ ذاته خطوة متقدمة. وأضاف لويس أن الإعلام يؤدي دوراً مهماً في هذا المجال لأن إسرائيل هي دولة ديموقراطية ومجتمع منفتح وهذا يتيح أمام المواطن العربي معرفة الفارق بين المشاكل المطروحة داخل إسرائيل والمشاكل المغيّبة عنه في بلده. ورداً على سؤال حول ما إذا كان زمن ياسر عرفات قد انتهى، قال لويس لصحيفة دي فيلت إنه يأمل نهاية زمن عرفات لكن لا تزال لدى عرفات بعض المؤشرات التي تمدّه بالاستمرار وهذا الأمر يتعلّق هنا بالدور الأوروبي.. إن عرفات يمسك بزمام الأمور ويحصل على ملايين الدولارات سنوياً من أوروبا من دون أي مراقبة حسابية واضحة. وحول الحدود الإسرائيلية، هل هي الخط الأخضر (وقف إطلاق النار عام 1949 أم حدود الأراضي المحتلة، قال لويس إن الخط الأخضر فقد معناه.. وحول الجدار العازل الذي تقيمه إسرائيل قال إن إسرائيل تبرر بناء الجدار بقضايا الإرهاب والعمليات الإستشهادية وهذا الأمر غير كافٍ لأنها كانت تعيش على الدوام هذه الحالة وكان أجدى بالأمم المتحدة أن تتنبّه أكثر إلى هذه القضية. شروط التفاوض وحول شروط التفاوض بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي قال لويس إن أولها تسليم كل طرف بشرعية الآخر وحقه في وجود دولته وبعدها يجري التفاوض حول حجم دولة إسرائيل وحدودها ويتزامن ذلك مع وقف العمليات الإرهابية. وحول دور إيران وتأثيرها على عملية التفاوض الإسرائيلي الفلسطيني قال لويس إن الحكومة الإيرانية تشكل عقبة لأنها تدعم قوى دينية متطرفة في غزة ولبنان. في طهران تبدّل المفهوم الإسلامي.. لم يعودوا اليوم معادين لليهود فقط بل باتوا معادين للنصارى، على الرغم من تسامح القرآن الكريم تجاههم. أما حول الأوضاع في السعودية فقال المؤرخ برنارد لويس إن الأوضاع تزداد تردياً والإرهابيون باتوا على شاشة الإنترنت. إن الخط الوهابي يبرز كخط عنيف ومتطرف وغير متسامح.. هذا لا علاقة له بالإسلام المتسامح.. نحن نرى اليوم مجازر يرتكبها سنّة متطرفون بحق شيعة يصلّون.. هذه نسخة جديدة من الإسلام الوهابي. وأضاف لويس أن طريقة التعامل مع دور المرأة شكلت منعطفا في الخلاف المسيحي الإسلامي لأن المسيحية كانت أول دين عالمي يرفض تعدد الزوجات.. إن بعض الكتّاب الأتراك نظروا إلى المرأة ليس كنصف المجتمع بل كأمّ للمجتمع بكامله لأن الأم المتعلّمة أفضل من الام الجاهلة.. لقد عرفت بعض المناطق الإسلامية تطورا في فهم دور المرأة الاجتماعي. في العائلات الملكية الأوروبية نعرف أسماء الأمهات بينما في العهود العثمانية لا ذكر للأم لأنها من الحريم وهذا الأمر لم يكن معروفا عند إطلالة الدين الإسلامي وعند الأمويين تحوّلت الأمهات إلى سيدات أحرار وقد جاء تنظيم الحريم لاحقاً. النظام المتطوّر الأفضل ورداً على سؤال حول رؤيته لتطور الأنظمة العربية والنموذج الأفضل بين العراق وفلسطين ومصر وتركيا قال برنارد لويس إنه قبل سنوات كان يفضل النموذج التونسي لكن الحكومة التونسية تحوّلت إلى نظام أوتوقراطي.. لقد كانت تونس من أكثر الدول الإسلامية المتقدمة والمنفتحة لكنها تراجعت على العكس من المغرب. وحول الفترة الزمنية للقضاء على تنظيم القاعدة قال لويس إنها ستستغرق زمناً طويلاً ونتائجها غير مؤكدة وعلى المرء أن يحتسب أيضا إمكان فوز تنظيم القاعدة نظرا للتحالفات، المدركة وغير المدركة، التي يقيمها هذا التنظيم في الدول الغربية.. وبين الحلفاء المدركين تأتي الأقلية الإسلامية ومعتنقي الإسلام في الغرب.. هذا الوضع يبدو شبيهاً بالأوضاع الماركسية في ما مضى، والتي قدمت أجوبة للمستائين من الأوضاع في الغرب، وهذا ما يقدمه الإسلام لهؤلاء هذه الأيام.. إنه يتبنّى قناعاتهم ويقدم إليهم معنى ورسالة.. وأضاف المؤرخ لويس إن الديموقراطيات تقدّم المزيد من الأحقاد بين الناس العاديين أكثر من الأحقاد على الأخصام.. من هنا يسيطر الضعف والانقسام على الدول الغربية والسياسة الأوروبية، وخاصة النموذجين الفرنسي والألماني لا يساعدان على الخروج من هذا المأزق. وكشف لويس للصحيفة الألمانية بأن تنظيم القاعدة لا يزال يمتلك القدرة على توجيه ضربات مماثلة لضربة أيلول العام 2001.. لقد سبقت ضربة أيلول سلسلة عمليات ضد مصالح أميركية. لقد شعر المتطرفون بغياب الخصم الفعال فوجّهوا ضرباتهم.. بعد الحادي عشر من أيلول فوجئوا بحجم القوة والعنف الذي تتمتع به الإدارة الأميركية. واستبعد لويس قدرة أوروبا على التوازن مع الحجم الأميركي لأن أفلاكاً دولية مهمة تلعب على الساحة ومنها الصين والهند وربما روسيا معافاة.. والأكيد أن أوروبا سوف تصبح جزءاً من الغرب العربي أي المغرب.. وهذا ما تؤكده الهجرات والنزوح البشري والتحوّل الديموغرافي.. إن الأوروبيين يتزوّجون متأخّرين ولا ينجبون أطفالاً إلا بعدد قليل، بينما يبرز النقيض: حضور تركي كبير في ألمانيا وعربي في فرنسا وباكستاني في انكلترا.. هؤلاء يتزوّجون باكراً وينجبون أطفالاً بكثرة.. وفي هذا السياق من التطور الحالي ستتحوّل أوروبا في نهاية القرن الحالي الحادي والعشرين إلى أكثرية مسلمة بين سكانها!